Tuesday, May 23, 2006

النظام الحيوانى الجديد

النظام الحيوانى الجديد!
ظرف المكان الغابة... وظرف الزمان عصر الفيل... فى مزرعة السيادة الحيوانية اعتّل الأسد بوعكة طارئة فاعتلى الفيل منصّة من القش ورفع زلومه فى شموخ وأعلن حالة الطوارئ... وقام بحل المملكة الحيوانية واحلالها بالجمهورية الحيوانية المتحدّة!المراسيم تعلن أنّ الأسد لم يعد ملك الغابة، فقد أزيح مع المملكة... وصار رئيس الجمهورية الحيوانية الفيل... ونائبه الضبع... وتشكّلت الوزارة وأهم أركانها: وزير الدفاع الدب ووزير الداخلية الكلب ووزير الإعلام الضفدعة ووزير التنمية العمرانية هى السلحفاة... وزير الخارجية الثعلب... والقرد وزيرا للتموين... والصحة للخنزير ... والاقتصاد أسند للتمساح... والمالية لسمك القرش... أمّا وزير النقل فهو الحمار! فى ظل الجمهورية الحيوانية صار الأسد محكوما، فرضى بالأقدار بل رضى أن تأتيه التهديدات من الفيل محمولة على جناحى صقر... لم يملك الفهد إلا أن يكون طائعا... أمّا النمر فعرف كيف يتجاوب مع الظروف الجديدة فدخل مع زمرة المطبّعين وقد سمعه القط فى لحظة دعاء غير مستجاب يدعو ربه: اللهم أحينى مطبّعا وأعشنى مطبّعا وأمتنى مطبّعا واحشرنى فى زمرة المطبّعين! أحكم النظام الحيوانى الجديد قبضته فلم يعد للحيوانات مهرب من أن تساق كالبقر فى الاتجاه الفيلى... وإلا داس عليهم بأرجله التى تفوق قوة الحصان الميكانيكى... يدوس عليهم بلا فرق بينهم وبين الحشائش... لم يعد هناك فرق بين بقرة وثور فقد انتهى العهد (الثورى)!... والديمقراطية الوحيدة صارت ديمقراطية الذبح .. مثلما تفعل الشاه... لا تملك إلا اختيار الاتجاه الذى تضع رقبتها عليه لاستقبال سكين الذبح! طريقة الوقاية الوحيدة للحيوان التى يحمى بها نفسه من أن ينتقل تعبيره بالتوصيل أو الحمل أو الإشعاع هى أن يبنى كل حيوان حول نفسه سلكا شائكا يحمى به نفسه مع ترك بوابة واحدة هى البوابة التى تدخل بها أوامر الفيل ونائبه الضبع!...عاشت جموع الحيوانات فى حذر مستمر... الحيوانات تخشى دبيب النمل وتلّون الحرباء والاستخبارات التى يديرها الببغاء وتعاونه العقرب والكوبرا...كل يحذر لدغة العقرب... وسم الثعبان... وكل يخشى على روحه من أن يكون مصيره الدفن على يد حانوتى الغابة الغراب الذى يبحث فى الأرض ليريهم كيف يوارون سوآتهم ! وأصبح نفاق الفيل سيد الموقف... الزرافة تتصنّع (الظرافة) فترفع فوق رقبتها شعارات تأييد الفيل الذى يمثل عهده نهاية التاريخ الحيوانى حتى الانتقال إلى الدار الآخرة التى هى الحيوان!... والغزال يهرول من أجل التطبيع مع أصدقاء الفيل... والحمير الوحشية تسعى لإزالة خطوطها حتى تشبه وزير النقل... بل صارت موضة زواج الخيول من الحمير تيارا جارفا علّ الحصين يخرج من أصلابها أو أرحامها بغال هى أقرب للحمير! كل حيوان كان يحسد الأرنب فى قابليته للوداعة... فهو يتفوق على الحمل فى وداعته يبحث عن السلام ولو فى حفر تحت أرض الغابة... ولذلك فهو أقرب للفيل وحكومته ... وكانت الحكومة كلما تنزل منشورا مكتوبا على أوراق الشجر فيه أمر أو نهى تلفت نظر الحيوانات لنموذج الأرنب فى الديمقراطية فيمنحه الأنواط والأوسمة و(القروض)... حتى صار الأرنب من (القوارض)!... هذه غير الألقاب الكريمة فهو تارة الحيوان الصالح وتارة أخرى ابن الغابة البار! وأغرقت الحيوانات المنافقة الفيل ووزراءه بالهدايا السمينة كطيور الزينة وأسماك الزينة والورود الشوكية وجلد النمر وفروة الأسد... لكنهم يحذرون من تقديم لبن الحمار أو جلد التمساح أو سن الفيل! آمنت الحيوانات بأقدارها... أمامها خيارات ثلاثة: التطبيع أو التطبّع... أو الطبيعة والتمسّك بطبائعها... والخيار الثالث أخذت به النعامة فمرضت بالاكتئاب النفسى فصارت تدفن رأسها فى الرمال... انتشرت أمراض جنون البقر وانفلونزا الطيور وحمّى القرود والسعال الديكى!... وحيد القرن عاش وحيدا... والتنفيس الحيوانى لا يأتى للحيوانات إلا شعرا عن طريق طائر الليل الحزين!تغيّرت جينات وطبيعة الشعوب الحيوانية فظهر جيل ثان من الحيوانات... ميكى ماوس وتوم آند جيرى... وأرنوب ودبدوب وثعلوب وبطّوط ونمّور ... وبلوتو ... وصار رمز الجمهورية الجديد هو كنج كونج والنشيد الحيوانى الوطنى: خواطر فيل ! شهدت الحيوانات جميعها بأنّ أفشل وزارة فى الجمهورية الحيوانية كانت وزارة الصحة التى يديرها الخنزير... فلم تقدّم وصفات علاجية ناجعة لأمراض الحيوانات الشعبية... كما لم تفلح وزارة الخنزير فى علاج أهم الأمراض الرئاسية: داء الفيل!! هذه الكتابة فيها حيونة للقضايا العامة وهى طريقة لها ما لها وعليها ما عليها:
1 - الكتابة مختلفة عن الحيوان للجاحظ وكليلة ودمنة لابن المقفع وبيدبا ومزرعة الحيوانات لجورج أوريل 2 - النظام الملكى أفضل للحيوانات من النظام الجمهورى
3 - المتاعب التى واجهها الفيل فى الحكم كان من الممكن تخفيف آثارها لو عيّن الأسد مستشارا لشؤون الغابة
4 - الحيوانات مثال للكائنات الحيّة التى تستحق الحرية لكنها تخفق فى ممارسة الديمقراطية
5 - هذه الكتابة لا تكتمل إلا بإرسال مبعوث أممى لحقوق الحيوان إلى الجمهورية الحيوانية المتحدة!
جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الخرطوم الجديدة © 2004-2005م - هذة المادة غير قابلة لإعادة النشر والتوزيع والصياغة

links مواقع

www.awragjadida.net www.rayalshaab.info www.newkhartoum.com www.khartoumtoday.net www.rayaam.net www.sudaneseonline.com www.sudaneseonline.org www.sudanile.com

الخرطوم الجديدة في حوار مع عبد الوهاب الأفندي

الخرطوم الجديدة في حوار مع عبد الوهاب الأفندي : حلّ الترابي الحركة وأصبحت النخبة كالخراف أمامهكان هناك (سوبر تنظيم) للأمن والمال لا يتغيرالبعض رأى المحافظة على السلطة بأي ثمن!!المؤتمر الوطني جهاز موظفين والكيان الخاص جزء من الصراع!!تجربة الحركة الإسلامية أضرت بالمشروع وأفادت العلمانيين أكثر مقدمةعندما يحل رمضان في كل مكان من بلاد المسلمين فإن الناس يتذكرون الوحدة ولم الشمل الإسلامي طاعة وعبادة ولكنهم في السودان - مع ذلك يتذكرون خلافات الإسلاميين والتي بلغت في الرابع من رمضان العام 1998م حد (الفجور في الخصومة) والتربص بالآخر فيما بعد..! الدكتور عبد الوهاب الأفندي الدبلوماسي السابق والمراقب الحالي ما فتئ يرمي (التجربة والنظرية) في السودان بسهام النقد النافذة حتى عد من غلاة المتشددين في (نقد الثورة) وهو الذي تدرج في الحركة الإسلامية من عضو ملتزم إلى منفذ أمين لأطروحات المشروع قبل أن ينقلب على كل ذلك ناقداً لحد الألم ومعه نتذكر ما كان وما كان ينبغي أن يكون ولا يكون برأيه.. حوار: الطاهر حسن التوم - خالد عويس - بكري المدني د. عبد الوهاب دعنا نبتدر هذا الحوار بالسؤال حول أوجه القصور في المشروع الإسلامي بالسودان وهل هي نظرية أم تطبيقية وذلك لما عرفت به من انتقاد دائم للتجربة؟ الرد المختصر هو أن الجزء الأكبر من أوجه القصور تطبيقي والأقل نظري وإن كانت التجربة السودانية نظرياً متقدمة نوعاً ما عن التجارب الأخرى وكانت إلى حد ما هادياً حتى للتجربة الماليزية التي استوحت منها فكرة المرونة كما ذكر لنا مهاتير محمد في أحد اللقاءات كذلك الإخوان في تونس يعتقدون أنهم تعلموا من التجربة السودانية الانفتاح والمرونة الفكرية، وعموماً فقد كان ذلك مصدر قوة للحركة الإسلامية في السودان والذي حدث بعد يونيو 1989م أن جزءاً من هذه المرونة قد فقد وأصبح هناك شئ من الجمود في الممارسة، فالحركة التي كانت تؤمن بالحرية وبالديمقراطية وبأن الحزبية أداة لذلك لم تعد قادرة على استيعاب الآخرين واتخذت مواقف سلبية من كل ذلك!! وكان ذلك لحساب العمل الأمني والإداري.. صحيح أنه تمت معالجة ذلك لاحقاً لكن السؤال لماذا كان التعطيل أصلاً؟ إذاً من يتحمل مسؤولية هذه الردة؟ المسؤولية آساساً تعود في ذلك للشيخ الدكتور حسن الترابي باعتباره الذي كان مسؤولاً مسؤولية كاملة في تلك الفترة ولكن بمشاركة ومباركة من كل المسؤولين سواء في الحركة أو الدولة ولا استثنى من ذلك الأخ علي عثمان والأخ البشير وكل النخبة المفكرة في الحركة والتي تعاملت بسلبية شديدة وبنوع من التدجين وكانوا كالخراف في تعاملهم مع المسائل رغم وجود مجموعات كانت ترفع أصواتها بالتساؤلات والانتقادات ولكن الغالبية كان بعضها منتشياً بما يعتبره انتصارات وبعضها كان يثق ثقة عمياء في القيادة ويرى أن الباطل لا يمكن أن يأتيها من بين أيديها ومن خلفها، وتلك كانت قوة ضاربة وأذكر أنه لما كنا نحتج على القيادة كانت تقابلنا بما يسر القيادة!! وكانت تلك مسألة مؤسفة فمن ميزات الحركة أنها كانت تمتلك كوادر ذات ميزات فكرية وثقافية عالية ولكنها عطلت أو بيعت بثمن رخيص مقابل أشياء عدوها أهم في ذلك الوقت. دكتور عبد الوهاب كتبت في كتابك (ثورة الترابي) أن الرجل أميز رموز الإسلام السياسي تنظيراً وتطبيقاً فهل تراجعت عن ذلك الآن؟ لا بالعكس هذا الكلام يحتمل الوجهين وكان من الممكن أن أقوله بمعنى آخر.. وفي ذلك من هو المسؤول؟ ومن الذي بيده التغيير؟ وكنا في تلك الفترة نأمل في التغيير وأخذنا الجانب الإيجابي من المسؤولية وهي تقع على عاتق الدكتور الترابي فهو من حلّ الحركة وحلّ مؤسساتها وأضحى هو المستأثر بالقيادة وحوله مجموعة قليلة وأصبحوا (سوبر تنظيم) وكانوا المجموعة التي تمسك بالعمل السري خاصة النواحي المالية والأمنية وكانت مجموعة غير معروفة لدى البقية وغير محاسبة وبالتالي غير منتخبة ولا يمكن تغييرها ولقد كانت هي الإطار المباشر للترابي وبيدها أكثر الأمور مفتاحية وبهذه الصورة ترك الأمر لها، بينما كنا نرى أن تركيز القوة في يد الترابي وأن كثيراً من الإسلاميين ما كانوا يعرفون غيره وأنه كان صاحب الكلمة المسموعة فالحديث عن أن الترابي كان من أميز رموز الإسلام السياسي عني ذلك. تعرضت بعد ذلك في مقالات عديدة بما اعتبرته (مضايقات للترابي وحزبه الشعبي) بل قدمت ما اعتبرته أيضاً نصحاً للبشير (بعزل الأستاذ علي عثمان وحلّ الأجهزة الأمنية) فهل يمكن قراءة ذلك في الحد الأدنى تعاطفاً (تراجعياً) مع الترابي الذي طالما انتقدته؟ حقيقة لم أكن أرى أي مبرر للإجراءات التعسفية التي اتخذت في حق الشيخ حسن الترابي - بمعنى أنها لا تفيد كثيراً واعتقال الحكومة له لم يؤد إلى الذي تريده بل حدث العكس ولهذا اعترضنا على هذه الممارسات بالإضافة للنظرة إلى إنجازات الترابي في الحركة الإسلامية والتي تجعل من غير الصحيح أن يعامل معاملة أسوأ من معاملة قرنق أو الصادق المهدي - في ذلك الوقت - على الرغم من عدم موافقتي على أطروحات وممارسات الشعبي فالترابي والذين انضموا إليه لم يقوموا بتوجيه أي نقد ذاتي، ولقد علقت على رسالته التي كتبها بمرور اثنى عشر عاماً على الإنقاذ وحاول أن يحلل فيها الأزمة وكنا نتوقع فيها شيئاً من النقد الذاتي للحركة وله شخصياً وإذا به يقول إن الأوضاع في السودان كانت تسير من حسن إلى أحسن حتى 1998م وأنها تحولت إلى أسوأ بمجئ المجموعة الأخرى! وطبعا هذا كلام تبسيطي وغير صحيح وواقعياً يقول الناس إن الأسوأ كان في بدايات الإنقاذ مثل القمع والتردي الاقتصادي وأن التحسن حدث بعد ذلك فكلام الترابي أضره أكثر مما أفاده وكان عليه أن يتحدث عن الخلل حتى يثق فيه الناس من جديد. دكتور الأفندي انتقادك لمجموعة الترابي مرة وللمجموعة الأخرى مرات يجعلنا نسألك عن موقعك التنظيمي داخل الحركة الإسلامية ومع أي جناح يطير الأفندي؟ أنا أساساً لا علاقة تنظيمية لي بالحركة الإسلامية فقد تم حلها في 1989م وجاءتنا تعليمات بتسليم الأوراق والعهد فقد حلت الأجهزة ولم تعد هناك (حركة إسلامية) واستوعب البعض في الدولة التي ساهمنا فيها ولكننا اكتشفنا - بعد ذلك - عدم وجود إطار وإننا أصبحنا موظفين برواتب نتلقى تعليمات ولا جدوى لكلامنا بل لا توجد أيضاً مجالس للنقاش وعمليا اصبحنا مثل السعودية ومصر وتلك كانت مشكلة فأنت كمفكر إسلامي مطالب باتخاذ مواقف إسلامية معروفة حيال ما يجري وأصبحنا في مأزق خاصة عندما نذهب إلى مؤتمرات خارجية ويسألوننا عن حقوق الإنسان مثلاً في الدولة الإسلامية (ودولتنا تقمع الإنسان) وكنا أمام خيار من اثنين إما أن نستمر موظفين نقبض رواتبنا ومخصصاتنا من الدولة ونبيع ديننا بدنيانا وإما أن نستقيل ونقول كلامنا واخترنا الخيار الأخير. هل تعتقد أن خروجك جاء متأخراً وهل تعتذر عن تلك الفترة؟ نحن دخلنا الحكومة بنفس عقلية الحركة الإسلامية و كنا نتلقى التعليمات ونعمل الواجب وبالنسبة لي كان هناك اعتراض من بعض الأصدقاء ومن الأسرة والذين كان رأيهم ألاّ أتولى منصباً رسمياً لما يمكن أن يكون له من سلبيات بينما كان رأيي - وقتها - أننا جنود في الحركة وأن علينا الإلتزام بما رأت ولكني أعتقد - الآن - أنني كنت على خطأ وما كان علينا أن ندع مكانتنا الفكرية للدخول في هذا القمقم والذي سبب لنا ضرراً في مصداقيتنا أمام الرأي العام والذي لن يهمه أي موقف آخر لنا ما دمنا جزءاً من الدولة والسؤال هو هل كان لتلك الممارسات التي تضررنا منها مبرر؟كنا نرى أنها خلل في التوجه بينما رأي آخرون ضرورة المحافظة على السلطة بأي ثمن بما في ذلك (القهر والمال) كأمور ضغط وكنا نرى أن الحركة الإسلامية لا حاجة لها لذلك وهي حتى في البلدان أكثر شعبية وأنها قادرة على جمع الجماهير دون اللجوء للقهر أو المال والملخص أن البعض كان يرى أن الدولة رصيد للحركة الإسلامية يدفع برنامجها للأمام بينما الذي حدث أن الدولة اصبحت عبئاً على الحركة الإسلامية والدليل انه في المؤتمرات الدولية التي تشارك فيها رموز إسلامية تقدم أطروحات عن نظام الحكم في الإسلام كان الخصوم يقولون لهم إنكم تريدون أن تقيموا نظاما مثل نظام السودان!! وكانوا يرددون بلا (آي شئ ولا نظام السودان!!) فانظر إلى أي درجة أوصلت الدولة الحركة الإسلامية!!إذاً هل يمكن القول إن تجربة المشروع الإسلامي في السودان بإخفاقاتها قد صبت في صالح المشروع العلماني في المنطقة؟بصراحة ما حدث في السودان أعطى دفعة للعلمانية من جهتين: الأولى أن التطبيق في السودان وفي غير السودان قد فشل، والجهة الأخرى أن هنالك ممارسات علمانية داخل المشروع نفسه كأشياء تمت وهي مخالفة تماما للشريعة الإسلامية بدعوى الحفاظ على الدولة وباعتبارها الأهم وعملياً هذه علمنة في الممارسة وكل ذلك كان سنداً للمشروع العلماني في المنطقة. دكتور إنتقدتم كثيراً حل الحركة الإسلامية وكأنه خطأ تنظيمي ولكن ألا يعتبر وصول الحركة للدولة تطوراً تنظيمياً قامت عليه فكرة الدولة الإسلامية لدى الإخوان مبدأً؟ هذا سؤال مهم فمن ناحية إجرائية لا أرى مشكلة في حلّ الحركة الإسلامية المعينة إذا قامت كبديل لها مؤسسات، لكن الذي حدث شيئان: الأول أن الحركة كانت هي الحزب الوحيد الذي تم حلّه عملياً بقرار من الدولة بينما استمرت الأحزاب الأخرى رغم (قرارات حل الأحزاب) وهذا كان استثناء، والشئ الآخر أنه لم توجد بدائل للحركة الإسلامية والفقه الإسلامي هنا متخلف لأنه يكتفي بولي الأمر ولكن عملياً في الدولة الحديثة يجب أن توجد تنظيمات دستورية تسيرها والإشكال جاء بعدم وجود أي تنظيمات أو أطر وهذا وضع أدى إلى شلل سياسي للدولة وأضحى العمل الإسلامي من غير أطر بينما تقوم أطر للعمل في المقابل الآخر فاليساريون مثلاً كانوا منظمين بينما حلت الحركة التي قامت لضرورة تأطير العمل الإسلامي. لكن هناك بديل قام ممثلاً في الكيان الخاص للإسلاميين؟ والله هذه محالات أضحت جزءاً من الصراع ومرهونة للدولة التي أنشأتها كأي جهاز من الحزب الذي أنشأته (المؤتمر الطني) والذي ليس هو بحزب أيضاً وإنما هو جهاز موظفين ورأيي أن ترفع الدولة يدها ليحدث إحياء حقيقي وليس كما حدث لاختيار الأمين الثاني للمؤتمر الوطني (إبراهيم أحمد عمر) لا للنائب الأول وقتها (علي عثمان) من تدخل واضح للدولة، والتنظيم مفترض أن يكون مستقلاً بلا إشراف من الدولة التي ابتلعت الحركة الإسلامية لتلبث في بطنها إلى يوم يبعثون!! ويحدث الانهيار الكبير وحتى المؤتمر الوطني لن يكون قادراً على العراك السياسي إذا لم يخرج عنه وصاية الدولة. واضح أن هناك العديد من المفكرين الإسلاميين أصبحوا يحتفظون بمسافة من الدولة أليس هنا اتجاه لوحدة هؤلاء المفكرين - على خلافاتهم - لملء الفراغ الذي خلفه حل الحركة الإسلامية؟ هذا مطلوب والسؤال هو لماذا يعمل المفكر الإسلامي مسافة بينه وبين الدولة؟ اذا كانت فعلا هي دولة إسلامية ولها موارد.. لماذا يحرم نفسه ويتخذ موقفاً مباعداً لها.. هل الدولة تحتاج إلى إصلاح بحيث لا يكون اقترابه منها معيباً؟! وأنا أعتقد أن الدولة الإسلامية يجب أن تنظر إلى ذلك وأنها يجب أن تقرب إليها المفكرين الإسلاميين بصلاحها وليس بمخصصاتها.. أيضاً أي حركة سياسية يجب أن يكون لها ارتباط بالمجتمع وبالشارع والذي يحدث أن طريق تنظيم العمل السياسي الآن يتم بعيداً عن الشارع وعن العمل السياسي الحقيقي الذي يجب أن يتم بعيداً عن الدولة بالنسبة للحزب وبقناعة وليس بالترغيب أو الترهيب والمنظور أنه إن تم تنفيذ اتفاقية السلام فإن الحزب الحاكم سيفقد احتكاريته ويصبح عليه البحث عن سند شعبي وإن كان للدولة مشكلة مع أصحاب الولاء فإن مشكلتها مع الآخرين ستكون أكبر.. عليه الحركة الإسلامية الحقيقية يجب ألا تستقل عن الدولة، عموماً هي رصيد بما تكسبه من سند شعبي للدولة، أما بقاء المفكرين الإسلاميين هكذا فهو موقف سلبي فلا هم إضافة لها ولا هم قادرون على حربها لشئ من الولاء القديم. ذكرت في مقال لك سابق أن التآمر على الدولة يتم من داخل القصر فلماذا ومن قصدت بذلك؟ كان ذلك تعبيراً مجازياً والتآمر المقصود كان وقوع أخطاء من قبل كبار المسؤولين وكان رأيي المراجعة والمحاسبة وأن يحدث تشاور حتى لا تتخذ قرارات عشوائية.. بوفاة الدكتور جون قرنق وغيابه عن الملعب السياسي اعتبر البعض إنها فرصة للمؤتمر الوطني لإلتقاط انفاسه لغياب مناور قوي بينما اعتبر آخرون المؤتمر فقد بغياب قرنق الرجل الذي كان قادراً على أن يحافظ على الانجاز الذي صنعه للنهاية - فاذا فقد الشمال والإتفاقية بغياب قرنق؟ غياب قرنق أضر بالمؤتمر الوطني من ناحية إنه كان قادراً على الإمساك بالقرار الجنوبي ولكنه أيضاً كان عامل تفرقة بين الجنوبيين، وسلفاكير هناك إجماع حوله حتى من الجهات الجنوبية التي كانت تعادي الحركة وجيشها الشعبي، وواحدة من نتائج جون قرنق هي توحيد الجنوبيين وذلك سيضعف نفوذ المؤتمر الوطني ووجوده في الجنوب وكثير من أعضاء المؤتمر الوطني من الجنوبيين سينجرون نحو الحركة الشعبية بقيادة سلفاكير وبقية قيادات الحركة ليس لديها طموحات قرنق الذي ما كان ليكتفي بالجنوب الذي كان يراه دون مستواه وكان يتطلع إلى دور قومي أنشأ لأجله حركة ذات اسم قومي، وقرنق بذلك كان عبئاً على الحركة الجنوبية ككل وعلى الجنوب وكثير من قيادات الجنوب كانت ترى أن قرنق كان يكلف الجنوب بأطروحاته وطموحاته القومية فوق ما يستطيع كل ذلك يعمق روح الإنفصال في الجنوب والتي كانت موجودة بحياة قرنق وستنمو حتما بغيابه أما من ناحية المؤتمر الوطني فإن فرصه محدودة في أربع أو ثلاث سنوات قادمة سواء كان قرنق موجوداً أو غائباً، وأمام المؤتمر فقط أن يستفيد من هذه الفترة لاستثمارها في عمل سياسي حقيقي بالحوار مع الآخرين وإعلام الجماهير بما يقوم به وكل ما كان لا يقوم به المؤتمر الوطني، والملفت للنظر أن الحشد الذي تم لاستقبال قيادات الحركة الشعبية وهي التي كانت محظورة حتى في الفترة الديمقراطية لن يستطيع المؤتمر الوطني عليه وهو الذي احتكر العمل السياسي لمدة خمسة عشر عاما بالداخل، والسؤال هو أين المؤتمر الوطني وأين كوادره وكيف أصبحت الخرطوم عاصمة للحركة الشعبية بين ليلة وضحاها؟! أما الحديث عن المبايعة فهو يتم مع الحكومة وليس الحزب. وهل فقد الجنوب بغياب قرنق فرصة أن يقود السودان جنوبي؟! وهل انحسر الحلم الجنوبي في عهد سلفاكير في دولة جنوبية منفصلة؟ في رأيي وأنا أتفق في ذلك مع بونا ملوال وهو أن الجنوب لم يفقد كثيراً بفقد قرنق كجنوب أما طموح بعض الجنوبيين بأن تصبح منهم قيادة قومية فإن وقته لم يحن بعد وذكر لي أحد قيادات الجيش الشعبي مرة ان كون الحركة الشعبية حركة جنوبية فتلك صفة مؤقتة تماما مثلما كان المهدي في غرب السودان وعندما انتقل إلى الوسط انتقل معه أهل الغرب وانضم إليه أهل الوسط وهكذا، فقلت له إن المهدي كان يتكلم بلسان الناس وعقيدتهم ولكن قرنق كان يفعل العكس فهو يواجه عقيدة وثقافة الأغلبية ويعادي الذين يريد حكمهم لذا اعتبر أن قرنق كان عبئا على الجنوب وليس رصيداً له رغم إعتقاد بعض الشباب الجنوبي أن قرنق استطاع أن يحقق ما اعتبره انتصاراً على الحكومة والصحيح أنها حكومة ضعيفة يمكن انتزاع تنازلات منها ولكن لا يمكن كسب الشعب، وفي نهاية الأمر فإن الأغلبية مازالت مسلمة وعربية وأن الجيش الشعبي مازال يحمل خطاباً معادياً لها.. وحتى تأتي حركة قومية فيها قيادات جنوبية غالبا مسلمة يمكن الحديث عن سودان واحد يتولى فيه جنوبيون الأمر ولكن الإتفاق الذي ينص على البقاء تحت الاختيار لمدة ست سنوات فذلك يعني عدم التزام بوحدة البلد. الشعور الغالب أن الجنوبي انفصالي قال بذلك ياسر عرمان وغيره والآن فإن ست سنوات فترة إنتقالية ليست بالكبيرة فكم هي نسبة الإنفصال في تقديرك مع المحاذير الدولية؟ الشعور الإنفصالي لدى الجنوبيين له أكثر من سبب، الأول متأصل والآخر نتيجة التعبئة الطويلة أثناء الحرب وإذا كان بعض الإسلاميين لديهم رأي في نظام الحكم الذي أقصى الكثير منهم أمثال إسلاميي دارفور والشماليين عموماً فما بالك بالآخرين؟! إذا لم تحدث هيكلة جديدة للحكم بحيث يتم استيعاب الكل فمن المستحيل الحديث عن وحدة واعتقد أن نسبة انفصال وفق ذلك تفوق الـ 90% ولا أرى محاذير دولية، فالذين كانوا يضعون فيتو على انفصال الجنوب باعتبار أنه بأغلبيته غير المسلمة يمكن أن يضع كوابح على النظام الإسلامي ويوجهه نحو الاعتدال أو يحوله إلى نظام علماني من الغربيين والقريبيين واعتقد الآن أن هذه المسألة انتهت، كذلك الحديث عن أن انفصال الجنوب يمكن أن يؤدي إلى دخول إسرائيل المنطقة فهو حديث غير دقيق فإسرائيل ليست في حاجة للجنوب فمصر وإثيوبيا كانتا على عداء مع السودان وعلى علاقة بإسرائيل وإذا انفصل الجنوب الحال لن يتطور إلى اكثر من ذلك، أما الحديث عن مشكلة المياه فلا دخل لنا فيها فنحن - حتى إن انفصل الجنوب - دولة ممر وإن كانت لمصر مشاكل فستكون مع إثيوبيا ومع دولة الجنوب إذا انفصلت والمشكلة أصلاً بين المنبع والمصب.تركت الاتفاقية ملكية الأرض بلا حسم كذلك هناك مسألة البترول برأيك كيف يتم حل هذه المسائل مستقبلاً مع دولة منفصلة؟نحن نتمنى أن يوجد بترول في الشمال قبل الانفصال ولكن إذا حدث انفصال فقد لا يلتزم الجنوبيون بإتفاقية المناصفة وربما يدفعون رسوم الأنابيب والمصافي لا أكثر. كانت الكونفيدرالية مطروحة حتى مدى قريب ألم تكن حلاً أفضل؟ الحادث الآن كونفيدرالية وليت الناس يسمون الأشياء بأسمائها رغم أن الجنوبيين محتلون الآن جزءاً من أرضنا ومشاركون في حكومتنا ولهم في ذلك الحق في التدخل بحكم الاتفاقية التي هي كونفيدرالية في الأصل وكان يجب إلغاء الاستفتاء ويتم التفاوض من جديد على البترول. هل تستبعد حدوث انفصال قبل الاستفتاء؟ لا أستبعد ذلك وقد فعلها السودانيون مع مصر التي وقّعوا معها اتفاقاً للحكم الذاتي من قبل فكان الاستقلال من بعد لذا لا أستبعد أن يطرح أحدهم في البرلمان الجنوبي مسألة الانفصال (الاستقلال) ويتم الإجماع وينفصل الجنوب!! ولا يمكن بعد ذلك فعل شئ تماماً مثلما عجزت مصر وبريطانيا في السابق مع السودان. كل التجارب الانفصالية في العالم أدت فيما بعد إلى تجدد الصراع وإلى عدم استقرار المنطقة فكيف تنظر لمستقبل الشمال والجنوب في حال الانفصال؟ التعايش يعتمد على الظروف التي تحدث خاصةً إذا كانت هناك مواضيع نزاع معلقة من المسائل التي تضرنا مثل منطقة أبيي ومناطق التماس والبترول ومع ذلك دعنا نتفاءل بحدوث معجزة وأن تستمر الوحدة بعمل سياسي وذلك لأن حدوث التنمية في ست سنوات أمر مستحيل فهناك ممن لو طرحت لهم أموال الدنيا لن يغيروا آراءهم. دكتور عبد الوهاب حذرت كثيراً من أن تأخذنا غفوة إلى ما حدث للهوتو في رواندا فهل تعتقد أن الغفوة هي ما أخذتنا إلى أحداث الاثنين عقب الإعلان عن مقتل قرنق؟ أحداث الإثنين قياساً بما أتخوف منه تعتبر لا شيئاً فالهوتو في بلادهم كانوا أغلبية ولكن القيادة ارتكبت خطأ افقدهم تلك الشرعية وأصبحوا مطاردين ويحيون تحت سيطرة أعدائهم، والذي حدث في دارفور مثلا خطأ.. صحيح أنه لا يرقي لما حدث في رواندا ولكنه أخذ من حق الأغلبية الشمالية ومن سيطرة الدولة وسيجد الآخرون دعماً من الخارج يجعل مسألة مقاومتهم أمراً صعباً ووجود دعم خارجي آخر أمراً مستحيلاً!! هل يملك برأيك من قاموا بأحداث الاثنين الجرأة لتكرارها؟ ما حدث يوم الاثنين خلق ردة فعل قوية شعبية وسياسية ورسمية وتضرر منها الآخرون خاصة في الحركة الشعبية والتي فقدت بعضاً من تعاطف الشماليين الذي تكوّن بمجئ قرنق سلماً للخرطوم كذلك تضرر بعض الجنوبيين في الخرطوم من ردة الفعل بصورة مباشرة بسبب العنف المضاد والتجربة كانت بالنسبة لهم سالبة وأهم نتائجها أنها لن تتكرر. تحدث البعض عن فقدان الشعب لثقته في الحكومة التي رأي أنها تساهلت في كبح جماح أحداث الإثنين؟ الحكومة استفادت من الحدث بتجاوب المواطنين مع الشرطة والطوارئ الشئ الذي كان معدوماً في الماضي حتى إن أصحاب نظرية المؤامرة روجوا لظن أن الحكومة تساهلت عن قصد في تطويق أحداث الإثنين أولاً وأنها انسحبت من الأمن مثلما انسحبت من التعليم والصحة.
جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الخرطوم الجديدة © 2004-2005م - هذة المادة غير قابلة لإعادة النشر والتوزيع http://www.newkhartoum.com والصياغة حفظ من موقع مجلة الخرطوم الجديدة

