Saturday, May 27, 2006

ليسوا اخواناً وليسوا مسلمين 5

مسارب الضي
ليسوا اخواناً وليسوا مسلمين:5-5
الحاج وراق
فقدان بوصلة سياسية أم غياب نور الحكمة؟
- الإيمان قيد الفتك -- حديث شريف..
ان الاغتيال باسم السماء كان وسيظل دوماً لعبة من ألعاب السياسة. ! فولتير
ذكرت في الحلقات السابقة بأن ادعاء حركة سياسية ما بأنها حزب الله، لا ينهض في حد ذاته دليلاً على انها حقاً مع الله، أو أن الله تعالى معها، ومن ثم، تطرح ضرورة مساءلة أخلاقية الممارسة السياسية لأية حركة، بما في ذلك أدعياء تمثيل الله في الارض ـ مساءلة أخلاقية ممارستها، من زاويتين، من حيث تمثلها للقيم الاسلامية، ومن حيث نتائج ممارستها ومترتباتها وثمارها على الأرض، أي على المجتمع والناس الواقعيين.
ولا يمكن معافاة الحياة السياسية في بلادنا، وفي المنطقة عموماً، دون مناقشة وحسم قضية الى أي حد تجيز القيم الاسلامية الاغتيالات السياسية.وبحسب شهادة د.الترابي، فإن عدداً من المسؤولين الحكوميين الحاليين قد تورطوا في محاولة اغتيال الرئيس مبارك، فإذا تجاوزنا قضية نقض العهد، وأعني ميثاق الامم المتحدة الذي يجرم مثل هذا الافعال بين الدول، فهل يجوز لهم ذلك، من حيث المبدأ؟!
وهل يجوز للاسلاميين المصريين، الذين لا يقيدهم عهد الامم المتحدة، والذين شكلوا اداة التنفيذ الاساسية في تلك المحاولة، هل تجوز لهم ممارسة الاغتيالات ؟!
ورغم أني لم أجد تأسيساً معلناً للاسلاميين السودانيين يبرر الاغتيالات السياسية، الا ان ممارستهم العملية، كالتورط في محاولة اغتيال الرئيس مبارك، تشير بأنه ربما تكون لديهم مثل هذه (الفتوى)!
وقد كفانا الاسلاميون المصريون عناء التكهنات، فقد نشر أحد قيادات الجهاز السري (العسكري الامني) للاخوان المسلمين (محمود الصباغ)، مذكراته في عام 1989م وقدم لها المرشد العام للاخوان حينها، وقد ورد فيها، كأسس فكرية وفقهية للتنظيم السري:
يجوز اغتيال المشرك الذي بلغته الدعوة، وأصر على العداء والتحريض على حرب المسلمين.
يجوز اغتيال من أعان على قتال المسلمين سواء بيده او بماله او بلسانه.
يجوز التجسس على اهل الحرب.
يجوز ايهام القول (الخداع والكذب!) للمصلحة
يجوز الحكم بالدليل والعلامة للاستدلال.)
والخطورة في مثل هذه المنطلقات الفكرية الفقهية، انها لا تجيز اغتيال المخالف في العقيدة الدينية وحسب، وانما كذلك، تفتح بابا واسعا للتأويل والترخص في الفتك بالآخرين، حيث تنص على جواز (الحكم بالدليل والعلامة للاستدلال)! وليس ذلك وحده، وانما الاخطر، ان هذه الجماعات، ولأنها تعتقد بأنها الممثل الحصري للاسلام، فإن اي مسلم آخر، خارج صفوفها، بما في ذلك عضو الجماعات الاخرى المنافسة، ربما تنطبق عليه ذات احكام المشرك ـ أي احكام الاغتيال والتجسس والخداع! وغني عن القول إن مثل هذا التأويل الفاسد للاسلام ينتهي بالمسلمين الى طاحونة دم تدور الى ما لا نهاية! وذلك ما تشير اليه سواء تجربة الاسلاميين المصريين او التجربة السودانية!ولكن، وبغض النظر عن الثمار المرة للممارسة، فإلى أي حد تسعف القيم الاسلامية مثل هذا الترخص للخوض في دماء الناس؟!