الترابي يُعيد إنتاج فتاوى بابكر كرار!

علي اسماعيل العتباني Email: atabani@rayaam.net تحت الضوء لصرف الأنظار عن عمل سري كبير الترابي يُعيد إنتاج فتاوى بابكر كرار! زعيم الشعبي يشغل الدائرين في فلكه بصغائر الأمور لماذا أيد الترابي سلام الجنوب وعارض سلام دارفور؟
... أقام الدكتور حسن الترابي الدنيا ولم يقعدها باجتهاداته الاخيرة، وظن الناس انها جديدة.. وكما ذكرنا في مقال سابق اننا لسنا ضد الاجتهاد في الدين.. بل اننا مع التجديد وتحريك العقل المسلم.. وبهذا نقف ضد الجمود والانغلاق.. ومع ذلك وكمتأملين ومراقبين للساحة الفكرية ومشدودين لها ونتفاعل معها.. وتؤثر علينا ،نحاول جاهدين ان نتعرف عليها. وكما هو معلوم فان حركة تدوين الدستور الاسلامي كانت حركة عملية ولم تكن لها ابعاد فكرية.. بمعني انه حينما توحد الرواد الاسلاميين في العام 1955م وكونوا جبهة الدستور الاسلامي.. لم يكن بعضهم حينها يعي ماذا يعني الدستور الاسلامي.. ولم تكن اطروحاتهم الفكرية جاهزة.. وهناك رأي يقول إن فكرة الدستور الاسلامي وتدوينه برزت كرد فعل سريع لتكوين لجنة القاضي (ستانلي بيكر) لاعداد دستور الحكم الذاتي. .أو انها مجرد إعادة تدوين لافكار (أبو الأعلى المودودي) الذي ملأ حينها الدنيا وشغل الناس بقضية تدوين الدستور الاسلامي.
الترابي تأثر كثيرا بالمرحوم بابكر كرار ومهما يكن فان واحدة من نجاحات الدكتور حسن الترابي وقتها، انه استطاع ان يحقق لحركة تدوين الدستور الاسلامي نجاحاً سياسياً.. ويحقق لها الانتشار السياسي.. ولكنها وللأسف الشديد ظلت حركة (شعارات) دون مضمون أو تنزيل.. مثل الدعوة المهدية التي كانت حركة انتصارات عسكرية دون ابراز حركة فكرية أو برنامج تفصيلي واضح المعالم في الحكم ومرن وواقعي يسهل تجسيم حركته بين الناس. ونستطيع بذلك القول بإن (المهدية) تختلف عن الحركة (الوهابية) التي دشنها الامام محمد بن عبد الوهاب المتوفي في العام 1798م، والتي كانت حركة فكرية تقوم على (التوحيد) وضد مظاهر الشعوذة والدجل وتقديس القبور.. كما انها كانت ضد (التشيع) . اذ دخل الوهابيون في حروب رهيبة ضد الشيعة في (كربلاء) وغيرها.. ودمروا المزارات.. ولعل ما يجري في العراق الآن له صلة بتلك الوقائع التاريخية. فاذا كانت حركة الامام محمد بن عبد الوهاب حركة فكرية ولها ابعادها ورؤاها.. وكذلك الحركة السنوسية مثلاً التي واكبت تاريخياً حركة محمد بن عبد الوهاب.. حركة لها ابعادها الصوفية واهتمت بمحاربة الاستعمار وكانت لها (اوراد).. وكانت الزوايا السنوسية تمثل فكرة الاكتفاء والانتاج الذاتي حيث كان السنوسيون يقومون بالزراعة واعمال تربية الحيوان وانتاج البارود والاعمال العسكرية وكانوا يجسدون فكرة (القلعة) المكتفية ذاتياً.. زراعياً وروحياً وعسكرياً.. ولذلك نجحت السنوسية في مجابهة ومواجهة الاستعمارين الايطالي والفرنسي على امتداد افريقيا. حركة ذرائعية أما حركة الدستور الاسلامي في السودان فقد افتقدت الجانب العسكري، اللهم إلا في بعض الطفرات كما حدث العام 1976م.. حينما اصبحت جزءاً من حركة الجبهة الوطنية حيث دخل بعض شبابها السجون في مواجهات عسكرية مع نظام الرئيس نميري. ولكنها تركت ذلك معلقاً على نفسها ،وسرعان ما عادت الى مسارها التاريخي كحركة سياسية وحركة حوار.. وقد عرّف دستور الحركة الاسلامية للعام 1983م الحركة الاسلامية بانها... (حركة اصلاح تسعى الى كسب السلطة السياسية عن طريق منهج الاصلاح المتدرج والجهاد). وربما نسى الناس هذا التعريف ،واصبحت الحركة الاسلامية حركة (ذرائعية) تستجيب للمواقف الآنية.. ولمطلوبات المرحلة بفقه المرحلة. ولعل هذا يمثل جماع مزايا الدكتور حسن الترابي. والقارئ لمسيرة وتاريخ الرجل يستنتج باطمئنان ان الدكتور الترابي قد تأثر بالاستاذ المرحوم بابكر كرار كثيراً. ونعلم ان الاستاذ بابكر كرار هو مؤسس الحركة الاسلامية الحديثة مع الاستاذ محمد يوسف محمد والاستاذ يوسف حسن سعيد. وان حركة التحرير الاسلامي التي تأسست بين كلية غردون التذكارية وحنتوب الثانوية اخذت بادرات فكرها من كتاب محمد حسين هيكل (حياة محمد)... وبعد ذلك اصبح الاساس الفكري لها هو مقدرات الاستاذ بابكر كرار على جمع ما استقاه من الفكر الاسلامي وما استفاده من رؤيته للحركة المهدية وما استفاده من التراث الانساني وفي هذا الاطار جاء ظننا ان الدكتور حسن الترابي ربما رجع في فتاويه الاخيرة لاستاذه السابق بابكر كرار. ومما يُشاع إن المؤسس بابكر كرار هو الذي اوصى ووجه الاستاذ عبدالله حسن أحمد بتجنيد واستقطاب الترابي.. الذي كان حينها مشغولاً بين دروسه وقراءة الكتب القديمة التي كان يستعيرها من والده. ومع ذلك نقول للذين يريدون ان يردوا فتاوى الترابي الاخيرة الى جذورها التاريخية.. عليهم بكتاب بابكر كرار - سيرته وفكره - وهو عبارة عن رسالة ماجستير للاستاذة (نادية يس عبد الرحيم) وقد صدر أخيراً عن مركز البحوث والدراسات الافريقية بجامعة افريقيا العالمية. ويكشف هذا الكتاب بوضوح ان كثيراً مما (يقشر) ويتباهى ويزهو به الدكتور الترابي من فتاوى سبقه إليها الاستاذ بابكر كرار ،كفتوى الردة وتعدد الزوجات والملائكة.. بل سبقه بابكر كرار في نظرته للنظام الرأسمالي ،حيث فرق بابكر كرار بين رأس المال والرأسمالية.. ووصف الرأسمالية بانها أداة اقتصادية بشعة تسلب قوة عمل العاملين فائض انتاجهم وتقوم بتصنيف المجتمع الى مترفين ومستغلين.. وكان واضحاً ان بابكر كرار لايعارض توظيف رأس المال وتدويره.. ولكنه يعارض توظيف العمالة وتحويلها الى رقيق اجتماعي بالمال.. وقد قابل في اطروحاته بين الربا والزكاة.. والربا والبيع. وليس هذا مجالاً للاستطراد في افكار بابكر كرار. رؤوس مواضيع لكننا فقط هنا نشير الى رؤوس مواضيع.. فبابكر كرار كان له اجتهاده في ان حدود الله مثلاً لاتقع تحت طائلة قانون العقوبات.. مثل عدم اقامة الصلاة او الاهمال في اداء المناسك.. كما برز اجتهاده في الزنا والقذف بالزنا.. وافتى بان عقوبة الزاني المحصن مائة جلدة وليس الرجم.. ويشير الى ان الروايات التي وردت عن سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه فيها اضطراب وليست قوية السند. وبالنسبة الى الاستاذ بابكر كرار فان قضايا تدوين الدستور الاساسية هي معالجة قضايا الحرية والتمزق الروحي وكان هذا هو اختلافه مع الدكتور حسن الترابي في ذلك الوقت ولكن يبدو اليوم ان الترابي قد عاد لافكار بابكر كرار مرة اخرى. كما ان لبابكر كرار نظريته حول (الحور) في القرآن الكريم ،ويمكن ان يستفيض في ذلك تلامذته مثل الدكتور ناصر السيد والاستاذ ميرغني النصري في الاشارة والابانة لافكار بابكر كرار. ولعلنا نثير هذا الكلام لنشير للبذور الفكرية لفتاوى الدكتور الترابي الاخيرة ،ونربط ذلك بتصريحه الذي ذكر فيه ان اتفاقية ابوجا ضعيفة ولاتساوي الحبر الذي كتبت به.. وحتى لو وقعت الحركات الرافضة للتوقيع فان ذلك لن يؤدي الى سلام دارفور.. وان هناك حركات جديدة ستنشأ. ويفهم من هذا التصريح انه رسالة من الترابي لتلامذته كخليل ابراهيم وشقيقه جبريل وباقي قيادات العدل والمساواة.. وكأنه يقول لهم بانكم اذا وقعتم فسنستغني عنكم وهناك البديل لكم.. وهذا يعني ان الدكتور حسن الترابي الذي يشنف الآذان برفض العنف والتطرق لافكار بابكر كرار والحديث عن الحريات والعمل السياسي السلمي والاجتهاد واطلاق الفتاوى التي تقيم الدنيا ولا تقعدها ،لعلها صنعت صناعة لذر الرماد في العيون وصرف الانظار عن عمل (سري) يقوم على اعادة فتح ملف العنف في دارفور.. وإلاّ فكيف سنقرأ مثل هذه التصريحات ،والمعلومات تشير الى تسلل قوات من العدل والمساواة لاثارة العنف في الولاية الشمالية وفي الاغارة على طريق بورتسودان القومي. ومن ما يبدو.. نسأل الدكتور حسن الترابي هل يريد العودة الى ينبوع بابكر كرار والتي نعلم ان الترابي وجماعته اختلفوا معه تاريخياً حول الاعداد لحركة يوليو 1976م. فحينما دخل الاستاذ عبدالله زكريا مع هذه المجموعة منسقاً مع الجهود الليبية والأمن الليبي.. لم يتردد بابكر كرار عن فصله من تنظيمه الحزب الاشتراكي الاسلامي. . فهل يريد الترابي العودة الى بابكر كرار أم انه يريدالعودة الى المهدية والعنف والانتصارات العسكرية. ونقول ان زمان المهدية قد ولّي وفات.. وان جماعة المؤتمر الشعبي اصبحت جماعة (مغتربة) و(غريبة) على اخوانها وعلى تاريخها.. واصبحت العزلة والابتعاد عن الحوار السمة الفارقة لكثير من عناوين المؤتمر الشعبي ورموزه واعضائه.. كما ان الاحباط اصاب كثيراً منهم.. ولكنهم وبدافع العاطفة والوفاء والانقياد الصوفي والعزلة يريدون البقاء مع الدكتور الترابي حتى الموت. ومع ذلك نشيد باختيار مجلس شورى المؤتمر الشعبي لأحد الاخوة الجنوبيين كأمين للطلاب.. ولكن لا بد ان نسأل الدكتور الترابي منذ متى كانت مجالس الشورى عند الترابي تختار امناء الامانات.. فالترابي انزل الشورى في تاريخه التنظيمي منزلة ثانية ،حينما جعل كل وظائف التنظيم وسلطاته في يد الامين العام الذي يقوم بتحديد امنائه. قراءة ثانية ولعلنا نقرأ هذه المسألة قراءة ثانية عندما نشيد باختيار احد الاخوة الجنوبيين ،لانه يبرز رائحة وحدوية وترسيخاً للاخوة ورفعاً لمكانة الجنوبيين في الاحزاب السودانية. ولكن عند الترابي لا نستطيع ان نقرأها إلاّ بمنظار الذرائعية والبراجماتية والمرحلية التي توجب عليه ان يجد عملاً لمجلس شوراه وإلاّ فكيف يمكن ان يجتمع مجلس الشورى والبلاد تعج بقضايا كبيرة كقضايا السلام في دارفور وجنوب السودان وقضايا التحول الديمقراطي والدعوة والحركة الاسلامية ثم لا يجد هذا المجلس إلاّ ان يشغل نفسه بتعيين امين الطلاب.. علماً بأن قائمة الترابي هي في ذيل العمل الطلابي وليس هناك ما يرشحها للصعود ،ليس لان الناس قد زهدوا في الاسلام بدليل ان الحركة الاسلامية الطالبية للمؤتمر الوطني والحركة السلفية تجد رواجاً كبيراً وسط الطلاب.. ولكن فقط لأن العقل الطلابي والسوداني جرب الترابي والشعبيين وخبروهم حتى أصبح من الصعوبة بمكان ان تسوق للترابي أو لأفكاره وفتاويه. وصحيح قد يلتف بعض الناس في المحاضرات والندوات يستمعون لآراء الترابي المثيرة للجدل ولكن اذا جد الجد تختلف رؤاهم . ولذلك لا نعتقد ان الدكتور الترابي اذا ترشح الآن مثلاً في دائرة الصحافة وجبرة مرة اخرى ستحتاج الاحزاب لتتكتل لاسقاطه.. فالدكتور الترابي سيجد نفسه محصوراً بين انصاره المحدودين والمعدودين.. لأن الشباب السوداني الآن الراغب في الهجرة الى الخارج وفي التجديد واللحاق بالعصر والراغب في التنمية والنهضة والتوظيف وترقياته الاكاديمية والمهنية لا يجد ما يشده الى الدكتور الترابي ،ولا يجد حتى ان آراء الترابي التجديدية في الدين أو في حدود الزنا والخمر أو في الحور العين أو إمامة المرأة في الصلاة ومساواتها مع الرجل أو الحجاب أو عدم عذاب القبر وعدم نزول المسيح وعدم وجود مهدي منتظر يحل مشاكل الشباب الاقتصادية.. وان الدكتور الترابي الذي ظل يحكم من وراء ستار ومن الباطن لمدة عشر سنوات لم يفلح إلاّ في اقامة نظام شمولي ونحت مصطلحات مبهمة كالتوالي وغيرها.. وفي دعوة حركات المعارضات الاسلامية والحركات القومية الى منتداه في المؤتمر الشعبي العربي والاسلامي الذي اصبح الآن يتبرأ منه ومن تاريخه ومن كثير من سجلاته واعماله. ديكور اذاً نحن نعتقد ان المجموعة التي تدور في فلك الترابي ويشغلها بصغائر الأمور كانتخاب امين عام للطلاب وغيرها من الفتاوى.. يحسن ان يسألوا انفسهم صادقين : لماذا قام الترابي بتأييد سلام جنوب السودان ورفض سلام دارفور.. ولماذا قام جهراً وعلانية بامضاء وثيقة التفاهم مع الدكتور جون قرنق ولم يستطع ان يمضي وثيقة تفاهم مع حلفائه وتلامذته في العدل والمساواة كخليل ابراهيم وابراهيم يحيى وغيرهما!؟ ولعلنا نسأل الدكتور الترابي منذ متي كانت مجالس شوراك تختار امناء المكاتب.. واين الميزانية وهل عرضتها على مجلس شوراك.. وهل يعلم مجلس شوراك من اين يتم تمويل العدل والمساواة.. أو من اين يتم تمويل المؤتمر الشعبي.. أو كم مرتبات اعضاء السلك الاول في المؤتمر الشعبي.. ولماذا يبقى الدكتور علي الحاج والحاج آدم والاخ المحبوب وغيرهم في الخارج.. وهل تعرف هذه المكاتب اين يوجد السلاح وكيف تقوم العلاقات الخارجية للمؤتمر الشعبي وما هي الحركة السرية التي يقودها الترابي وما يطلق عليه التنظيم الخاص.. وهل مستوى تدفق المعلومات بين الترابي وعلي الحاج وغيرهما من اعضاء الحركة السرية هو ذات مستوى تدفق المعلومات بين الدكتور الترابي وبقية اعضاء المؤتمر الشعبي. أم ان هذه الهيئات ومجالس الشورى هي مجرد ديكور وأن ما يحرص الدكتور الترابي على ترديده من فتاوى وغيرها مجرد ملهيات لشغل الرأى العام، بينما يبقي العمل (الجد) الذي يقوم به ينحصر بينه ومجموعة العمل السري الموجودة بين اسمرا واريتريا وبعض العواصم العربية والاوربية. ويؤسف المرء ان يقول إن الدكتور الترابي وفي نهايات مسيرته بدأ يفرغ حركة تدوين الدستور الاسلامي من محتواها ومضمونها.. ويفرغ حركة الجهاد من مضمونها ومحتواها.. ويرفض السلم والسلام الذي هو من اسماء الله سبحانه وتعالى. وهو شعار المسلم الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم انه اذا دعته قريش لاي عهد كان فيه السلام كان يقبله. وجاء وقت نسمع فيه الدكتور الترابي يقول إنه لا سلام في دارفور ولا سلام داخل الحركة الإسلامية. ومع ذلك نقول دعوا الترابي في الهواء الطلق دعوه يتحدث ودعوه يحاور.. والمطلوب مزيد من الحوار حتى تتضح الأمور لان الزبد يذهب جفاء وماينفع الناس يمكث على الارض.. وانتبهوا

قصة .... لمن يظلمهم القانون

قصة .... لمن يظلمهم القانون ..!! الطاهر ساتي tahersati@hotmail.com ** تمر بلدنا الذي نتباهى به امام عنب الآخرين ، البعض يأكله حلالا طيبا والبعض يشربه حراما نتنا ... وكذلك بعض قوانين بلدنا ، البعض يستخدمها لتمكين الحق العادل والبعض يستغلها لترسيخ الظلم الحرام ... ولأول مرة نجد قصة واقعية شخصيتها المحورية هي القانون فقط .. حيث يبدو بطلا ينصر الضعفاء في بداية القصة وحتى منتصفها، ثم فجأة يتحول إلى خائن يقهر الضعفاء ذاتهم بلا رحمة.... واليكم النص بتفاصيله..!!
** نوفمبر 2002 ، تم تعيين إسماعيل أبكر وكريستوفر كوال ومحمد إبراهيم وصلاح إبراهيم - بالقانون - عمالا بقسم النظام العام بوحدة سوق امدرمان التابعة لمحلية امدرمان، بعد تحديد مهامهم في جمع الرسوم والإتاوات من تجار السوق وباعته المتجولين والجالسين، مقابل راتب شهري قدره (( 15 ألف دينار و حوافز أخرى نظير جهدهم واجتهادهم في التحصيل... !!
** يونيو2004 تم فصلهم فصلا تعسفيا.. وهذا ليس بالامرالغريب.. لان حكومتنا - جزاها الله خيرا - سبقت كل حكومات العالم الاسلامى والعلمانى، وأوجدت لكل أنواع الفصل قانونا محكما يحلل كل فصل باطل... تعسفيا كان أو سياسيا... للصالح العام أو للمصلحة الخاصة... للخصخصة أو للهيكلة ... للتصفية أو للتسوية ... وهكذا لكل النوايا الحكومية قانون وضع خصيصا لتشريد العمال وقطع الارزاق واحالة الاسر الكريمة الى محطات السؤال أو ( الاوتستوب ) فى انتظار الرحماء... أو الذئاب ... !!
** ولكن القانون الذى فصل إسماعيل أبكر ورفاقه من محلية ام درمان فريد من نوعه .. اولا حرمهم من كل حقوقهم ( الراتب ، العلاوات ، الاجر الاضافى ،... ) ... ثم نكرهم جملة وتفصيلا .. شخوصا وجهودا ... وقالت لهم المحلية بلسان عواطف - مستشارتها القانونية - انتم لا تعملون معنا ولا علاقة لكم بمحليتنا، ولم نفصلكم لاننا اصلا لم نعينكم، والخدمات التى قدمتموها كانت خاصة بتجار السوق ولجنتكم لجنة خاصة، واموالها ليست عامة بل نصرفها على الخدمات الخاصة .... و ( يلا بلا حقوق بلا لمة ) ...!!
** وهكذا - بقانونها الفريد - كشفت المستشارة القانونية لمحلية ام درمان - للشعب السودانى - حقائق مذهلة موثقة بطرفنا ... وهى ان اللجان التى تجمع - المليارات منذ سنوات - من تجار ام درمان وباعتها المتجولين والجالسين هى لجان غير حكومية، وان اموالها المجموعة بالايصالات هى اموال خاصة لا علاقة للحكومة بها .. وان المستفيدين من تلك المليارات هم فئة خاصة جدا. تصرف المحلية على الخدمات الخاصة... !!
** وبلا تعليق على افادات المستشارة القانونية، نطالب تجار ام درمان بفتح بلاغ جنائى ضد اللجان التى خدعتهم كل هذه السنوات واسترداد المليارات التى دفعوها لافرادها ومحاكمتهم تحت مادة ( الاحتيال باسم الحكومة )، وأن يأتوا بالمستشارة كشاهدة ملك .. واذا انكرت حديثها فليتصلوا بنا لنمدهم بحديثها مكتوبا ومختوما وتوقيعا ... !!
** صديقنا اسماعيل ابكر ورفاقه الثلاثة لم يصدقوا حديث المستشارة .. وفتحوا بلاغا فى مكتب العمل .. ثم قضية فى محكمة الاستئناف .. ثم كتبوا خطابا لهيئة المظالم والحسبة العامة ... ولانهم اصحاب حق، حكمت لهم كل هذه المحاكم وامرت المحلية بدفع حقوقهم كاملة ( على داير المليم ) ... والآن هؤلاء الصغار البسطاء - الذين لم يكملوا سنوات تعليمهم بسبب الحرب والنزوح - يشكرون الله كثيرا فى مرحلة تنفيذ الحكم ضد المحلية التى نفت علاقتهم بها - بقانونها - بلا حياء أو خوف من قوانين واحكام رب العامين ... !!
** و لو جمع القارئ كل خيوط القصة المحزنة لن يكتشف محاولة ظلم القوى للضعيف بسلطة قانونه فقط .. بل يكتشف ايضا بأن الارادة القوية لاسماعيل و كريستوفر ومحمد وصلاح هى التى انتصرت على محلية اجتهدت بكل الطرق - غير المشروعة - لهضم حقوقهم حتى بلغت بها الاخلاق درجة انكارهم وانكار لجنتهم التى هى لجنتها .. ثم على القارئ أن يتخيل الرهق - المادى والجسدى - الذي تحمله اسماعيل ورفاقه وهم يلاحقون سلطة حكومية منذ عامين من محكمة الى محكمة حتى تجلى الحق وزهق الظلم ... !!
** انتهت قصة إسماعيل ورفاقه ... وهناك اخرون غيرهم تذوقوا مثل هذا الظلم فى مكان اخر وبقانون اخر، ولكنهم اكتفوا بالدعاء ... وانتظار يوم العدل الاعظم و الانتصار العظيم ... !!

عن الشيخ الترابي وخصومه مرة أخرى

عن الشيخ الترابي وخصومه مرة أخرى حرية التفكير وحرية التكفير ومعالجة الأميَّة د.عبد الوهاب الأفندي صدق بعض ما تخوفت منه حين عالجت قبل حوالي الشهر في هذا الموقع الجدل الذي أثارته فتاوى الشيخ حسن الترابي القديمة المتجددة، حين أشرت إلى أن القضية معقدة وأحلت إلى تناولي لها في مكانها بشكل معمق باعتبارها تحدياً يواجه الفكر الإسلامي الحديث برمته، وهو ما لا تفي به التعليقات المختصرة من مثل ما تسمح به المساحة هنا واهتمامات القارئ غير المتخصص. ولكن هذا بالطبع لا يبرر الفهم المبتسر لما قيل فعلاً، خاصة من بعض من يظن بهم أنهم من أهل التخصص، ولا بعض اللبس الذي وقع فيه البعض، خاصة حين حاولوا تحويل النقاش إلى سجال حول آراء العبد الفقير إلى مولاه ومواقفه السياسية. ولا شك أنه مما يرضي غرور الكاتب أن يعتقد المعلقون بأن مناقشة آرائه هو تعادل في أهميتها مناقشة الموضوع تحت النظر، وهو آراء الشيخ الترابي. ولكن النقاش يتحول إلى إشكال في ظل الأمية الاختيارية التي فرضها البعض على أنفسهم. أحد الكتاب مثلاً كرر وصفي ب "صاحب كتاب الثورة الترابية" (ويقصد بالطبع كتاب "ثورة الترابي: الإسلام والسلطة في السودان الذي صدر بالإنجليزية عام 1991)، مما يعني أنه لم يطلع حتى على غلاف الكتاب فضلاً عن أن يكون قرأه. وهو بالطبع ليست لديه أدنى فكرة عن الكتاب الذي كان ملخصاً لرسالة دكتوراه قدمت في جامعة غربية وكان المشرف عليها أستاذاً خبيراً بشؤون السودان غير معروف عنه أي تعاطف مع الحركة الإسلامية. فهي بالتالي نظرة موضوعية نقدية لتاريخ ومواقف الحركة الإسلامية السودانية تتسق تماماً مع مواقفنا المعروفة المنشورة في مئات المقالات في مجلة "آرابيا" وعلى صفحات "القدس العربي" وفي كتب ومجلات أكاديمية تسد الأفق. وبالتالي فإن تكرار الحديث بأن العبد الفقير إلى مولاه يواجه "محنة" أو "مأزقاً" بسبب التدهور الذي أصاب الحركة الإسلامية عامة والسودانية خصوصاً يعكس محنة ومأزق من فرضوا على نفسهم الأمية ويريدون كما كررت سابقاً للكاتب أن يكتب ثم يقرأ نيابة عنهم، وهو دور للأسف لا نملك الوقت ولا الرغبة في القيام به. فلسنا وكلاء عن من فرضوا على أنفسهم الأمية، خاصة في عصر الانترنيت الذي يكفي أن تجري البحث فيه عن اسم كاتب فتردك آلاف الصفحات عما كتب وما كتب عنه بكل اللغات. ونحن ننصح هؤلاء الإخوة بمداواة أميتهم بشيء من القراءة، أو أن يسألوا أهل الذكر كما يفعل الأميون الذين يحترمون أنفسهم قبل أن يخوضوا فيما ليس لهم به علم. القضية الأساسية التي أردنا معالجتها (وظللنا نعالجها من زوايا مختلفة لأكثر من أربعة عقود) هي المتعلقة بالفكر الإسلامي المعاصر، وهي أنه فكر يستصحب الحداثة والعقلانية الأوروبية المعاصرة في نظرته للتراث الإسلامي. والفرق بين الإسلاميين وخصومهم من العلمانيين هو أن الأخيرين يحاكمون التراث الإسلامي إلى التراث الحداثي الغربي، بينما يتخذ الإسلاميون موقف الدفاع عن التراث الإسلامي عبر محاولة المواءمة بينه وبين ما يصعب رده من مقتضيات الحداثة. ولكن موقف الإسلاميين الدفاعي يختلف أيضاً عن موقف التقليديين الذين يماثلونهم في بناء الخنادق الدفاعية في أن الحركات الإسلامية تحتضن بعض مظاهر الحداثة، بل تعتبر نتاجاً لها، وترفض بعض توجهات التقليديين المحافظة. هناك إذن فروقاً مهمة ولكنها قد تكون دقيقة بين الإسلاميين والعلمانيين والتقليديين، وتداخلاً كذلك بين هذه التيارات. وقطب الرحى في هذه العلاقة هم الإسلاميون، الذين يقاتلون في معتركين. فهم يشتبكون مع التقليديين على أرضية الفكر الإسلامي وتأويل النصوص، ومع العلمانيين على أرضية الحداثة وانتقاد أفكار وعقائد الحداثة من ماركسية وليبرالية وغيرها. وقد نتج عن هذا بعض الظواهر المثيرة للاهتمام، خاصة ما شهدناه في السودان وغيره من تحالفات بين العلمانيين والتقليديين ضد الإسلاميين، وهو مشهد تكرر في مناطق أخرى. وبالمثل فإن التداخل بين هذه الفئات يجعل من الصعب القول أين يبدأ كل اتجاه وأين ينتهي الآخر. فهناك تقليديون- إسلاميون، وإسلاميون-تقليديون، كما نجد "إسلاميين" يقتربون كثيراً من العلمانيين. ويظهر هذا من الجدل المستمر حول ما إذا كان حزب العدالة والتنمية التركي حزباً إسلامياً أم حزباً محافظاً تقليدياً. فقيادة الحزب تؤكد بدون مواربة أن الحزب علماني ليبرالي، بينما خصومه "يتهمونه" بأنه إسلامي يكتم إيمانه. ويبدو هنا أن القضية هي بالنوايا وما في القلوب. ولعل هذا هو لب القضية. فالخلاف بين الإسلاميين وخصومهم يتمحور حول الاجتهاد في إحياء تعاليم الإسلام وتوسيع العمل بها، مقابل الإعراض عنها أو التخفف منها بأكبر قدر ممكن. بمعنى آخر الأمر يتعلق بخلاف بين من يريد اتباع الحد الأقصى من تعاليم الدين في ظل الحداثة مقابل من يريد اتباع الحد الأدنى أو عدم اتباع أي شيء. وإذا كان هناك تداخل بين من يريدون المحافظة على أكبر قدر من تعاليم الإسلام وبين من يريدون الأقل، فإن هناك بالطبع فرقاً واضحاً بين من يضعون أنفسهم في خندق الدفاع عن قيم الإسلام وتعاليمه، وبين من ينصبون المدافع لقصفه. ومن هذا المنطلق فإن الضجة التي ثارت حول أفكار الترابي التي طرحها مؤخراً تتعلق بمحاولة إعادة تصنيفه. فخصومه من التقليديين يرون أنه تحول إلى معسكر من يريد التخفف من كل ما يمكن التخفف منه من تعاليم الإسلام، بينما خصومه من العلمانيين رحبوا بما رأوا أنه اقتراب من معسكرهم، مع المطالبة بالمزيد، وخاصة التبرؤ من بعض مواقفه السابقة. وقد بلغ الأمر ببعض خصوم الترابي من التقليديين أن ذهبوا إلى تكفيره وإخراجه من الملة. وكنت قد كتبت قبل أكثر من عامين مقالة في "القدس العربي" رداً على ما أورده بعض الكتاب السلفيين من زعم بأن الشيخ الترابي كان يبطن الكفر ويفتقد الإخلاص للإسلام، وهي دعوى تخالف ما عليه الرجل من تاريخ في المنافحة عن الإسلام والتضحيات في هذا السبيل، ناهيك عن ما هو معروف عنه من تمسك بتعاليم الدين في سلوكه الشخصي. وليس هناك على كل حال ما يغري من لديه ضعف في الالتزام الديني أن يتظاهر بغير ذلك في عصر ما يزال القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر، ناهيك أن يتصدى ذلك الشخص لقيادة معركة إحياء الدين. من هنا فإن من قادوا حملة تكفير الشيخ الترابي لم يحالفهم التوفيق. فإنه يحق لمن شاء أن يخالف الترابي اجتهاداته، ولكن لا يحق لهم التشكيك في عقيدته ونياته. ولا علاقة لهذا بما ذهب إليه البعض (عمر القراي في جريدة "الصحافة" على سبيل المثال) من أن التكفير اعتداء على حرية التعبير. فالقراي هنا يناقض نفسه حين يدافع عن حرية التعبير بينما يهاجم الذين يعبرون عن رأيهم الديني. فكما أشرت أيضاً في مقالة سابقة في "القدس العربي" فإن حرية التفكير تستتبع حرية التكفير. ذلك أن توضيح أسس العقيدة في كل دين يشتمل على تحديد للإطار الذي يحدد حدود العقيدة وما هو داخلها وما هو خارجها. فأنظمة اللاهوت كما يقول محمد أركون هي نظم من الإقصاء المتبادل. والقائمون على كل ملة من العلماء وغيرهم يرون أن من واجبهم التنبيه إلى ما يرونه خروجاً على أسس العقيدة. وحدود كل ملة أو جماعة دينية تتحدد من داخلها وعبر الحوار (وحتى الاقتتال) بين أفرادها. ولكن لا توجد سلطة خارج الجماعة تحدد هذا الأمر. فالعقيدة الإسلامية هي ما تواضع عليه المسلمون وتوارثوه، كما أن اللغة العربية هي ما تحدث به العرب. على سبيل المثال نحن معشر المسلمين نعتقد أننا مسيحيون أكثر من المسيحيين، وموسويون أكثر من اليهود، وأننا نمتلك الحقيقة النهائية حول طبيعة المسيح عليه السلام ورسالته. ولكن هذا لا يجعلنا مسيحيين أو يهوداً، لأن تعريف من هو مسيحي أو يهودي حسب أهل هذه الملل يستبعد من يقولون بقولنا عن المسيح، أو من يؤمن مثلنا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم. وبالمثل فإن من جاء بفهم جديد للإسلام يناقض ما تواضع عليه المسلمون (بغض النظر عن صحة مقولته أو عدمها) يقف خارج أرضية الإسلام بتعريفه المقبول. ومن حق من يرى ممارسات تقع خارج سياج الملة أن يعلن ذلك، بل من واجبه. ولكن هذا حق وواجب يجب أن يستخدم بمسؤولية وحذر، لأنه قد يرتد على من يمارسه كما جاء في الحديث. وليست لدي أية رغبة في الدخول في جدل لاهوتي حول صحة مذاهب بعينها، وخاصة حول الفكرة الجمهورية. ولكن الأخ القراي قد أراحني من ذلك حين رد على نفسه بنفسه (كما فعل حين ناقض نفسه في أمر حرية التعبير) إذ أعطى نموذجاً لهذا الفكر في تعليقه على حديث تأبير النخل الذي فهمه المسلمون عبر العصور على أنه كان حالة عبر فيها الرسول صلى الله عليه وسلم عن رأي في أمر دنيوي ثم رجع عنه بعد أن اكتشف أنه كان على خطأ. وبحسب القراي فإننا والصحابة وكل أجيال المسلمين السابقة على خطأ، بل وأسأنا الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم حين اتهمناه بالجهل بأمر تلقيح النخل وهو ابن الصحراء. فالحقيقة هي أن الرسول كان يدعو صحابته "الى مستوى رفيع من التوكل ، حين دعاهم لاسقاط الاسباب ، اعتماداً على الله ، وتوكلاً عليه ، فقال «لو لم تلقحوه لأثمر» ، لان الله في الحقيقة ، هو سبب الاثمار وليس التلقيح .. ولكن الاصحاب ، لم يحققوا هذا المستوى من التوكل ، فلم يثمر النخل .. ولهذا دعاهم مرة اخرى، الى الاسباب، حين قال «اذهبوا انتم اعلم بشؤون دنياكم» !! أي ان دنياكم دنيا اسباب ، ولهذا اذا لم تؤدوا الاسباب، سوف لن تجدوا نتائج، الا اذا ارتفعتم من الاسباب ، الى رب الاسباب." هذا الفهم غاب كما ذكرنا عن كل أجيال المسلمين حتى فتح الله به على القراي وشيخه بوحي منه، حيث لا توجد وسيلة اتصال أخرى مباشرة ليصحح بها الرسول هذا الفهم الخاطئ. وهذا يعني أن الرسول صلى الله عليه وسلم كتم الرسالة وغش المسلمين حين لم يوضح لهم الأمر بهذه الصورة، وهي تهمة أسوأ بكثير من الجهل بإجراءات تلقيح النخل، مع العلم بأن معظم النباتات التي تحتاج إلى تلقيح تثمر بدون تلقيح بشري بسبب الرياح أو الطيور والحشرات وغيرها. وبالعودة إلى مسألة حرية التعبير فإن القبول بمبدأ حرية التعبير لا يعني الموافقة على كل ما يقال، مثلما أن الاستشهاد بآية "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" لا يعني أن الكفر والإيمان سواء عندالله تعالى! فالذي يستمع للبعض هذه الأيام يكون معذوراً لو ظن أن الكفر مما يسمح به الله تعالى بل يدعو له! فعلى سبيل المثال نحن خالفنا إخواننا المسلمين هنا في بريطانيا حين طالبوا بإسكات سلمان رشدي، في الوقت الذي ندين فيه أشد الإدانة ما كتبه من إسفاف متعمد. تلخيصاً نقول إن القضية المحورية في الجدل الذي ثار أخيراً حول فتاوي الشيخ الترابي ليست هي قضية حرية الرأي، وهي مسألة مفروغ منها، وليست قضية إيمان الترابي من كفره. وليست هي من باب أولى قضية مواقف العبد الفقير إلى مولاه السياسية. القضية هي أكبر من كل ذلك، وهي الموقف من الوحي والعلاقة معه، وما هي مكانة العقل الإنساني في التلقي والتأويل، وكيفية التوفيق بين الكرامة التي أسبغها الله تعالى على الإنسان وما وهبه من حرية وعقل، وما طلبه من الإنسان من طاعة وامتثال لما أمر به. وكل هذه أمور تستدعي تفكيراً متعمقاً من أهل الشأن بعيداً عن مكايد السياسة وطائفية المذاهب والأحزاب.