للاجابة على هذا السؤال، سأحاول ان استكشف، مستنداً على النصوص الاسلامية، تصوراً عاماً عن الوسائل الصحيحة للتغيير، والى أي حد تتطابق هذه الوسائل مع ممارسة الاغتيالات السياسية، ومن ثم، مناقشة موقف هذه النصوص تحديداً من الاغتيالات.
تشير أدبيات التنمية المعاصرة الى أن أهم مدخل للتغيير، بل العامل الحاسم فيه، تغيير القيم السائدة في المجتمع المعني، وأُصطلِحَ على تسمية هذا (العامل) برأس المال الرمزي ـ أي القيم السائدة في المجتمع زائداً علاقتها بالنظام السياسي والمجتمع المدني، وقد اتضح بناءً على دراسة العديد من التجارب، بأنه دون تغيير الثقافة السائدة، فإن أية تغييرات أخرى، سواء سياسية، أو اقتصادية، أو قانونية، ستكون غير كافية، أو شائهة، أو قابلة للنكوص والارتداد!
وتؤكد تجارب النهوض المعاصرة قانونية التغيير هذه، حيث نهضت بلدان كاليابان، وكوريا الجنوبية وسنغافورة، وتايوان وماليزيا، والهند، وغيرها، بتركيزها على تنمية الموارد البشرية، أي تركيزها واهتمامها بتوطين العلوم والتقانة، وصرفها على التعليم والتدريب، وعلى نشر وتنمية القيم المحفزة والملائمة للنهضة كقيم العمل والاتقان والانضباط والزمن وغيرها!وقد سبق وأرسى القرآن الكريم هذه القانونية في قوله:
(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
وبالطبع، فإن تغييراً يستند على تغيير ما بأنفس الناس أولاً، إضافة إلى ايلائه اهمية العامل الثقافي والقيمي، فإنه كذلك ـ وهذا هو المهم بالنسبة الى موضوعنا ـ يلح على الطبيعة المجتمعية للتغيير ـ بمعنى أن المجتمع نفسه هو الذي يتغير فيغير أوضاعه في علاقة تفاعلية، وبالتالي فإن نموذجاً كهذا، يتناقض وبصورة واضحة مع نماذج التغيير بالنيابة عن المجتمع، أو بالوصاية عليه أو بتغييبه، أي يتناقض مع نماذج التغيير عبر الانقلابات العسكرية والاغتيالات السياسية!!
وإذا كان نموذج التغيير المجتمعي، يتطلب جهداً شاقاً وصبوراً، فإن النماذج الأخرى تقوم على فكرة (اختصار الطريق)، وعلى روحية استعجال النتائج، وعلى تقليل الجهد والزمن اللازمين لعملية التغيير.. وكما ينهار كل بناء يستعجل في تشييد أساسه، فإن نماذج اختصار الطريق (الانقلابات والاغتيالات والأعمال الارهابية)، عادة ما تنتهي الى الانهيارات والى نقيض أهدافها المعلنة! فالانقلابات التي تقفز الى السلطة بدعوى محاربة الطائفية تنتهي اما متحالفة معها او والطائفية أقوى مما كانت! والتي تقفز بدعوى استقلال القرار الوطني تنتهي ببلدانها اما الى الاحتلال او الى الوصاية الاجنبية! والتي تقفز على اكتاف اليساريين او القوميين او الاسلاميين تنتهي وقد فتكت بالاكتاف التي صعدت عليها!!وكذلك الاغتيالات السياسية، وأفضل نماذجها اغتيال المرحوم السادات، فقد أدى، وعلى عكس اهداف الجماعة الاسلامية التي دبرته، الى اضعافها، سواء لصالح النظام الحاكم، او لصالح منافسيها من الاخوان المسلمين!
وكذلك محاولة اغتيال الرئيس مبارك، فقد افضت في الحصيلة النهائية، وعلى عكس نوايا مدبريها، الى تعاظم دور الرئيس مبارك في الشؤون السودانية نفسها! مما يقود الى الاستنتاج بأن نماذج التغيير القائمة على اختصار الطريق تقود حتماً الى الخسران!وهذا ما سبق وقررته المباديء الاسلامية في سورة العصر: (والعصر. إن الإنسان لفي خسر. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.)إذن فالحق نفسه يحتاج الى (الصبر)، دع عنك المتشابه او الباطل!وسواء في الحق او المتشابه، فإن استعجال النتائج، كما يقرر القرآن مشفوعاً بالقسم الإلهي المؤكد، يقود حتماً الى الخسران!