ظاهرة الترابي.. مجدداً

ظاهرة الترابي.. مجدداً د. حيدر ابراهيم عاد الشيخ حسن الترابي إلى المسرح السياسي بقوة، وكانت بداية العودة مفاجأة للجميع بسبب النبرة الهجومية والعدائية التي استهل بها ظهوره. وانطلق في نشاط وتنظيم في مقابلة الإعلاميين وعقد المؤتمرات الصحافية والبحث عن التحالفات. وبالتأكيد، قد كان قرار إطلاق الشيخ اختياراً صعباً للسلطة التي تعرف شيخها جيداً ويعرفها هو أيضاً. ولكن الظروف الموضوعية المتسارعة نحو السلام والتحول الديمقراطي، لم تكن تسمح باستمراره معتقلاً. وحاول النظام أن يستبق شريكه ـ الحركة الشعبية لتحرير السودان ـ والذي كان يمكن أن يكون له الفضل لو جاء القرار بعد 9 يوليو. ورغم ذلك، أعطى الترابي فضل إطلاق سراحه للضغط الجنوبي. ولحظة خروجه من المعتقل لم يشكر أحداً من النظام، كما لم يرجع الخطوة إلى انفتاح سياسي قادم. وهكذا عاد الترابي وكأنه لم يغب طوال خمسة عشر شهراً ولم يضع أي وقت للتأمل والتفكر والتشاور، بل بدأ معركته بكل الحماس الممكن لأن الوقت يمضي سريعاً نحو تنفيذ بنود اتفاقية السلام. يمكن اعتبار الترابي ـ بغض النظر عن الخلاف والتقييم ـ من أقدر السياسيين السودانيين على تحقيق أهدافه بسبب استخدامه لكل الوسائل التي يمكن أن يستخدمها السياسي الحديث والعلماني! وقد أشرت في كتابي: مواقف فكرية، في مقال بعنوان: الحداثة المعكوسة في الفكر الإسلامي، إلى أن الإسلاميين الجدد أمثال الترابي والغنوشي وعبد السلام يس الجزائري يستفيدون من وسائل وأدوات حديثة لتحقيق غايات وأهداف محافظة وتقليدية ورجعية. يضاف إلى ذلك أن الترابي يفهم واقع ومستوى السياسة السودانية أي كيف تعمل سياسة في قطر مثل السودان؟لذلك أعتقد أن السياسة السودانية أنجبت ثلاثة أشخاص متفردين ـ كل بطريقته ـ ولكنهم نجحوا في كسب التأييد وتحقيق أهدافهم مهما كانت التحفظات على وسائلهم. وأقصد: يحيى الفضلي وحسين الهندي وأخيراً حسن الترابي. وتميزوا جميعاً بالخطابية وتهييج الجماهير وتحديد القضايا الأكثر إثارة، بالإضافة إلى استفزاز الخصم وكشف عيوبه وتفعيل قدرته على الرد والمبادرة في الهجوم. يحتاج السياسي البراغماتي الحديث مثل الترابي إلى قدر كبير من الجرأة وعدم التردد وألا يقف مدافعاً أبداً مهما كان ضعف موقفه، وهذا وضع أقرب إلى رياضة كرة القدم أو الملاكمة. فقد كان الترابي جريئاً حين قدم نفسه مدافعاً عن الحريات والديمقراطية قافزاً على حقيقة أنه صانع الأزمة الحالية التي يعاني ونعاني منها. فهذا الواقع هو نتاج طبيعي لانقلاب عسكري أيديولوجي يقوم به حزب أقلية لا يستطيع تثبيت ومواصلة السلطة إلا بالعنف والقمع والإذلال. وهذا ما فعله النظام بحرفية ودم بارد منذ اليوم الأول للانقلاب وكان الترابي عّراب النظام وعلى علم بكل صغيرة وكبيرة، إن لم يكن الآمر بالتنفيذ. واستمر هذا الوضع عشر سنوات حتى الانقسام عام 1999 . وبعد ذلك ـ وحتى الآن ـ تجنب الترابي والمؤتمر الشعبي فتح ملف التعذيب والفساد: أهم خطايا النظام. والآن مطلوب من الترابي حين ينصب نفسه زعيماً لمعارضة تطالب بالحريات والديمقراطية أن يفتح هذا الملف بعيداً عن شعار عفا الله عما سلف أو عدم نبش الماضي. فهذا تاريخ شعب وليس مجرد ماض. ولكن يقال إن الترابي يصف الشعب السوداني بأنه سريع النسيان، ومن الواضح أنه يؤمن بهذا الرأي ويعمل به. من المتوقع أن يُمثل الترابي معارضة حقيقية لنظام ما بعد 9 يوليو. سوف يستغل جانباً شكلياً ولكنه قوي التأثير. فالنظام والحركة الشعبية يعولان كثيراً على الإعلام وعلى حسن صورتهم لدى الآخر، فهما كيانان إعلاميان يهمهما ماذا يقول الإعلام عنهما، ويمكن ملاحظة ذلك ببساطة من خلال كثرة «الطلة» الإعلامية ـ كما نقول بالسوداني. وفي هذه الناحية، سيكون الترابي أكثر قدرة وإزعاجاً، وعليهما اللحاق به باستمرار. ولكنه يتفوق برغبة أجهزة الإعلام في لقائه كما أن لديه ما يقول من المثير والاستفزازي. وبالتأكيد سوف يدير المعركة جيداً وسوف يربك خصومه. طرح الترابي قضيتين يمكن أن تجذبا قطاعات كبيرة. فقد نبه إلى عدم ديمقراطية الدستور، بالإضافة إلى لا إسلاميته فهو يخلو من التركيز والتأكيد على عناصر إسلامية واضحة. فالسودانيون مهتمون بقضية التحول الديمقراطي عموماً، كما يوجد من يهتم بتطبيق الشريعة الإسلامية كأولوية. وهنا سوف يخاطب أي جمهور حسب حاجته ولديه قدرة فائقة في توقع ما يريده المستمعون. وهذا اختيار جيد وذكي لعيوب الدستور وبالتالي سيواجه نظام ما بعد 9 يوليو الهجوم باستخدام واستغلال هاتين القضيتين. فعلى الحركة الشعبية أن تدافع مستقبلاً عن ديمقراطية الدستور والحكم، وعلى شريكها المؤتمر الوطني الدفاع عن إسلامية الدستور وأنه لم يقايض بالشريعة. ستكون هناك جبهة معارضة مؤثرة، فالترابي سيكون مكملاً للسيد الصادق المهدي بمعنى أن الأخير متردد وغير صدامي، ويمكن أن يقدم تحليلات صائبة وعميقة، ولكن لا يستطيع أن يحولها إلى فعل وحركة. ويتميز الترابي بالحركية والتنظيم والهجومية رغم أنه في الأصل أكاديمي، ولكنه أدرك مبكراً كيف يلعب سياسة في السودان؟ لذلك الفترة المقبلة لن تكون فترة وفاق وطني ولكن الصراع سيستمر بأشكال أخرى. بالإضافة إلى فشل الحوار الجنوبي ـ الجنوبي، وهذا مصدر قلق للشريك قرنق والذي هاجم الحكومة واستخباراتها بإفشال اجتماعه مع الفصائل الجنوبية المسلحة. والأهم من ذلك أن اتفاق القاهرة جاء ناقصاً وغالباً ما يختار التجمع موقف المعارضة. وأخشى أن تخدم الظروف الترابي وتجعل منه المعارض الأنشط في الفترة المقبلة لأنه يعرف ما يريد رغم الوسائل المستخدمة

المظاهر والظواهر

اختص الله بلادنا بكثير من المظاهر والظواهر ندر أن خص بها غيرنا من الملل والنحل – فـ(القنقليس) على سبيل المثال غذاء وشراب ترقد براءة أختراعه بهدوء فى أضابير البردى -لم يجرؤ أحد فى العالم قبلنا على مجرد تسميته بهذا الأسم اللطيف (قنق-ليس) تنطق (قونقو ثم ليس) ثم اللالوب المسهل العظيم, لنا وحدنا قصب السبق فى تقديمه للاسرة الانسانية ثم لنا درق الفوز فى صناعة الازيار , تبدأ من (واحد قدم) وحتى ( ستة قدم) وحتى المتطور منها (ابقريد) باضافة (النال) بمنح (انستانت ريبيت) أما الدوكة فحدث و لا حرج عن (كريسبية) كسرتها المنكهة بالطايوق- وقد لا يتسع المجال لحصر كل شىء ولكن ذكر المناقد بدائل الطاقة الحرارية والتى تقبل كل ما هو صالح للحريق غير الفحم وخاصة (الدلاقين) فى تصميم مبدع من البال المشبك وفتحات التهوية الفيثاغورسية وفى اسفلها الرماد (بن) ..ثم (النكاتة) التى تاتى (هاندى) فى تصفية الحسابات والتنفيس عن الغضب ولا يمكننا ايضا اغفال ذكر (تموت تخلى) شاهدا على اصالة تقليد (الريسايكل) الذى بدأناه قبل أن تصحو شعوب العالم !! من غفوتها الاسرافية عملا بالحكمة القائلة بأن ما يصلح للسيارات يصلح للانسان و قد ثبت فى السودان وحده أن زيت الفرامل يأتى فى قمة أنجع المهدئات لالام رطوبة الركب وكذا مسحوق بيت (الزنبور) حين يخلط بماء الله والرسول وتمسح عجينته (تسمى خلطة والخلطة كلمة واسعة الحضور فى المعجم السودانى) على الركبة مباشرة دون الاحتياج الى (أبليكيتور), أما (السايد أيفيكت) فليس أكثر من مجرد ألم صاعق ,و(كربة) حال جفاف العجينة (الخلطة) وذلك شأن الخلطات بأنواعها و لكنك سودانى وقد تكون جعلى (اون توب اوف ذات) فلا بأس من التذرع بالمثل القائل (الحار بلقى الأحر منو), ورغما عن علمى بضيق المجال فأننى لن أغفل عن ذكر الأختراعات المفيدة المتعددة, ك(المفاريك) بأشكالها و(المخارز) بانماطها و (الشرقرق) ومصفاته المستخلصة من بطون (الليف) و(المشلعيب) الذى حير (كدايس) الشرق والغرب اما القلوبية) فقد تمتعنا باستخدامها فى صيد الطير دون الحاق الاذى بالطائر المسكين حتى ساعة اعداده للشواء وعلى ذكر الطفولة الباكرة يحضرنى ذكر كتالوج (تويز ار أص) السودانى فقد حفل بالعديد من اللعب التى تبدو بريئة فى هيئتها مؤذية فى محتواها وطرق أستعمالها ف(السورو) مثلا لا يحتاج منك الى أكثر من كوم تراب ومساحة تحت عمود النور وهو مثله مثل الالعاب الاخرى تتم صناعته باياد سودانية (غتيتة) و يأتى عادة بدون (أنستركشن مانيوال) وهو كما تعلمون قمع حديدى ينتهى بحافة سنينة (يتعبقر) شرير الحلة وأسمه دائما(محمد ادم) فى تحديدها وبردها حتى (تجيب الدم) حين يدق بها ظهر يد المغلوب وأسمه (الصادق) فى معظم الأحوال أما أستخدام نواة البلح فى غير ما خلقت له فذا أمر واجب و يا حبذا ألحاق الأذى بتعيس الشلة و هى لعبة لمحدودى الدخل لاتكلف غير (ساسوية) وسطح من الأسمنت الصلب أو ضهر (مكوة)..(أكشوالى) وش زول ممكن,و صبر على الدعك الحريف.......ثم....تششششششششششش!! ثم يأتى (الكباس) وهو آلة معقوفة (تو درايف الترتار) شاهد علىأستخدامنا (لنظم الدركسون و (الأنتى لوك بريك) (كومبايند اما الظواهر فأننى سأكتفى منها بالتطرق الى مرض (حامد) وهو مرض لا يصيب أمة غير لأمة السودانية.. وقد أسميته أنا مرض تعسر الزواج السايكوباتى) أو (لاك اف وومن مانيفيستيشن)-أما لماذا حامد –فذالك لأن الحامد شاكر (باى ديفولت) ولا تجوز له الشكوى حتى يصاب بما حل بالمعذب (ب.ع.ح.) المنشورة مشكلته فى مجلة طبيبك صفحة طريقك الى السعادة الزوجية, أما الأعراض فهى أى عرض غير موضوعى مثل الشعور بالخدر فى أصبع الكراع الشمال (يسار فى اللغة العربية) أونتحان المخروقة وأدمان (الكاموكوين) المفاجىء أو الرغبة فى أصدار بيان (تانية العيد) ثم الأنقلابات العسكرية,أو طلب الأنتماء الى أسواق الملجة الألكترونية, وخلافا لما يظنه البعض فمرض (حامد) يصيب (شرار العزاب) والمتزوجين سواء بسواء وليس أحد بمنأى عن عن نوباته المفاجئة وشباكه المحكمة فهو مثل(محطة...من محط يمحط) الجنزير أو قرصة النمل اب ريش ( ولذلك حديث قادم) قرصة (دليفرى) وفى موضع حرج لا يمكنك هرشه أمام الخطيبة حتى لو تكالبت عليك الروم , ومريض حامد مصاب بانتفاخ حجم (المداغات) وتصفه العرب ب(الحنوق) (الغضوب) و أوصاف عدة لا نجد لها شرحا

مرض حامد فيميل فيرشن تاج السر الملك

مرض حامد
فيميل فيرشن
تاج السر الملك jankove@yahoo.com
من أفضال الله على العباد (وهى لا تحصى ولا تعد) …أو قل أنه العدل الإلهي المحض فأن بعضا مما يصيب الرجال يصيب بنفس القدر النساء حتى وأن بدا الأمر غير ذالك والعكس بالعكس صحيح (لنا مقال قادم عن سن اليأس عند الرجال).. فمرض حامد على سبيل المثال لا الحصر وبرغم ذكورة أسمه (جندر بروفايلينق) لا يصيب الرجال وحدهم بالضرورة فطالما طالت أياديه بيادر البوار العاطفى لدى النساء و طاردهن من أسكلة الخرطوم ألى الجبلين الى الرجاف(أو كما قال الشاعر) يوصمهن بنفس الأعراض والتهاويم ومسغبة الفؤاد…. وقد أتحدت الحامديات فيما يشبه البروتوكول غير المعلن على أعتبار انتخاب أغنيات (عثمان حسين) كالملخص الرسمى للموقف الإنساني الحامدى النسائى وبالتحديد أغنيتى (ناس لا لا) وجزيلة النغم حالمة التطريب (أطيب خاطرك الغالى) أنكلودينق (أسامحك لو نسيت), , قد تختلف بعض الحامديات بأعتبارهن أغنية المرحوم الكاشف (الشوق و الريد) بمثابة السلام الجمهورى وما يحدثه فى غلاقيص العريف تجانى سلاح المدفعية الشجرة, وهاذوائى دائما حامديات الأقاليم ولهن وحدة مشاعر عاطفية أشد حدة ورهافة نسبة لانخفاض المنسوب الرجالى بعد أكتشاف (خميس مشيط) و(الخبر) و ما الى ذلك… و لا تختلف أعراض حامد النسائية فى مجملها عن الرجالية فهى تصب فى مجملها فى خيران وجداول (قالو لى أنساهو وأمسح من خيالك ذكرياتو) ومن غرائب المصادفات فى شأن حال الحامديات أتفاقهن على أسم (هاشم) كموقف ونقطة أرتكاز مبشرة بالتجلى الذكورى, مطر فى عتمور العنس الممتد وقد تكون هنالك أشارات ل(عبد الباقى) أو بعض الأسماء المركبة(محمد برنسة) فى كثير من الحالات المتعسرة, وتعترى الحامديات أعراض وتغيرات تتفاوت فى حدتها من (ستيج) الى (ستيج) اخر فما بين (قلبى قال ..شح) الى خمة النفس وبرود الركب وحرقة (فم المعدة) الى الحالة القصوى والتى تصفها الحامدية (أترقطت زى القصبه) حمانا الله وإياكم من الإرتقاط (وط ايفر ذات أيز) وينتهى الأمر بالحامدية الى التسليم الكامل لأمر الله والرضاء بقدره وذلك فى اخر أطوار الحالة ويحدث ذلك حينما (لا تشيل الحنة)!!!! وللحامديات علم غريزى بأن هذه الهوجات والتداعيات لا تستدعى استشارة طبيب بقدر ما تحتاج الى (فكى كارب) ولسبب ما فأن الفكى الكارب دائما ما يحتاج الى جهد ومجاهدة فى البحث وقد يتطلب عناء السفر الى مايرنو أو المجازفة بدخول ديم فلاتة أو الأعتراف ب(بشير لومى) الحبشى وانشاد (دقولو نزل من روسيا حضر لابس طربوش وحزام أخدر…) و فى عهدنا الذى سلف أعجبت الحامديات بإحسان عبد القدوس ,و فرانكو كاسبارى نجم مجلة سمر, و أعجبن لسبب ما بافلام مثل (ظهور الأسلام) وبكين بحرقة حين عرض (من أجل أبنائى), ثم أن لهن مساجلات مع محمد سيد الدكان و الطيب ممرض المركز الصحى, و من عجب الأمر أنهن لا يستسغن الكماسرة و لا العجلاتية (فور ذات ماتر) و لهن أعجاب حيى خفى بسواقين القطارة, وحتى سواقين الوردية أذا ما رق الحال, أما أعمدة الثقافة الراسخة فى مكتبة الحامدية فكتاب الأغانى لهندى عوض الكريم (يختلف قلبا و قالبا عن الأغانى لأبى الفرج الأصفهانى), ومجلة حواء(صفحة البترونات) ثم كتاب (الرسائل) وهو بمثابة( دو أت يورسلف) أذا عن لك كتابة رسالة غرامية. و للحامديات سؤال خالد حين يهل (هاشم) وفى ذات المعنى (عبد الباقى) فى أى مناسبة (المستشفيات غالبا) يبدأ السؤال بجبدة للتوب فويق الجبهة (القنقوسة للعالمين) وتطويحة مفاجئة تجاه أقرب الجالسات ناحية اليمين..ده منو ده..؟؟ و قد تضيف بعض المتحذلقات جملة الغزال الشارد أذا وثقن فى المسئولة أو غير ذلك من الأوصاف العفيفة فى شكلها الماكرة فى فحواها. و تحدثك الحامدية أذا أرخيت لها أذنا صاغية (أياك وأياك النظر المباشر والتمعن فى ملامحها) تحدثك عن نفسها وكيف أنها كانت (حمرا) حتى وصفت ببت الخواجات (آت صم بوينت) وكيف أنها كانت بطة (سمينة) وتحدثك عن شعرها وكيف أن الجيران كانوا يطلقون عليها لقب (بت الهنود) ثم أنهم (سحروها)!!! فتساقط الشعر وتغير اللون وأنسفح الشحم عن الفرائص …. فأبشر يا رجل … صبرك على هذه اللعنة أن تنجلى ,فبنت الحور رابضة وراء هذا الدبيب!!! تاج السر الملك

جامعة شنو؟؟؟

جامعة شنو؟؟؟ خالد الصادق أحمد khalidelsadig@hotmail.com محمد أحمد يا عوير.. بالله عليك.. جامعة شنو؟ من وين تجيب حق المصاريف و الكتب؟ حق الكراريس والفطور؟ من وين تجيب حق الهدوم؟ حق الأرانيك والرسوم؟ حق المراجع و المطابع و الصور؟ جامعة شنو؟ أظنك ناسى إنك ود منو! إنت داير حاج عمر.. ينفتح فى وشو باب صرفاً جديد؟ و إنت عارف إنو أبواب الدخول اتقفلت.. لا وظيفه.. لا تصريفه.. لا حق الرغيفه لا دقن.. لا سبحه.. لا عبايةً رهيفه لا إسم.. لا واسطه.. لا إيداً خفيفه لا دبوره.. لا فاخوره.. لا دبابه.. لا دولاً حليفه لا حِزِب.. لا كِضِب.. لا لَمَّه.. لا قلة أدب.. لا ذمّه جِيفه لا ظيته.. لا ظمبليته لا فوضة مجالس وبرلمانات.. لا علاوات.. لا أتاوات.. لا رخص خاصه و حَرِيفه لا إمام.. لا ود حرام.. لا منافق.. ولَّا خدام لى خليفه لا تمرد.. لا بنادق.. لا فنادق لا فيونكات.. ولَّا كرفتات و لا بدلاً قطيفه لا دعم مالى.. و لا سلاحاً أجنبى لا قصرعالى .. و لا حبيباً عربى لا راقصه.. لا مزيكا.. لا غلمان .. ولا بنتاً وصيفه لا إذاعه كلاما دَش.. ولا دوت نت.. ولا دِش.. لا مكاتب فى أوربا.. لا شقق عند الحبش.. لا محلّه و لا مجله.. و لا صحيفه أبوك إنت لا سمسار.. ولا منشار.. ولا سِيْد احتكار.. راسمالو فى السوق الحليفه أبوك يا محمد أحمد راسمالو فى الدنيا الشرف.. و الشهاده الجامعيه.. و عزة النفس الأنيفه و شوف أبوك الليله وين؟ أبوك يا محمد أحمد الليله أصبح عَطْلَجى مستنى كان الترقيه.. مستنى كان حل الديون.. مستنى..بس.. والدقون تمشى وتجى.. و تحمى الكلام و العيون مدسوسه دس.. تحمى النظام و المكاتب فايره زى سوق الشمس ناساً تجى و ناساً تفوت و ناساً بتصرف فى الرواتب.. و قاعده فى بطن البيوت و ابوك إنت العوير مستنى واقف فى محلو تقول صنم و الناس مشت..طلعوا القمم حتى الغفير.. أصبح مدير حتى الغنم مسكوا المناصب.. شالوا السبح.. لبسوا العِمم حتى التُّجُم عرفوا النَّضِم قادوا المواكب وابوك إنت العوير واقف مراقب أصلو ما فقد العشم مستنى قال الترقيه! و فجأه.. زى ما الدنيا ماشه مفاجآت فجأه .. جاتو التصفيه لا نَضِم لا مقدمات جواب سَطُر: "أُحِيلَ للصالح العام!" بتعرف إنت "الصالح العام؟" لمّا آلاف الأسر.. تلقى روحها اتشردت لمّا آلاف الكفاءات.. تبقى بى جرة قلم.. إترَفّدَت و الوظايف إتملت.. قَرَدَه و حمير لمّا يتعرّى العِلِم.. و يلبس الجهل العَلَم.. و يمسك البوم الحُكُم.. و يمسك مقاليد الأمور.. ده إسمو "الصالح العام!" و داك..يا محمد أحمد..يا عوير ياهو المصير و آخر قراية الجامعات! قال جامعه قال! بالله عشان تعمل شنو؟ أوعك تكون فكرت يوم تطلع وزير! أوعك تكون موهوم بتحلم بى سفير! ولا مليونير كبير! ولا حتى أفندى فى مكتب صغير! والله تكون مجنون و عايش فى وهم.. لو إنت داير تبقى زول من القرايه.. و تلقى فرصه مع الغشم! والله عوير! إنت فاكر الدنيا لينا.. عشان كمان نتمنى نحلم؟ ولا ما عارف كمان حكم الزمن إنو القلم ما بزيل بَلَم؟ أصحى ياخى و أفهم الدنيا ام دقس: الوزارات ليها ناسا و السفارات ليها ناسا و الوظايف بى مقاسا و نحن ناس القرعه راحت.. لينا رب الناس و بس لينا الفَقُر.. لينا العدم نحن نتعس فى الكُواسه و نحن نفطس فى الحراسه و نحن نغطس فى الدراسه و نحن نتباع فى النخاسه نحن أتباع لينا الله.. و ليهم الراى و الرياسه نحن العبيد نحن الخدم و هم أسياد و ساسه نحن بالكد..نحيا فى الهم و النكد و هم ملوك متوجه بالخباسه و ماصَّه عرق الناس و دم جامعه قال! جامعة شنو؟ إنت عميان ولا غبيان يا ولد؟ ما شايف الناس الشُّداد كيفن مشوا و مسكوا البلد؟ ما شفت كم سجمان نجح؟ ما شفت كم كسلان كسح؟ خلوكم إنتو مَكَسَّحين.. و تزحوا فى الواطايه زح السكن فيللا و سرايه و إنتو فارشين الأرض و ناسنا راكبين قوس قزح..علوى و شبح و إنتوا راكبين فوق بعض و العلاج بره البلد و ليكم إنتو بَبَّح إنتوا تَقرُضوا فى القَرَض و إنتوا تَقرَضوا بالمرض و إنتوا تشربوا فى المحايه و إنتوا تَلْحَسوا فى الجرح و يأكلوكم إنتو فى الفول و الهباب و يوصوا فيكم تاكلوا من أكل الرسول الأسودين: مويه و بلح و ياكلوا هم من العجول كفته و كباب و إنتو تخرتوا فى القدح! شفت فيهم ياتو زول ساكِّى القِرايه؟ ولا فاتح ليو كتاب؟ و لا جارى فى تفتيش وظيفه؟ شفت فيهم ياتو واحد هَمُّو كان حتة رغيفه؟ ولا ساكن فى الخراب؟ ولا واحد ماشى كَدَّارى ومَكَتَّح بالتراب؟ ولا واحد عندو مشكله فى أكل؟ ولا مشكله فى شراب؟ قال جامعه قال! نفرض ياخى إنك إنت خلَّصت القرايه و جبت الشهاده وجبت درجة إمتياز مجرد فرض.. وينو الشغل؟ بيّاع مريسه؟ حتبيعا وين؟ والويسكى داخل دون جمارك فى البلد.. و البيره فى.. و راقده و رخيصه و سوقا خاص.. لى ناس خواص و للبقيه الحَد..جَلِد! و يللا ..أصلو الدنيا هيصه! تلقى الشغل بالله وين؟ يعنى ما شايف العطالى مكسرين زى القزاز؟ ولا الدَّاعْكِين و مهروسين هريسه وما لاقين ولا حق اللباس؟ ولَّا ما شايف الوظايف كيف مفصله بالمقاس لى ناس عُزاز.. ناساً بخافوا من الكديسه و علينا عاملين الأسد؟ ولا ما شايف السفارات المدفسه بالصفوف و بوليسا يضرب بالعكاكيز و الكفوف الماشى كايس لقمه فى الغربه ام كمد و الطاشِّى من وجع الكبد و الخاشِّى لاجى حتى للماشى الحجاز.. حتى للنَّادَه المنادى.. الدَّق ده عادى.. لابْفُرزُوا عباس لا نفيسه! و ناسنا ديك..تبارك الله لا بعرفوا صف لا بكوسوا فيزا يسافروا للحج من قروشنا و يمشوا الإجازات بى قروشنا و بى قروشنا يِقََرُّوا أولادهم كمان.. شان بكره يستلمونا برضو.. و يضوِّقونا الحلوه مره! و اسم الله ياخى على القرايه! قرايه بره! قرايه فى آخر المطاف.. تضمن الجاه و المُلُك و النعمه و الهنا و المسره ما زى قرايةً تفتح أبواب الكفاف و الذله و الشقا و المضره يا محمد أحمد.. مِد كراعك يا ولد قدر اللحاف ناسنا ديل ما بشبهوك و الله لو نَشَّفْتَ راسك بكره تنزل و يركبوك خلِّى العناد..خلى النشاف و الله لو تابعت يوم سكة أبوك لو لقيت شغلانه حره و خيمه فى عِشَشْ الحَواف تكون نجحت و ألف مره و ألف مبروك! جامعه قال! بالله عليك خلى العواره و اقعد أسمع: الدنيا يا ولدى العزيز دايره الشطاره دايره الشِّفِت..دايره الجدع الشهادات ما حتنفع لو صحيح داير الوزاره.. أو بتطمع فى سفاره.. أو بتحلم بالملايين فى البنوك.. أدخل السوق بى بصاره.. و بيع أبوك! تلقى مليون مشترى و تلقى المناشير يسبقوك لو ترحمهم ما برحموك الناس هناك بتبيع صُغارا و تبيعك إنت و تشتريك تلقى سمسار يهرى سمسار و يحلف مَتَلّت بالطلاق ماخد أبوك بالشى الفلانى.. و بيعتو بالخمسين خساره و يجيه تانى و فوق حليفة الأولانى يقسم معظم باليمين البيعه تمت و يللا تلقى الدنيا لَمَّت و التمن طار فى السما و يدخل التالت يكبِّر و يلحقو الرابع يكفِّر و المزاد سخّن حِمَى و لمّا يرسى على التَّقِيل تمرق إنت تجر ملايينك وراك شوال ورا الشوال تشيل و تبدا فى السوق بى جداره راسمال حلال و البعدو كلو ربح حلال و شغل نبيل! و تبقى تحلف بالحَرَام و تحلف بالطلاق و تبيع كلام و تبيع أصول و تلحق الناس الطوال و توزع الفال و البشاره! أو لو أبيت السوق كمان.. أدخل الجيش يا ولد ما شفت جيشنا المنتصر جيشنا الهمام.. لبلدنا طلَّع كم رئيس؟ و كم وزير؟ و كم خليفه وكم إمام؟ ما شفتو طلَّع كم مناضل؟ و كم مكافح؟ و كم ضكر؟ ما شفتهم بدل اللباس العسكرى.. و بدل التمارين والتمام لبسوا العبايات و الملافح خَلَُّو البنادق والخنادق شالوا العِصِى و دخلوا القُصر؟ و ده كلو ما بين يوم و ليله و يبدا فى قعدة سكر رايد يقول: ياخوانا هيييي البلد ناقصه النظام و الدوله فوضى و ماشّه فى سكة خطر كترت الأحزاب و ناسا.. و كتر الكلام.. و زاد الفساد.. و ضاقوا العباد من السياسه و الشعب واقف منتظر.. مليان كآبه و دبرسه و يرد عليو واحد عريف: الشعبِ ده ما مستعد ياخوانا لسه لسه ما عرف الديمقراطيه كيف لسه بدرى عليهو لسه! دى حاله هسه؟ الشعبِ محتاج إيد قويه و زول نضيف و يرد نقيب: دى فعلاً ياخى محنه دى حاله ما برضاها زولاً كان عدو و بالذات أنحن نحن من الشعب وليهو.. و لازماً يكون حارسنا نحن.. نقيف فى صفو و ننقذو.. و لازم نكون ليهو الوجيع و السؤال مِنَّ العقيد: و الحل يا جماعه؟ و الجواب مِنَّ العميد: بكره نستلم الإذاعه! و الباقى معروف للجميع! قاموا الفَجُر.. و الدنيا نايمه و لمّن انقشع الهجيع و الضو مرق و قاموا الناس يفتشوا فى المعايش والرزق لاقوا الجيوش وقيامه قايمه دبابات ملت كل الطرق و مجنزرات فى الحله حايمه و كل المرق ما عَدّى ساعه رجعوا البيوت.. حارسين بيانات الإذاعه ناسنا عارفين بالتجارب مافى طبعاً غزو من ناساً أجانب شافوا جيشنا متين بحارب؟ حتى لو كانت إشاعه مافى زول فيهم بصدق ناسنا حافظين المشاهد بالتجارب ناسنا ناقشين الفرق بين إنقلابات الحكومه: واحد يمين.. خُدره وسيوف واحد يسار..حُمره و بنادق و تانى واحد فى الوَسِط ساده ساى من دون علامه لحدما يمسكنا ويتمكَّن وَهِط و يبدا الخنق و كلو فى الآخر زَعِط و كلو فى الآخر مَعِط و كلو بى إسم الله حق و كلو فى الآخر إمامه! و صدق الحدس ذاعوا البيان الأولانى.. و طَمَّنونا و فى التانى حَلفوا يسمِّنونا و فى التالت قرينا وعلَّمونا وفى الرابع سِلمنا و عالجونا و فى الخامس بنينا و سَكَّنونا و فى السادس زرعنا الطوب و شقينا المجارى و فى السابع صنعنا المعجزات و شيدنا الكبارى و فى التامن أدونا حرياتنا كامله.. و الكلام بقى إختيارى و فى التاسع حَكَمنا برانا روحنا و لحقنا بالركب الحضارى و فى الختام.. و فى مسك الختام.. فرضوا الطوارى! و من يوما داك.. و لحدى الإنقلاب البعدو.. نحن مَهَنْضَبين و كاتمين النفس و القاده صبحوا مَضَبْضَبين و مهووسين هوس و سَووُا ليهم حتى دين و نَصَّبُوا العولاق إمام و سووا ليهم كوم حوارى و سَمُّوا أخوانهم صَحَابه! و لو كمان الجيش أبيتو يللا شوف ليك بندقيه.. و أدخل الغابه! إنشالله تدخل ياخى قُطّيه و تعلن على الدوله الحرابه و تعلن إنك إنت محمد أحمد ود عمر.. عندك قضيه ما مهم نوع القضيه الأهم البندقيه و المهم إنك تجيد فن الخطابه و تعرف تكاتل فى الجرايد الأجنبيه و تعرف تَكَضِّب فى الكتابه و فى "الجزيره" و فى الإذاعات المثيره و ارقد قفا.. حتلاقى مليون يتبعوك لمن تقيف و تقول كفى من الشرق حتلاقى ناس و من الغرب.. من الشمال.. من الجنوب.. و من مداين أجنبيه حيجوك و يستلموا القضيه و حتلقى برضو منظمات و تلقى الحكومات والكنايس..يدعموك و يعلموك سر التفاوض وكيف تحارب وكيف تصالح و يدربوك شان تبقى يد و تبقى طرطور فى البلد! و اهو كلو فى الآخر مصالح و كلو رابح! و لما يوم تلقى العيون غفلانه منك خُتْ سلاحك و الذخيره واركب البحر المِشَرِّق واغشى أول أورشليم و مُر على القدس القديم و زور الحيطه و ابكى و من هناك.. أبقى سافر لى عواصِمَ الدنيا المنيره أمشى لندن..كَضِّب احكى وامشى باريس..كضب اشكى وامشى بون.. أمشى واشنطن و قابل الكونقرس واحكى وابكى.. أحكى بى نفس الوتيره لمّا حسك ينقرش و حيسمعوك.. لا مصدقِنَّك.. لا مكضبِنَّك.. و انت عارف إنهم مستعمِلِنَّك.. طُعْمِ للسمكه الكبيره! واهو كلو غش إنت تشحد فى القرش و داير تشارك فى العرش و هم بجهزوا فى الفطيره! أو لو كمان احترت و احتار الدليل و الدنيا ضاقت بيك و ضاقت ذُمتك ساعةْ صلاةَ الجمعه تلبس ليك عبايه.. مقاس طويل تملاها جوه مفرقعات وتلفح عمتك.. مَحْشِيّه موت و مفاجآت و تدخل الجامع الكبير مَحْشِى و مَكَدّس بالعباد و تصلى للمسجد تحيه.. تَقْرَا و تََطََوِّل ركعتك و تمشى تقعد فى محل وَسْطَ العبيد و تستنى لمّا الخطبه تكمل و مولانا لى سِيْدْنا الخليفه يدعو بالعمر الطويل و بالنصر المؤزّر على الشعب البليد و ساعة التكبير تقوم وسط الصفوف و تقيف عديل.. و تعدل عمتك.. و إنت بتجر الفتيل الله أكبر... و تكتل جموع المسلمين و تموت شهيد!