وأما موقف القيم الاسلامية من الاغتيالات، بصورة أكثر تحديداً، فقد قررته الآية الكريمة: (إن اللهَ يدافع عن الذين آمنوا، إن الله لا يحب كل خوّان كفور) (الحج 38). ويورد الفخر الرازي في تفسيرها ان مسلمي مكة استاذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ان يفتكوا بالمشركين الذين آذوهم وعذبوهم فنهاهم قائلاً: (الإيمان قيد الفتك). ونزلت الآية الكريمة في ذات السياق ولتأكيد قول المصطفى صلى الله عليه وسلم.
والفتك كما يورد الزمخشري (هو القتل على حين غرة).وقد استشهد بذات الحديث النبوي مسلم بن عقيل حين رفض الدعوة لاغتيال عبيد الله بن زياد، وقال بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قيد الإيمان الفتك لا يفتك مؤمن). اخرجه أبو داؤود. ( د. رفعت السعيد ـ 2004).
* والاغتيالات السياسية مثلها مثل كرة الثلج، تتضخم كلما تدحرجت، فتبدأ باغتيال المخالفين، ولكنها تنتهي بالاغتيالات داخل الجماعة، وباغتيال من لا يشك في ايمانهم، كمثال الخوارج الذين خرجوا على الامام علي كرم الله وجهه لقبوله التحكيم في شأن معاوية (الكافر!)، بدعوى الحاكمية لله، ولكنهم انتهوا عملياً الى اغتيال الامام علي المبشر بالجنة والذي لا يشك مسلم في ايمانه، والى فتح الطريق لسيادة الأمويين!!
وكذلك قصة الجهاز السري في مصر والسودان!
أما في مصر، فقد انفلت الجهاز بقيادة (السندي) من أيدي المرشد العام (حسن البنا)، فنفذ عدة اغتيالات على من يصفهم بالمشركين، كالقاضي الخازندار ورئيس الوزراء النقراشي، مما قاد الى تبرؤ المرشد العام، والى مقتله لاحقاً برصاص البوليس السري الملكي!ولكن الجهاز لم يكتفِ بدماء مخالفيه ، وانما انتهى الى الخوض في دماء عضويته نفسها! وقد شهد على ذلك مؤسس التنظيم (محمود عبد الحليم) في مذكراته، التي يحكي فيها كيف ان قائد الجهاز السري (السندي) قد دبر اغتيال نائبه المهندس سيد فايز (..لقد تخلص منه بأسلوب فقد فيه دينه وانسانيته وعقله ورجولته...) (..مؤامرة السندي استحلت حرمة البيوت فاقتحمت على المرشد العام بيته، واستحلت دم أخ مخالف لهم في الرأي
وهكذا، فقد انتهى الجهاز السري الى استحلال دماء (الاخوان) خارجاً عن قيم الدين والإنسانية والعقل والرجولة!! والاخطر ان هذا الجهاز قد بلغت سطوته لاحقاً انه صار يحدد المرشد العام، غض النظر، عن رأي القواعد والهيئات!!
وكذلك قصة الجهاز (السري) في السودان، انفلت عن أيدي مرشده العام، وأطاح به لاحقاً، ثم دبر محاولة اغتيال الرئيس مبارك، وبحسب شهادة الترابي، حين فشلت المحاولة، لم تتم محاسبة المدبرين الفاشلين وانما تصفية (الاخوان) من المنفذين، لمحو آثار الجريمة، ولكي ينام الفاشلون ملء الأعين وقريريها!!ثم ماذا كانت النتيجة النهائية؟ لقد تحول الرئيس مبارك، بتداعيات محاولة الاغتيال نفسها، الى ما يشبه (الراعي الروحي) لما تبقى من نظام الانقاذ!
فياله من خسران مبين