مع عبد الوهاب الافندي:

مراجعات حوارية مع عبد الوهاب الافندي: أنا.. لست «شاهد ملك» على الاسلاميين!! لا استأذن احداً في العودة الى السودان التجارب الاسلامية تم التعبير عنها «علمانياً» «هل.. أنا ذكرت اسم علي عثمان هنا؟!» حاوره: ضياء الدين بلال diaarana@hotmail.com الدكتور عبد الوهاب الافندي الاستاذ بالجامعات البريطانية.. اسم له وضع خاص في فضاء الاسلاميين.. بعد ان اصدر كتابه الذي اثار جدلاً واسعاً في منتصف التسعينات (الثورة والاصلاح السياسي).. اعجب به كثيرون ولكن اسروا ذلك في انفسهم.. وجهر بعضهم به.. وتعرض لهجوم كاسح من آخرين حتى وصف بأنه يهرب من السفينة الغارقة مع الجرذان..!! والرجل له وضع مميز في الاوساط الاعلامية والاكاديمية ببريطانيا والدول الغربية، ويوصف بأنه مختص في شؤون الحركات الاسلامية، ويتصدر اسمه أشهر وأهم المنتديات العالمية التي تتحدث عن الحركات الاسلامية..!! بعد عدة سنوات ولعدة ايام جاء الافندي بهدوء للخرطوم كأنه يريد الا يعرف بمجيئه احد.. «الرأى العام» علمت بخبر وصوله وتحصلت على رقم هاتفه السيار الذي تخبرك الآنسة موبتيل باستحالة الوصول إليه حالياً.. أو ان يظل الموبايل يرن ويرن دون ان يجد له رافعاً..!! اخيراً.. رفع الرجل موبايله.. وتم الاتفاق معه على اجراء مراجعة حوارية حول مواقفه وكتاباته ... وتم الأمر..!! ==== üغيابك لفترة طويلة عن السودان هل له دلالة سياسية؟! استخدام لفظ الغياب:هنا استخدام مجازي، حيث انني ظللت حاضراً في متابعة كل ما يحدث بالسودان، الغياب هنا متعلق بظروف إنشغال شخصي.. هنالك إعتقاد بدأ يسود بأن السودان هو ملك لاناس محددين ينبغي ان نستأذن منهم عندما نعود..!! زيادة الى ذلك في ما يتعلق بالتجربه السياسية نحن نعتبر أنفسنا اصحاب حق في كل ما نتج عنها من دولة وحكم üإذن انت جزء من تجربة الانقاذ؟! - منذ وقت مبكر نحن ساهمنا في التجربة الاسلامية السودانية وقتما كانت عضويتها في السبعينات لا تتجاوز الالفين.. مشروع الدولة كان نتاجاً للتجربة الاسلامية ومحسوباً على الاسلاميين.. لذلك نرى انه ليس من حق اية مجموعة ان تستأثر بهذا الامر وتسير به في إتجاه مخالف لما يراه أغلبية الاسلاميين، او في إتجاه يضر بالحركة الاسلامية العالمية، او بالاسلام عموماً عبر ممارسات تحسب على الاسلام üدكتور الافندي كنت في مقالاتك وكتابك «الثورة والاصلاح السياسي» اميل للانتقاد الرفيق لتجربة الانقاذ، ولكن بعد الانقسام«وطني شعبي» اصبحت تبدو كمعارض شرس... وكأنك الآن اقرب للمؤتمر الشعبى وللدكتور حسن الترابى؟!! = موقفى ظل ثابتاً.. فقد كانت ومازالت لى أطروحة محددة، ان للتجربة الاسلامية ليس لها مستقبل إذا لم تتحول لتجربة سياسية حقيقية، بمعني ان يكون لها بعد جماهيرى، وهذا يقتضى عملاً سياسىاً دؤوباً، ولا يمكن ان تمضى الى الأمام بإجراءات إستثنائية دائمة، وأن تستقطب الناس بالإغراء او بالارهاب، لان هذه الاساليب ستترتب عليها مكاسب مؤقتة. لأنه لا يمكن ان تعتقل الجميع أو ترشى الجميع كذلك.. يمكن ان تعتقل البعض وترشى أخرين، لكن البقية ستظل متربصة بك، وقتما يبدو عليك الضعف ينقضوا عليك، كنت اعتقد ان يستفيد الإسلاميون من الانقاذ فى تنمية رصيدهم السياسى، إنتقادى للانقاذ كان يرتفع مع ارتفاع معدلات تجاوزاتها أما عن العلاقة بالشعبى.. فبالعكس صحف الخرطوم كانت تنتقى إنتقادى للشعبى وتقوم بنشره ولا تنشر إنتقاداتى للحكومة لذا ظهر كأننى متحامل على الشعبى. ü لكنك ذكرت فى إحدى مقالاتك أن الحكومة إعتقلت الترابي لأنه أكثر جماهيرية منها؟!! = لا اذكر هذا تحديداً.. ولكن مجموعة الترابى فقدت الكثير بابتعادها من الدولة ü أنت ذكرت ان الترابي اكثر جماهيرية من الحكومة؟!! = ما أذكر أننى قلت ان الحكومة تعتقد ان الترابى أكثر جماهيرية منها لذلك قامت باعتقاله.. فتصرفاتها كانت توحى بذلك. ü تحدثت باستفاضة عن إعتقال الترابى.. ولم تتحدث عن معتقلين اخرين من احزاب أخرى؟!! = فى كتاب « الثورة والإصلاح السياسى» تحدثت عن الممارسات التي كانت تتم فى بيوت الاشباح، وحديثى عن إعتقال الترابي لا يعنى أننى مؤيد لاطروحاته أنا كنت ولا زلت ضد مبدأ الاعتقال. ü عندما كتبت « الثورة والإصلاح السياسى» قيل وقتها ان الافندى يهرب من السفينة الغارقة.. فى رأيك هل أصبحت هذه « السفينة» آمنة الآن؟!! = ما قيل كان نوعاً من «الإسفاف».. ما كتبته كان نصيحة الفرصة الأخيرة، وكان المقصود منه الإصلاح، القضية ليست ان تستمر فى الحكومة موبوتوتسى سيكو استمر فى الحكم 30 سنة، وعندما ذهب لم تكن له تركة، وهنالك مانقستو وشاوسسكو، كونك تستمر فى الحكم لفترة طويلة بدون عمل سياسى لا يعطى مؤشراً ايجابياً لك، بالعكس قد يكون كل ما تستمر اطول الحساب الذي ستدفعه سيكون اكبر. ü من خلال ما قلت.. فهمت انك لا تعترض علي الوصول للسلطة عبر عمل عسكرى، ولكن تعترض على البقاء فيها عبر وسائل عسكرية؟!! = من حيث المبدأ «خلينى اقول بصراحة» لم اعترض على الوصول للسلطة عبر العمل العسكرى، ولكن اعترضت على ما حدث بعد ذلك، الحركة الشعبية الزاحفة من الجنوب الى المركز جعلت «السلاح» جزءاً من العملية السياسية.. لى نظرية فى ذلك الذى يأخذ السلطة بالقوة مثل الذى يأخذ قرضاً هو مطالب بإعادته، لو إستثمرت القرض وحققت منه أرباحاً، وبعد ذلك ارجعت لصاحب المال ماله هذا امر جيد، ولكن إذا ضيعت ذلك المال، تصبح بذلك فى مشكلة ويمكن ان تدخل السجن. ü إذن 30 يونيو كانت بالنسبة لك مبررة؟!! = لم يكن لى إعتراض كبير عليها، هنالك من تصرف فى هذا « القرض» بإعتباره ملكاً له، وأصبحوا يبعثرونه يميناً وشمالاً. ü «القرض» يا دكتور يختلف عن « النزع».. القرض فيه إختيار وإتفاق بين طرفين.. كأنك تقر بمبدأ ان الغاية تبرر الوسيلة؟!! = هنالك اوضاع معينة تجعل بعض الأعمال مشروعة.. خذ مثلاً ضرب حلف الناتو للصرب، السياسة ليست بها ثوابت مطلقة.. إذ قال شخص لا يجوز الانقلاب العسكرى هذا يعنى ان للحاكم إذا فعل ما يشاء لا يجوز الانقلاب عليه و... ü يا دكتور هذا إستسهال للعمل العسكرى وفتح باب نظرى للانقلابات.. وتفضيل العمل العسكرى على المعار ضة المدنية.. وبذا يصبح من حق أى طرف رأي أنه مهدد من طرف آخر.. أن يتعجل الاستيلاء على السلطة؟ = بالقطع أفضل المعارضة المدنية، ولكن كذلك لا استطيع بشكل مطلق ان أقول لا يجوز العمل العسكرى، خاصة اذا اصبح جزءاً من المعادلة السياسية، بوجود الحركة الشعبية كحزب سياسى مسلح. ü هنالك رأى بأنكم كإسلاميين إصلاحيين طرحتم اسئلة أولية في وقت متأخر، عن مقدرة الأطروحة الاسلامية لمعالجة قضايا الواقع وعن العلاقة بين القيم السياسية و الدينية.. وهذه اسئلة طرحت من غيركم.. قبل فترات طويلة... ولكن هل كنتم فى حاجة إلى الكى بالنار حتى تصلوا للحقائق، التي وصل لها آخرون عبر النظر؟!! = هذه الاسئلة لم نطرحها مؤخراً نحن طرحناها منذ الثمانينات عبر مناقشات وكتابات في الدوريات العربية والاسلامية، صحيح ان هنالك من كان يرى بأن الإسلام هو الحل.. وبهذا الشعار فقط يريد ان يصل للحكم، عندها ستحل كل الإشكالات.. نعم فشل التجارب فى إىران وافغانستان والسودان بصورة متواترة فتح الباب أمام اسئلة جديدة. ü ألم يكن من الممكن تصور هذا الفشل قبل وقوعه؟!! = لم يكن ذلك ممكناً.. مثل التجربة الشيوعية كانت تتصور ان الغاء النظام الرأسمالى سيترتب عليه تلقائياً تحقيق العدالة.. ولكن عندما جاءت التجربة لتفشل في بلد ثم بلد أخرى، وجاءت بنتائج متشابهة أثيرت اسئلة لم تكن مثارة من قبل. ü الفرق بين التجربتين أن الشيوعية كان لها تصور نظرى للتعامل مع الواقع، بغض النظر عن صوابه أو خطئه، لكن التجارب الإسلامية سعت لإنتاج افكارها من داخل التجربة؟!! = الحركة الإسلامية عندما و صلت للحكم لم يكن ذلك وفقاً لتخطيطها، ولكن جاء ذلك نتاجاً لوجود معطيات محددة فى واقع الممارسة فرضت عليها ذلك الخيار. ü أتعجب يا دكتور كيف تقبل بأن تصل جماعة ما للسلطة عبر وسيلة عسكرية.. وتطالبها أن تبقى عبر وسائل ديمقراطية.. طريقة الوصول للسلطة تحدد وسائل البقاء؟!! = هذا ليس بالضرورة صحيحاً.. خذ مثلاً الثورة الإيرانية وعبد الناصر جاء عبر عمل عسكرى ولكن أصبحت له شعبية حتى خارج مصر.. وعبد الناصر إذا ترشح لإنتخابات ديمقراطية كان قطعاً سيفوز.. خذ آخر تجربة فى موريتانيا.. و عندنا في السودان تجربة سوار الدهب و.. ü سوار الدهب لم يأت بإنقلاب.. جاء عبر ثورة شعبية؟!! = فى نهاية الأمر هو جاء بإنقلاب ثم قرر الإستجابة للإرادة الجماهيرية. ü أنت فى مقال لك وصفت الثورة الإيرانية بالفشل وانها باقية الآن بالقمع.. كيف تعتبرها الآن نموذجاً مثالىاً؟! = إيران حدثت فيها تحولات كثيرة، الثورة جاءت بسند جماهيري، الخمينى تم إستقباله بالمطار باربعة ملايين شخص، وعندما مات شيعه ثمانية ملايين.. وهذا السند تم التعبير عنه في مرحلة خاتمي ولكن تيار الاقلية الذي تضرر من طرح خاتمى سعى لإيقاف هذا المد عبر ممارسات قمعية.. الآن النظام القائم فى إيران يعتمد علي القمع. üلكن التيار المحافظ بقيادة احمدي انجاد كسب آخر انتخابات، عبر وسيلة ديمقراطية؟!! = هذه إنتخابات فيها كثير من النظر.. الخيارات التي قدمت للجماهير لم تكن مشجعة كذلك لم تكن خيارات واسعة. ü هنالك من يرى في فشل التجارب الإسلامية تحصين للمنطقة العربية من الإستجابة لأطروحات الإسلام السياسى.. بمعنى ان هذه الأطروحات لن تكون لها جاذبية فى حال طرحها مرة أخرى؟!! = هذا طرح كارثي من وجهة نظرنا كإسلاميين التجربة الإسلامية المعاصرة أيدت «العلمنة» بجهتين أولاً هى مارست علمنة فعلية عندما قدمت مصالح السلطة وضرورات بقائها على المبادئ الشرعية، ثانياً نتائجها أصابت الإسلاميين بالاحباط كما هو حادث الآن فى السودان، أصبح من الصعب ان تذهب للشارع السودانى بشعار أنك تريد تطبيق الشريعة الإسلامية. ü وماذا عن التجربة التركية؟!! = هى نجحت فى أن أعلنت بعدها عن الإسلامية بصورتها المعروفة، وعملت عبر برنامج مرحلى سكتت فيه عن الشريعة الإسلامية. ü هل كان ذلك أجدى وأفيد للتجربة السودانية؟!! = فى وقت مبكر في السودان مبدأ تطبيق الشريعة أصبح مقبولاً سياسياً، قبل فاعلية الحركة الإسلامية فى الخمسينات. ü ماذا بقى من المشروع الإسلامى السودانى قابل للإستمرار؟!! = صمت = = ثم قال: المشروع الإسلامى السودانى تحول الى شئ محدود.. يتحدد مستقبله عبر هذا السؤال: هل بمقدور المؤتمر الوطنى أن يستمر فى السلطة أو ان يعود إليها و يواصل توابع مشروعه وهو متحالف مع الحركة الشعبية.. هنالك إحتمال ضئيل إذا استثمر المؤتمر الوطنى فترة الأربع سنوات فى عمل سياسى حقيقى بعيداً عن البلطجة والفهلوة».. الخطأ الأساسى فى تجربة الحركة الإسلامية فى السودان أنها تحتفظ بالقيادات الحقيقية بعيداً عن الضوء وتقدم قيادات لا فاقدة للمصداقية فقط بل فاقدة لاتخاذ القرار، وكان فى ذلك انقاص لأهمية المنصب العام.. الخلل المنهجى في النظام ان الجهات التى تصنع القرار هى غير الجهات الموجودة على السطح. ü من الذي يتخذ القرارات.. على حسب معرفتك؟!! = كما ذكرت فى الكتاب زمان هو السوبر تنظيم.. أو التنظيم السرى.. وهذا التنظيم له منطق يتحدث به داخلياً ولا يعلنه للجماهير. ü هل هذا التنظيم مكون من قيادات غير القيادات المعروفة للجميع الآن؟!! = يوجد فيه عدد من القيادات المعروفة ü هل هى قيادات موازية للقيادات الموجودة الآن؟! = هى لا تظهر كثيراً في المعترك السياسى، باستثناء اثنين أو ثلاثة، الآن الدكتور نافع اصبح يقدم كقيادة سياسية.. هذا شئ جديد ü ما هو الخطأ الإستراتيجي الذى وقع فيه الترابى؟!! = إحتكار القيادة.. وإلغاء الأحزاب. ü تبدو متحاملاً على نائب الرئيس الاستاذ علي عثمان؟!! = بتعجب= = قال: هل ذكرت لك هذا الأسم خلال حديثى معك ü فى مقالات لك دعيت البشير لإبعاده ؟!! = نعم كتبت ذلك ودعيت إليه.. قبل إتفاقية السلام وكانت الدعوة متعلقة بدارفور. ü لماذا حصرت الأمر على النائب فقط؟!! = هو كان المسؤول الفعلى الأول عن العمل السياسى فى ذلك الوقت بما فيه دارفور. ü هذا إنتقاء قد يشير الي موقف شخصى من الاستاذ علي عثمان؟!! = أنا.. ليس لى موقف شخصى، بل اكن له كثيراً من المودة والتقدير.. من الضرورى أن أقول بأننى لم اتلق من أى شخص من المسؤولين معاملة ليس فيها إحترام. ü تبدو ومعك عدد من الإسلاميين الذين ينشطون فى الدوائر الاكاديمية والإعلامية الغربية.. تبدو «كشهود الملك» تسجلون إفادات ضد الحركات الإسلامية؟!! = أنا فى قلب الحركة الإسلامية إذا كانت عالمية أو محلية.. نعم لنا تحركات فى دوائر صنع القرار الغربى.. فى مرة قلت للبعض أننا نجد انفسنا قادرون على التأثير على السياسة البريطانية والامريكية اكثر من قدرتنا فى التأثير على السياسة السودانية، بسبب أن فى الدوائر الغربية هنالك مجال للأخذ والرد.. لكن هنا تبدو الدوائر مغلقة.. كل ما نكتبه هدفه الأساسى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الانقاذ.. إذا سقط هذا النظام قد تحدث أعمال انتقامية ضد الاسلاميين. قد نحتاج لقول بعض الكلمات الخشنة فى سبيل ذلك . ü فى مقالات لك حاولت تبرئة سيد قطب من أن تكون كتاباته كانت مرجعية نظرية للحركات المتطرفة ولملازمة العنف نشاط حركات الإسلام السياسى.. وكنت فى ذلك ترد على تقرير الكونغرس الامريكي عن احداث 11 سبتمبر.. وترد على يوسف القرضاوى؟!! =سيد قطب لم يكن الأصل فى هذه الأفكار الأصل هو المودودى.. الذى رأي ان يبدأ الناس من حيث بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم . ü الفصالية الحادة فى كتابات سيد قطب ومفهومه للجاهلية، اوجدت المناخ النفسى لنمو تلك الحركات؟!! = صحيح هو دعا للفصالية، ولكن لا يعنى ذلك دعوة للعنف.. الرسول صلي الله عليه وسلم فى مكة إعتزل الكفار شعورياً ولكن ذلك لم يكن يعنى عدم التعامل معهم اقتصادياً واسلامياً.. أو استخدام العنف فى مو اجهتهم. ü سيد قطب كان متواطئاً فى عمل عسكرى؟!! = حتى ولو صح ذلك.. فهذا ضد نظريته.. لقد اكد لى بعض من كانوا مع سيد قطب بالسجن ان كل ما قيل كان من ترتيبات الأمن المصرى فى زمن عبد الناصر. ü ماذا اخذ الترابى من سيد قطب؟!! = لم يأخذ منه الكثير.. على حسب حديث الترابى أنه كان يرى أن يقرأ سيد قطب من أجل الشحنة الشعورية لكن لا يؤخذ من افكاره أو احكامه. ü هل ذلك ممكناً.. أن يأخذ فرد شحنة عاطفية مجردة من الافكار او التصورات؟!! = من ناحية ممكن، لان حديث سيد قطب كان حول عموميات

دليل الدول الفاشلة

المنطقة الخضراء في المنطقة الحمراء.. سعد صلاح خالص
أصدرت منظمتا صندوق السلام ومؤسسة كارنيجي للسلام العالمي الأميركيتين المستقلتين تقريرا مثيرا للاهتمام نشرته مجلة السياسة الخارجية الأميركية (فورين بوليسي) الرصينة بعنوان (دليل الدول الفاشلة)، يتناول أكثر60 دولة في العالم فشلا في مواجهة متطلبات شعوبها، معرفا الدولة الفاشلة بأنها الدولة التي لم تعد قادرة على أداء فعالياتها الأساسية مثل التعليم وإدارة الخدمات الأخرى وغير ذلك، لأسباب عدة منها العنف المتناهي أو الفقر الشديد، وتعاني من فراغ للسلطة بحيث يصبح المواطنون ضحايا للجماعات المتصارعة وللجريمة حيث قد يتطلب الأمر أحياناً تدخل الأمم المتحدة أو دول الجوار لتفادي كوارث إنسانية.. كما أن هذه (الدولة الفاشلة) عرضة في حالات كثيرة لتدخلات حكومات وجهات أجنبية، مجاورة أو غير مجاورة، لإزكاء العنف الطائفي والمذهبي والاثني والمناطقي مما يعجل بهذه الدول إلى الانهيار.. أي أنها باختصار، (دول آيلة للسقوط).. وقد وعد واضعو التقرير بأن يتم إضافة الدول الأخرى إلى الدليل تدريجياً ليشمل 191 دولة الأعضاء في الأمم المتحدة. ويستخدم (الدليل) اثني عشر مؤشراً لتقييم فشل الدول وهي:تنامي الضغط السكاني، ونزوح أعداد كبيرة من اللاجئين من الخارج أو عبر التسفير في الداخل مما يؤدي إلى حالات طوارئ إنسانية معقدة في البلاد، ووجود ميراث ثأري أو جماعات تسعى للانتقام والهوس الجماعي بالعنف، والهروب المستمر والمزمن للمواطنين من الدولة، والتنمية الاقتصادية غير العادلة بين مختلف مكونات المجتمع، والتدهور الاقتصادي الحاد، وتجريم الدولة والمناداة بعدم شرعيتها، وتنامي التدهور في الخدمات العامة، وسيادة القانون أو تطبيقه بشكل كيفي وشيوع انتهاكات حقوق الإنسان، ونشوء المؤسسة الأمنية كدولة داخل الدولة، والصراع الفئوي بين النخب السياسية والاجتماعية، والتدخل الخارجي من دول أوجهات سياسية خارجية.. وفيما يخصنا، بعيدا عن المقارنات مع العالم المتقدم والاكتفاء بالجوار العربي والإقليمي، فقد جاء ترتيب العراق فيما يسمى بالمنطقة الحمراء وهي التي تضم الدول العشرين الأكثر فشلا وعرضة للانهيار، وبالتحديد في المرتبة الرابعة قبل الأخيرة، متفوقا على السودان والكونغو الديموقراطية وساحل العاج فقط، ومتخلفا بثلاث مراتب عن اليمن واثنتين عن سيراليون وواحدة عن الصومال! وبأربع وعشرين مرتبة عن سوريا التي جاءت في المنطقة البرتقالية (التالية للحمراء) في المركز الثامن والعشرين، واثنتين وثلاثين عن لبنان ومصر اللتين جاءتا معاً في المرتبة السادسة الثلاثين، وبإحدى وأربعين مرتبة عن المملكة العربية السعودية التي جاءت في المرتبة الخامسة والأربعين ولكن في المنطقة الصفراء التالية للبرتقالية، وبخمس وأربعين مرتبة عن تركيا في المركز التاسع والأربعين، وبسبع وأربعين مرتبة عن البحرين في المرتبة الحادية والخمسين، وبثلاث وخمسين مرتبة عن إيران التي جاءت في المرتبة السابعة والخمسين. وإن اختلف البعض حول هذه المؤشرات ومدى انطباقها على الواقع، والتي في رأيي تتم بشكل حيادي وصارم إلى حد كبير، فإن نظرة إلى (العلامات) التي حصلت عليها جمهورية العراق (المتألفة واقعياً من جمهورية المنطقة الخضراء ببغداد، وجمهورية ولاية الفقيه السوداء في الجنوب وجمهورية كوردستان البيضاء المستقلة في الشمال وجمهورية البعث وقاطعي الرقاب الطالبانية في الغرب وهذا ما أغفله التقرير) قد تكون مثيرة للاهتمام، مع الأخذ بالاعتبار أن ارتفاع العلامة عامل سلبي وليس إيجابياً كون المؤشرات سلبية أساسا أي ان العلامة الكاملة (10/10) تساوي صفراً في التقييم الواقعي، مع الأخذ بالاعتبار أن هذه الأرقام مبنية على إحصائيات ومتابعات إلى نهاية عام 2004. ففي معيار التدخل الخارجي لإزكاء العنف والصراعات الداخلية وبفضل جيراننا الحريصين على مصلحتنا حصلنا على العلامة الكاملة 10/10 وبنجاح ساحق لا ينافسنا فيه سوى ساحل العاج والكونغو وهايتي وأفغانستان وليبيريا وبوروندي، كما حصلنا على العلامة الكاملة في الصراع الفئوي بين النخب السياسية والاجتماعية وهي مرتبة لم تتشرف بها سوى أفريقيا الوسطى وكينيا، ثم حققنا 9.4 في معيار نزوح أعداد كبيرة من اللاجئين من الخارج أو عبر التسفير في الداخل و8.4 في مؤشر نشوء مؤسسة أمنية بمثابة الدولة داخل الدولة، و8.2 في معيار سيادة القانون أو تطبيقه بشكل كيفي وشيوع انتهاكات حقوق الإنسان، و8.9 في تدهور الخدمات العامة، و8.7 في مؤشر التنمية غير المتوازنة، و8.3 في مؤشر وجود ميراث ثأري وجماعات تسعى للانتقام والهوس الجماعي بالعنف، و6.3 في معيار الهروب المستمر والمزمن للمواطنين من الدولة، و8.0 في مؤشر تنامي الضغط الديموغرافي (السكاني)، و8.2 في معيار التدهور الاقتصادي الحاد، و8.8 في معيار تجريم الدولة والمناداة بعدم شرعيتها.وبالطبع فإن التوسع في تفصيل هذه المؤشرات يشمل الفساد الإداري والقضائي وسوء استغلال الموارد والفساد في المؤسسة العسكرية والكثير الكثير مما لا يتسع له المجال هنا. وقد دعا واضعو التقرير العالم إلى الإسراع في مساعدة هذه الدول (الحمراء) قبل انهيارها معتبرة أن إنقاذ هذه الدول من الانهيار يمثل تحديا للولايات المتحدة وأوروبا والعالم الأغنى عموماً قبل أن تصبح أوكاراً للإرهاب. وبالطبع فإن أغلب الدول الواردة في هذا التقرير الأول من نوعه هي من ذلك النوع الشهير الذي اجتمع في الدوحة قبل أسابيع تحت عنوان دول الـ 77 ومجموعة أخرى اجتمعت في اليمن تحت عنوان المؤتمر الإسلامي قبل أيام، وقبلها في القمة العربية، متشدقة بالإصلاح الذي يجب أن يأتي من الداخل، ورفض الإصلاحات المفروضة من الخارج، وطلب إزالة الديون الخارجية، وتقديم المساعدات لها من دون قيد أو شرط. والقيد والشرط المقصود هنا هي الشروط الغربية المستحدثة لتقديم المعونات المتمثلة بضرورة اعتماد مبدأ الشفافية في التعاملات المالية ومحاربة الفساد وسوء استغلال المال العام وتقديم الدعم للبناء المؤسسي للدولة عوضاً عن البنكنوت النقدي المباشر الذي يحبه قادة تلك الدول كثيراً، وكذلك الانتقاد المستمر الموجه من الدول المانحة لأنظمة الحكم الشمولية والاستبدادية التي يمثل الفساد وسوء استغلال الوارد وانتهاك حقوق الإنسان الوجه الآخر لها. ولم يتساءل المجتمعون في هذه المؤتمرات الكثيرة القول والقليلة الفعل يوما عن كيفية الإصلاح من الداخل في أنظمة تعتبر فيها خزينة الدولة محفظة خاصة للرئيس وحاشيته وزبانيته، وكيف يمكن لرئيس يمد أنبوب نفط خاص به إلى عرض البحر ليبيعه لحسابه الخاص أن يكون قائداً للإصلاح، وكيف يمكن لدولة تنفق على السلاح الخردة أكثر مما تنفق على التعليم والصحة أن تنتصر على تحدي الفقر والبطالة والمجاعة. ومن الجميل حقاً أن نرى فناني العالم ينتفضون للدول الفقيرة ويطالبون الدول الثماني الأغنى بإلغاء جميع ديون الدول الفقيرة، إلا أن هؤلاء الحالمين لا يدركون بأن هذه الديون سرعان ما تعود للتراكم لأن الإناء لا يمكن أن ينضح بأكثر مما فيه. ومن الأفضل لهذه الدول أن تطلب من شقيقات لها خرجن من دائرة المناطق الحمراء والبرتقالية والصفراء مثل الصين وماليزيا ونمور آسيا تبادل الخبرات في مجال التنمية البشرية والصناعية والاقتصادية والاجتماعية عوضاً عن مؤتمرات الاستجداء المستنزفة لمزيد من الموارد والجهود. وعودة لجرحنا العراقي النازف وترتيبنا المتقدم جدا، من المهم أن نذكر بأن العراق سابقا لم يكن بأحسن حال مما هو عليه الآن، ففي دولة المخابرات والعائلة التي تمتلك جميع الموارد لا يمكن الحديث عن تنمية أو عن إحصائيات أو مؤشرات، فكل شيء مخفي وسري، وكل ما ينشر يصب في خانة الدعاية والإعلام للنظام، والمال العام مسخر لنزوات وشهوات الدكتاتور وحاشيته، والعنف والإقصاء سمة التعامل العام، والمجتمع بمجمله يعيش حالة مؤامرة دائمة. ولعل هذه المؤشرات تعيد للنظام الجديد في العراق بعض توازنه، فيكتشف بأنه في الألفية الثالثة لا يمكن استبدال الدولة البوليسية بدولة الميليشيات الطائفية المسلحة، وأن الخطوة الأولى على طريق التقدم وإصلاح ما أفسد الدهر هي مواجهة الحقائق بشجاعة والإجابة على الأسئلة الملحة بشفافية.. هل يسعى النظام الجديد إلى استنساخ الحالة الايرانية المتداعية أصلاً، على الأقل في أجزاء من العراق إن لم يكن في جميعها وما مدى جدية الولايات المتحدة والتحالف في دعم إنشاء أسس لنظام ديموقراطي في العراق؟ وهل ما يتحدث عنه الكورد فيدرالية اثنية أم كونفيدرالية تفرض بالأمر الواقع، وهل تمتلك النخب السياسية العراقية ما يكفي من الجرأة لمناقشة هذا الأمر بصراحة؟ وهل ينطبق تصنيف العزل الطائفي والتطهير العرقي كما تردد بعض الأخبار على ما يحدث في العراق؟ وهل يسعى العراق فعلاً لتطبيق مبدأ اقتصاد السوق وما فعل على هذا الطريق حتى الآن؟ ولماذا لا يتم الإفصاح صراحة عما يجري بين الحكومة والأميركيين من جانب والجماعات المسلحة من جانب آخر ليعرف الشعب أين يقف كل طرف من المعادلة العراقية؟ وما هي حقيقة مسلسل اغتيال الكفاءات العراقية وأساتذة الجامعة؟ وما واقع التعذيب في المعتقلات السرية، وهل صحيح ما يردده الإعلام عن مثل هذه الحوادث، وهل ذهب صدام ونظامه ليعودوا بتسميات أخرى وواجهات جديدة؟ وهل تمت معاقبة أي من ميليشيات الاعتداء على المواطنين وحرياتهم باسم الله والأئمة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟هنالك أسئلة كثيرة لا تكفي تصريحات المسؤولين الحاليين المتفائلة والمتناقضة للإجابة عنها في ظل سيادة البندقية الإرهابية من طرفين، أحدهما يحمل لواء المقاومة ويذبح الأبرياء جماعياً والآخر يحمل لواء السلطة ويذبح الناس جماعياً كذلك، عبر فرض نمط ظلامي قسري من الحياة على النساء والشباب بالقوة العمياء.. وإذ لا يستطيع أي منهما إنكار ما يحدث على أرض الواقع وتحت أعين العراقيين جميعا، فليتحدثا إلى العالم بصراحة فقد مل العراقيون مسلسلات القتل المستمرة منذ خمسين عاماً. وإن كان الجميع يتحدث عن استحالة الفتنة الطائفية أو الحرب الأهلية، فالواقع يشير إلى أن هذا الخطر داهم، ما دام القرار بأيدي قطاع الطرق والمتطرفين الذين يمتلكون الشارع على الطرفين. فالحرب الأهلية لا تحتاج إلى قرار سياسي، إذ تكفي مجموعة أحداث فردية هنا وهناك لإشعال فتيلها، ولن يرحم التاريخ من يسعى لها مهما قدم من ذرائع..عندما يعترف من هم في السلطة، ومن هم على الطرف الآخر النقيض منها، بان الخرافات والأوهام لا تخلق أوطاناً، وبأن لقمة الخبز وبعضا من هواء الحرية أهم من ثارات الأجداد، وبأن السلطة وسيلة وليست غاية، وأن الديموقراطية تحمي الجميع من تجاوزات الجميع، وبأن العراق وشعبه يستحقون أكثر بكثير من الخيارات المرة التي تواجهه بين دولة العمامة العمياء، أو دولة قاطعي الرقاب، أو دولة الاستبداد البوليسي الجنوني، أو دولة اللا دولة، عندئذ فقط يمكننا الحديث عن إصلاح أو تقدم أو بناء دولة غير (فاشلة) خارج الخانات الحمراء والبرتقالية والصفراء

نعم لهذا الاقتراح محمد موسى جبارة

حتى لا نشتجر على خرقةٍ بالية
نعم لهذا الاقتراح
محمد موسى جبارة
أجد نفسي متفقاً تماماً مع ما جاء في اقتراح حركة العدل والمساواة بتقسيم السودان إلى 6 أقاليم بدل الست وعشرين ولاية الحالية، ومتضامناً مع اقتراحهم بأن تكون الرئاسة دورية يتعاقب عليها حكام الأقاليم الستة، كما تجدني أتفق معهم أيضاً على تغيير أسم جمهورية السودان إلى جمهورية السودان الفيدرالية...
ويأتي اتفاقي مع حركة العدل والمساواة في هذه المسألة، لا لسبب آخر سوى أنني ناديت بهذا الأقتراح، مع فارق بسيط في التفاصيل، قبل أن تظهر الحركات المسلحة في دار فور إلى حيز الوجود... ولقناعة شخصية بأن هذا هو الطريق الأمثل للخروج من الحلقة الشريرة التي تحدث عنها الأستاذ محمد ابرهيم نقد، وليقيني بأن المخرج من سيطرة الطائفة على السياسة لن يكون إلا بإبداع وسيلة جديدة لحكم السودان تنهي الهيمنة التي لم تكسبنا سوى الجهجهة...
بتاريخ 23 مايو 2000 وفي مقال نشرته جريدة الخرطوم الصادرة في القاهرة وقتذاك، تعرضت لهذا التقسيم بتفصيل أكثر تحت العنوان الوارد ادناه وهو عنوان لكتاب سيصدر قريباً، فأرجو أن استميح القارئ عذراً بإعادة نشره، لعلمي بأن كثيرين لم يتسنى لهم الإطلاع عليه في حينه، ولإثراء النقاش الدائر اليوم في ابوجا وفي أماكن أخرى من السودان والعالم حتى نفتح أعين الآخرين على آفاق لم تُطرق من قبل لحل المشكل السوداني بكامله، وحتى نتخطى إزدواجية نيافاشا "شمال مقابل جنوب" التي قد تقود في نهاية المطاف إلى تقسيم البلاد، وهو أمر لا أعتقد بأن بعض السياسيين يدركون خطره...وفيما يلي المقال المذكور دون أي حذف لما ورد فيه من آراء
حتى لا نشتجر على خرقـةٍ بالـية
أحقاً قتلنا طائر النورس فتُهنا في اللُجّة كالمـلّاح القديم ؟
يستمر الجدل سجالاً بين الصفوة السياسية حول أزمة السياسة والحكم في السودن ... ويذهبون في ذلك مذاهب شتى ... فمن قائل منهم بإن الأزمة تكمن في طبيعة تكوين أحزابنا السياسية، ومنهم من رمى باللوم على المؤسسة العسكرية التي ظلت تتوالى على السلطة مع تلك الأحزاب، ومنهم من يذهب إلى القول بإن مساحة السودان الجغرافية وتنوع سكانه العرقي والإثني والديني هي من بين العوامل الرئيسية في ذلك، وإن الحرب المستعرة في جنوب البلاد والتي أمتد إوارها ليشمل جنوبه الشرقي وجنوبه الغربي بل وفي وسطه، هي من إفرازات هذا التنوع والإختلاف...وينعون عليها إنهيار الحكم الديمقراطي...
غير أن عدد غير قليل يعتقد بأن الوسيلة المتّبعة في حكم السودان ديمقراطياً، كانت السبب الرئيسي في التقلبات السياسية التي شهدتها البلاد في الخمسين سنة الماضية، وإن الديمقراطية البرلمانية هي التي أودت بنا إلى مهاوي التهلكة بعدم ثباتها وبسبب تنازع الولاء داخل السلطة التنفيذية التي عادة ما تتشكل من حزبي الأمة والإتحادي الديمقراطي... وتمضي السنون ثقالا وتقارب الإنقاذ عامها الحادي عشر دون أن يلوح في الأفق شيئ جديد... تختزل في داخلها الأزمة وتتشرنق في إنتظار صبح لمّا يسفر بعد ...
وبمقاييس الزمن الحديث، يعني هذا إهدارنا لمائة عام من التنمية المستدامة ... فقد اختصرت التقنية المحدثة الزمان كاختصارها للمكان...
والعالم يمضي في سياقه الموضوعي وفي إتساقٍ مع نفسه...ثورة معلومات، وهندسة جينات واكتشاف للغونوم...لكننا ما زلنا نناطح طواحين الهواء...نتجادل كأهل بيزنطة تحت شجرة هجليج وظل من يحموم...دين ودولة أم دين بالدولة ... مقررات أسمرا أم إتفاق جيبوتي...مبادرة الإيقاد أم لقاء الإسياد...المنشية أم القصر بالردمية...الشيخ أم الحوار الغلب الشيخ؟..
وبين هذه وتلك تزهق أرواح وتُهدر مهج وتثكل نساء وتضيع أعوام من التنمية المستدامة ويصبح الوطن هباءاً منثورأ... وفي عصر العولمة نظل نحن مثقفو الشتات المستعصمون بالغربة، نستهلك منها ما يرضي غرورنا... نتدثر من بيير كاردان وننتعل من باليه ونتعطر بباكو رابان وننظر بعيون لاكوست ... نتمعصم بالرولكس ونتمطي المرسيدس...
نتخصر نساء الفرنجة ونرشف رحيق البوردو ونستهل طعامنا بالكافيار الذهبي في مطعم ماكسيم... ومن علٍ ننظر إلى السودان كأنه بلدٌ لإناس آخرين...نرميه من بعد بنظرة عطف وبضع دريهمات ندسها في جيب الأهل علها تقي الأود وتفي بالوعد، وهذا كل ما لدينا من إيمان...وغداً يوم آخر...
أحقاً غادر الشعراء من متردم...أم أن بيزنطة ما تزال في خدر الجدال؟... في مقال سابق في صحيفة الخرطوم، ذكرت إن هذا النظام أوهن من بيت العنكبوت...وورد في ذلك المقال أيضاً أن الأيام ستكشف كم كان أهل المعارضة في سذاجة من أمرهم عندما ظنوا أنهم يواجهون نظاماً بالغ التعقيد... ويبدو أن الأيام لم تخذلني طويلاً لإثبات صحة ما ورد في ذلك المقال... في تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان، قال الإمام النيسابوري في شرحه لقوله تعالى، "وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت"، بأنه لا يصلح للبقاء ولا للإستدفاء ولا للإستظلال ولا للإستكنان... وأذكر أنني في النصف الثاني من ثمانينات القرن المنصرم، ذكرت لصديق في الجبهة الإسلامية بإن جبهتهم تلك سوف تنقسم في نهاية المطاف إلى الذين يملكون والذين لا يملكون... لم يرضى الرجل قولي وظنّ أني ما زلت في ضلاليّ القديم، وجادلني قائلاً : "إن الذي يجمع بيننا عروة وثقى لا إنفصام لها بإذن الله" صديقي هذا كان من بين الذين يملكون..إذ كان من الذين يستنير برأيهم الأمير محمد الفيصل في بعض الأمور... كان تقييمي ذلك مبني على روؤيتي لبعض قادة ورموز الجبهة الإسلامية يتهافتون على أموال المسلمين المودعة بدار المال الإسلامي تهافت الضباع على جيفة... لم يردعهم عن ذلك قول المصطفى، الذي يشتجرون بإسمه ما بين القصر والمنشية، بأن الدنيا جيفة وطلابها كلاب... لم يدر بخلدي وقتها بأن الجبهة الإسلامية ستقفز فوق المراحل وتستلم السلطة بالقوة العسكرية...فقد كنت أثق في ذكاء بعضهم ومقدرته على الإستفادة من تجارب الآخرين... كان بإمكانهم تمرير كل السياسات التي يريدونها عن طريق الحزبين الكبيرين، ودون أن يحرقوا أنفسهم كالفراشات الحمقى بنار السلطة... كانت أموالهم كفيلة بشراء كل الذمم وأكبر اللحي في المؤسسة السياسية والعسكرية ومؤسسات المجتمع المدني... وكان في مقدورهم مسك الزعامات الدينية من تلابيبها بالمزايدة عليها بشرع الله... لكنهم آثروا مغامرة الإنفراد بالسلطة... ورغم تمثلهم لخطى الحزب الشيوعي السوداني في كل شيئ حتى لأن دخل جحر ضبٍ دخلوا خلفه، إلا أنهم لم يعتبروا بتجربته الثرة... تلهفهم للسلطة أعماهم عن تجربة كانت ماثلة للعيان وقتها في أوروبا...تجربة الحزب الشيوعي الإيطالي والحزب الشيوعي الفرنسي اللذين تمكنا من فرض رؤيتهما ومفاهيمهما على السلطات الحاكمة في كلا البلدين دون أن يجلسا على مقاعد الحكم... عمى البصيرة قادهم إلى هذا الموقف الذي لا يحسدهم عليه أحد...أغراهم المال بطلب السلطة والجاه وفعلوا ما فعلوا في الثلاثين من يونيو من عام 1989 ... عندها فقط إكتشفوا أنه ليس هناك مشروع يطبق، وأن الكعكة لم تكن بذلك الحجم الذي ظنوا أنه سيكفي الأنصار والحواريين والمؤلفة قلوبهم وابناء السبيل... كان أكثر الناس إستفادة من النظام، أكثرهم صياحا وعلو صوت : "لا للسلطة لا للجاه ..هي لله هي لله"... قامت بيوت لم يذكر فيها أسم الله، بل كان في أروقتها يتداول الدولار والدرهم والدينار...وانفصمت العروة الوثقى إلى أناس يضربون في الأرض بحثاً عن أفضل الأماكن لإيداع الأموال المنهوبة، وآخرين ضربوا "الوغش" واحراش السفانا طلباً للجنة ونكاح الحور... المشروع الحضاري كان مشروعاً عشوائياً لا تسنده دراسة جدوى ... كان في بعض جوانبه يلبي طموحاً شخصياً لشيخ حسن الترابي في عولمة نفسه بإقامة نموذج حكم أسلامي يتم تعميمه فيما بعد على البلدان الإسلامية... وحتى يتجنب إنتقاد البعض أو منافسته له، فقد أزاح الشيخ القيادة التاريخية للجبهة الإسلامية وأستعان بجيل يصغره بعشرين عاماً... وبما أن شيخ حسن كان صاحب فكرة المشروع، فقد كان هو أيضاً المرجع في كل ما يتعلق بالتنفيذ... كان الرئيس والوزير والوكيل والسفير ومسئول الجهاز الأمني يرجعون إليه في كل كبيرة وصغيرة، حتى لو كان الأمر يتعلق بتغيير حركة السير في إحدى شوارع الخرطوم... لذا لم يكن مستغرباً أن يراه البعض يوماً على التلفاز سائراً على قدميه مفتتحاً جسراً يربط الخرطوم بالفتيحاب...وهو شأن كان يجب أن يقوم به وزير الطرق والإسكان الولائي أو والي الخرطوم في أرفع الحالات، لا أن يكون إنجازاً لمشروع حضاري أُريد له أن يعم البشرية جمعاء... رغم ذلك ضاق الشيخ ذرعاً بتردد المسئولين على المنشية طلباً للمشورة وأعتبره دليل غباء ... فصار يسمعهم نعوتاً تأّبت لها أذانهم، وبعضهم يحمل درجات علمية رفيعة ... دكتور وبروفسير ... إلا أن معظمهم كان سعيداً بالجلوس عند قدمي الشيخ كحيران الخلوة... قال أحدهم وكان وزيراً للخارجية، إنه في طريقه للخارج لا بد من أن يمر بالمنشية للإستزادة بنصائح الشيخ، وفي عودته إلى الخرطوم تكون المنشية أول مكانٍ يغشاه قبل أن يعود قافلاً إلى منزله... البشير قال إن الترابي كان يقلل من شأنه ويسخر منه... والحقيقة أنه كان يوبخه في كل مرة لا ينجز عملاً بالصورة التي يرجوها الشيخ أو عندما يهدد بالإستقالة كلما أحتدم النقاش داخل أروقة الحكم... المجموعة التي كانت وراء عملية محاولة إغتيال الرئيس مبارك، سمعت من القول ما لم يرد على لسان مالك في الخمر...وبإشارة واحدة من الشيخ فقدوا جميعهم مواقعهم التي كانوا يتنفذون بها على المجتمع...لذا نراهم اليوم أشد الناس عداوة وحرباً عليه... كظموا غيظمهم ونفثوه زعافاً في مذكرة العشرة...وكان ذلك شرخاً كالأخدود لا يلأمه إلا صدع آخر... الشيخ يئس من قدرات حوارييه على تنفيذ مشروعه الحضاري، وصُدم بتطاولهم عليه بمذكرتهم تلك، وهو الذي رعاهم منذ أن كانوا إيفاعاً يلعبون في الحواري، وجعل لهم ألقاباً ومناصب وطاولهم في البنيان...بل أختار لبعضهم زيجات محسوبة تمكنهم من التغلغل في المفاصل العليا للمجتمع... وظلم ذوي القربى أشد على النفس من وقع الحسام المهند... كظم غيظه هو الآخر وطوى في نفسه شيئاً...أن يعيد تنفيذ مشروعه الحضاري بمقاول من الباطن...فكان لقاؤه المحضور مع الصادق المهدي في جنيف... اللقاء كان بصدد التخلص من طاقم الإنقاذ إلا من رحم ربي، ومن ثمّ الإستعانة بالصادق المهدي في عملية الإحلال تلك...ولهذا السبب قال شيخ حسن : "ما تمّ الإتفاق عليه في جنيف أوسع بكثير من الذي أتُفق عليه في جيبوتي...فالذي أتُفق عليه في جنيف بعضه خاص... المجالس أمانات"... الشيخ كان صادقاً فيما رمى إليه، غير أن الصادق المهدي استرابه الأمر... لم يتسع زوره لإبتلاع تلك اللقمة الكبيرة غير السائغة...فساقته الريبة إلى جيبوتي لإستجلاء الأمر من الطرف المغاير دون الإهتمام كثيراً بصراع المتناقضات... في ذلك اللقاء علم البشير بنوايا الترابي وما يضمره له ولمجموعته من شر، فأنقلب عليه في الرابع من رمضان إنقلاباً أرضى الجيران ولم يحدث تغييراً في التركيبة السياسية للإنقاذ .. أستمر في نفس الخطاب السياسي الإسلامي، مزايداً بمشروع حضاري لم يكن له يد في توليفه وما كانت له المقدرة على تنفيذه، أحبط مشاعر الذين تعاطفوا معه من أبناء الشعب السوداني الذين يرون الشر كل الشر في حسن الترابي وينسون أداة تنفيذ ذلك الشر... لم يعاقب الحق عزَّ وجلَّ إبليس وحده، بل طال العقاب آدم وزوجه فهبطا من الجنة في معية إبليس... وبإستمراره في نهجه الإسلامي، خذل البشير جيرانه الذين شدّوا من أزره، كما خذل نفسه، لأنه لا يمكن أن يكون إسلاميا أكثر من الترابي... وبالرغم من كل التأويلات التي يتناقلها البعض من هنا وهناك، إلا أن الشئ الذي لا تخطئه العين هو أن أهل الإنقاذ قد رفعوا الرايةالبيضاء وقالوا "الرووب".... إنهم لا يشتجرون حالياً على السلطة، أنهم يصطرعون حول الفرار بالغنيمة... لصوص دخلوا منزلاً بليل وأهله نيام...نهبوا ممتلكاته وحزموا الأمتعة، لكنهم ضلوا طريقهم للخروج فصاحوا : "الحرامــي" حتى يدلهم أهل المنزل على مخرج... لكننا كنا في سبات أهل الكهف...نستيقظ لا لنقبض على من سرقنا، بل لنبدأ جدالاً من جديد... أحد زعمائنا ومنظرينا السياسيين إلتقيته مؤخراً في جنيف... سعيت لملاقته عساني آتي منه بقبس أو أجد لديه هدى... لم يصبني إحباط في حياتي كالذي عانيته عندما خرجت من عنده في ذلك المساء... لا شئ في الأفق يبشر بخير، ولا رؤية واضحة للأشياء، وكل شئ بيد الغير... أحسست بأنني أمام مخلوق قادم لتوه من المريخ رغم علمي بأنه هلالابي... نعجز عن تشخيص وعلاج أزمة قابضة بخناقنا وباينة للعيان ويريد كل منا أن يكون رئيساً لحزب أو مسئولاً عن وزارة، دون أن يخبرنا بماذا يريد أن يفعل بذلك الحزب أو بتلك الوزارة... إنه لإول مرة منذ كتشنر يحتاج السودان إلى تدخل خارجي ليعيد الأمور إلى نصابها... تصطرع المبادرات حولنا وكأنها أمر لا يهمنا... مبادرة الإيقاد، والمبادرة الليبية، ثم المصرية الليبية، وربما مبادرة عيديد الأبن لحل المشكل السوداني...كل شئ جائز في هذا الزمن المأزوم... أما آن لنا أن نعيد قراءة تاريخنا السياسي الحديث؟ هل كان الإستقلال حقاً إرادة وجهداً سودانياً أم رغبة بريطانية؟ هل كان الرجال الذين صنعوا الإستقلال يعملون بإرادة ذاتية أم بإيعاز خارجي؟ من الذي أوحي للذين ذهبوا إلى نيويورك أن يذهبوا إليها في ذلك الوقت من عام 1946؟ من سهّل لهم الأمر وأدخلهم في دهاليز وأروقة الأمم المتحدة بينما كان البريطانيون يذبحون الماوماو كالشياه في كينيا المجاورة؟ هل كان إعلان الإستقلال من داخل البرلمان نتاج عبقرية سودانية أم عملاً تحريضياً من الحاكم العام أسّر به لبعض زعمائنا السياسيين؟ عجزنا الحالي عن مواجهة مشاكلنا جعلنا نشك في كل شئٍ أنجزه أباؤنا... ومع ذلك يخرج علينا البعض بكتاب أسود، أحلك ما فيه أن كاتبيه تدثروا بالعتمة... وهذا أصل المأساة...الخوف من تسمية الأشياء باسمائها والتحدث من خلف الحجاب...رغم أن "البرقص ما بغطي دقنه"... لقد أطلقوا عياراً في الظلام فاخطأ الهدف وأصاب قوماً بجهالة... مشكلة السودان ليست في أبناء الشمال النيلي كما يدّعي الكتاب...إنها مشكلة إدارة management ...إدارة موارد وبشر وعلاقات دولية...وذلك لعمري علمٌ يُدرّس في الجامعات والمعاهد العليا وليس له علاقة بالجهوية... وسوء الإدارة يمكن أن يتمتع به أبناء الشمال النيلي كغيرهم من أبناء المناطق الأخرى الذين نالوا نفس المستوى من التعليم والدرِبة...ويبقى من المنطقي أن نسأل، ماذا فعل أبناء المناطق المهمشة بمناطقهم عندما تولوا أمر إدارتها تحت كل العهود؟... ماذا فعل جوزيف لاقو وأبيل الير وجوزيف طنبرة لتنمية الجنوب ونهضته؟... ألم يكن دريج حاكماً لدارفور كما كان الفاتح بشارة ومحمود حسيب والطيب المرضي حكاماً لكردفان؟ وكان شاش حاكماً للبحر الأحمر؟... لماذا ترفعوا عن العيش بين عشائرهم وأهلهم حيث القرب من إحساسهم ونبضهم، وجاءوا ليبتنوا لهم بيوتاً في الخرطوم وليس الفاشر أو الأبيض أو كادوقلي أوجوبا أو كسلا؟ ومع تسليمنا التام بحق المواطن السوداني في أن يعيش حيث شاء في المليون ميل مربع، إلا أن "الذي ينشد الإنصاف عليه أن يأتي بأيادٍ نظيفة" (he who comes to equity must come with clean hands)...أو هكذا علِمنا من Lord Denning أحد دهاقنة القانون الإنجليزي... نقول مرة أخرى إنه في عصر العولمة وبداية إضمحلال الدولة القومية وتمدد الشركات متعددة الجنسيات، لم يعد هناك من عذرٍ لإحد في إدعاء المسكنة والتهميش ... حيث أصبح في مقدور كل الناس الإستفادة من مدخلات العولمة من إستثمار مباشر وعلاقات دولية مفتوحة... يجب أن يسعى كل فردٍٍ لتنمية موطنه من موقعه الذي هو فيه، سواءاً كان في السلطة أو خارجها لإن ذلك هو السبيل الوحيد المتاح في ظروفنا الحالية...ويجب أن يرجع كلٌ إلى موطنه ويسعى لتنميته وإستخراج خيراته والإستفادة منها بما أتيح له من علم ومعرفة وعلاقات دولية... وما أكثر أبناء المناطق المهمشة الذين يلقون عطفاً من المجتمع الدولي ومن المنظمات الطوعية والشركات العالمية... علينا أن نتوقف عن رمي اللوم على الغير...فما العيب إلا فينا، وإن لم نعالجه سنظل ندور كثور الساقية دون أن نرفع ماءاً من الجابية... فليبدأ الذين أصدروا الكتاب الأسود بالعمل على مستوى الإستثمار الفردي، فالمسألة ليست مناصب كما حاول أن يختصرها الكتاب، إنها مسالة الإستغلال الأمثل للموارد البشرية للأقليم المهمش حتى ينهض به أبناؤه...وبينهم أناس في كل الأحزاب وطوائف السودان السياسية، ومنهم أكبر قوة منظمة داخل هذا النظام، لم تفعل شيئاً سوى الجلوس في المكاتب الوثيرة في الخرطوم او بناء منزل للوالي في كردفان أو نهب أموال طريق الإنقاذ الغربي... الكل يريد أن يعيش في الخرطوم وينعي لإهله تخلف منطقته...فلإن ذهب أهل النيل الشمالي للإستثمار في خيرات المناطق المهمشة، فذلك لأن ابناء تلك المناطق تركوها ولم يلتفتوا لها حتى عندما أصبح بعضهم يحسب أمواله بالملايين من العملات الحقيقية لا من ورق السودان المهترئ... ونسأل مرة أخرى : ماذا فعل أغنى أغنياء السودان القادم من دار فور بثروته الكبيرة؟ ألم يجد أبن السودان البار ما يستثمر فيه أمواله في غرب السودان؟ لماذا أنشأ جار النبي مصفاة بتروله على بعد عدة أمتار من مصفاة أخرى كبيرة ولم يبنها في الأبيض أو الفاشر؟ أو ليست تلك مواقع إنتاج وإستهلاك أيضاً؟ وهل أخطأ أبناء الشمال النيلي عندما أقاموا مسلخاً حديثاً في دار فور لتصدير اللحوم للخارج وليقوم بتشغيل مئات الأيادي العاملة وإدخال التقنية والحداثة إلى تلك المنطقة وخلق سوق كبير للماشية؟ ألم يكن ذلك من أوجب واجبات آدم يعقوب هارون نحو منطقته؟ لقد رفض أبناء غرب السودان بصفة خاصة الإنتماء لقوى الحداثة وأختاروا قوى الهيمنة وتكريس التخلف ودعموها بقوة، فما الذي ينتظرونه سوى إزدياد التخلف والتهميش؟ وعندما ينتمي معظم متعلمي دار فور وكردفان إلى الجبهة الإسلامية، فما الذي يتوقعونه سوى الشعارات التي لا تسمن ولا تغني من جوع؟ فإن كان أكثر الشهداء من دار فور وكردفان كما ذكر الكتاب الأسود، فذلك لأنهم كانو من أكثر المنتمين للجبهة الإسلامية ومشروعها الظلامي وأكثر المنخرطين في الدفاع الشعبي وأكثرهم حماساً في مقاتلة قوى هي أيضاً مثلهم مهمشة وتسعى لأخذ حقها عنوة من الثروة والسلطة...وما أختلفوا معها إلا لأنها ترفع شعار الحداثة، وهذا هو عين التناقض... فليحرر الناس أنفسهم أولاً من ربق القوى التي تسومهم كالهوام، ولن تكن لهم بعد ذلك مشكلة مع أبناء النيل الشمالي... فهم كانوا وما زالوا ناقلي علم ومعرفة وحداثة وتنمية...ينشدون الحرية والعدل والإستواء لهم ولغيرهم...تعرفهم المشانق والسجون ورصاصات العسكر...عبد الخالق والشفيع والأستاذ...بعضٌ من قوى الحداثة التي يرفض البعض الإنتماء إليها... دخلوا فقراء على الدنيا... وكما دخلوا، منها خرجوا... حملوا قضايا الشعب في حدقات عيونهم وأغمضوها عليها وهاماتهم تنسدل من حبال مشانقٍ نصبها جلاد جاهل لا يخيفه شئٌ أكثر من العلم... ولإن حصص الحق، فإنّ نظام الإنقاذ ليس هو الأزمة، بل هو أحد أعراض الأزمة a symptom ... الأزمة تكمن فينا نحن الذين ظللنا نشاهد السيرك السياسي الذي يدور منذ وقت في الخرطوم دون أن تكون لنا القدرة على إيقافه... ماذا حدث لإمتنا ونُخبها السياسية؟ أين تلك الأمجاد والبطولات التي نتغنى بها؟ أحقاً قتلنا طائر النورس فتُهنا في اللُّجة كالملاح القديم؟...وهل نعدو الحقيقة إذا قلنا إن حزب الطبقة العاملة كان دليل الأداء السياسي في مثل هذه الظروف؟... ورغم كل شيئ جاء رجلٌ من أقصى المدينة يسعى، قال يا قوم خذوا عني هذا الحديث، فأن لم يوافق هواكم أقذفوه في اليم يأخذه عدوٌ لي وعدوٌ لكم ويفرضه على الكل بصواريخ توماهوك...وإن لم تدركوا المسألة فهي كما يلي : ظاهر الأزمة : *محاولة فرض رؤية آحادية لحزب سياسي عقائدي على بقية المجتمع بالقهر العسكري والمعنوي... *رفض عناصر المجتمع الأخرى لتلك الرؤية ومحاربتها بالوسائل السياسية والعسكرية... عناصر الأزمة : *الجبهة الإسلامية الحاكمة *الحركة الشعبية لتحرير السودان *الأحزاب الشمالية وتنظيماتها العسكرية نتاج الأزمة : *قهر وكبت سياسي قاد إلى إقامة دولة بوليسية شمولية لا تتورع عن القيام بإي عمل يؤدي إلى إستمراريتها *فرض الرؤية الآحادية (الإسلام السياسي) أدى إلى تفاقم العمل العسكري في جنوب البلاد وغربها وشرقها *بدورها أدت الحرب إلى وقف التنمية وتردي الحالة المعيشية للمواطنين وقتل وموت الكثيرين منهم ونزوح ما تبقى إلى شمال القطر أو إلى خارجه... *أسلمة الحرب قادت إلى إنفراط عقد الثقة والمواطنة بين الشمال والجنوب وأدت إلى المطالبة بحق تقرير المصير لجنوب السودان... اسباب إستمرارية الأزمة : *عدم مقدرة الفئة الحاكمة على فرض أجندتها السياسية التي كانت مجرد شعارات سقطت عند التجريب... *مقاومة محاولة الفرض تلك وتأليب المجتمع الدولي على السلطة الإسلامية عندما حاولت تخطي حدودها الجغراقية ونشر إيدولوجيتها السياسية إلى المنطقة، الأمر الذي قاد إلى تخطي حدود حمر لآخرين وتهديد مصالح حيوية لدولٍ عظمى... *عدم مقدرة أي من طرفى النزاع على حسمه عسكرياً *ضعف الأداء السياسي للأحزاب الشمالية وعدم قدرتها على تفعيل عناصر المجتمع المدني وتحريكه لإحداث إنتفاضة شعبية أو عصيان مدني يقود إلى تغيير النظام *إنعدام الرؤية الواضحة للبديل الذي يمكن أن يحقق السلام والإستقرار والتنمية... الحـل : -إستبدال النظام الحاكم في الخرطوم بوسيلة حكم فعالة تقود إلى الآتي : إيجاد تسوية دائمة لمشكلة جنوب السودان (فيدرالية-كونفيدرالية-إنفصال)... تحديد الوسيلة المثلى لحكم السودان في ظل إي من الحالات المذكورة لتسوية مشكلة الجنوب... فيدرالية خماسية هي الخيار الامثل بحيث تتشكل على النحو الآتي : أقليم جنوبي ويضم المديريات الجنوبية حسب الترسيم الجغرافي لسنة 1956 إقليم غربي ويضم مديريتي دار فور وكردفان إقليم شرقي ويضم مديرية كسلا سابقاً د - إقليم أوسط ويضم مديرية الخرطوم والنيل الأزرق سابقاً ه - إقليم شمالي ويشمل المديرية الشمالية سابقاً. 4-يُحكم كل إقليم بواسطة حكومة إقليمية منتخبة يتولى رئاستها حاكم إقليمي منتخب كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية. 5 –حُكم جمهوري رئاسي على الطريقة الأمريكية 6 –يترشح لدورة رئاسية واحدة مرشحون من إقليم واحد بحيث يتاح لكل إقليم أن يتولى أحد أبناءه رئاسة الجمهورية... 7 –يقترع على مرشحي الإقليم الذي تكون له نوبة الرئاسة، كل أفراد الشعب السوداني الذين يحق لهم الإقتراع، ولا يقتصر التصويت على مواطني الإقليم المعني فقط...كما لا يحق للإقليم أن يقدم مرشحاً واحداً ليتم إنتخابه دون منافس من نفس الإقليم.. 8 – على رئيس الجمهورية المنتخب من إقليم بعينه إختيار مساعديه بنسب متساوية من الأقاليم الأخرى... 9 – لبناء الثقة بين الجنوب والشمال، يستحسن أن تكون النوبة الرئاسية الأولى لأحد أبناء الإقليم الجنوبي بحيث يترشح أكثر من شخص من ذلك الإقليم ويقترع عليهم كل من يحق له التصويت من أبناء الشعب السوداني...ويتوالي من ثم الترشيح من اقاليم الأخرى للنوبات الرئاسية اللاحقة... 10- تكون الدورة الرئاسية لخمس سنوات فقط ولا يجوز إعادة إنتخاب الرئيس لدورة رئاسية تالية... 11- يتولى السلطة التشريعية على النطاق القومي مجلس نواب ومجلس أقاليم...وبينما يكون عدد ممثلي الأقاليم متساوياً، يتم تحديد الدوائر الجغرافية لمجلس النواب وفق الكثافة السكانية... 12 – يحدد الدستور السلطات التشريعية وسلطات رئيس الجمهورية وحكام الأقاليم بالقدر الذي يؤدي إلى أن يتولى كل أقليم حكم نفسه بنفسه وتحديد أولوياته التنموية وفقاً لخطة قومية شاملة... وسيلة التغيير : الضغط السياسي الداخلي والخارجي ووقف المبادرات التي قد تقود إلى إفلات النظام من ذلك الضغط بالمراوغة والعزف على أوتار كل المبادرات... الدعوة لمؤتمر قومي جامع يقود إلى إقرار الحلول المقترحة ووضعها موضع التنفيذ... تحديد إطار زمني لإحداث التغير