Thursday, May 25, 2006

هل كان الترابي خميني السنة؟

هل كان الترابي خميني السنة؟
مازن السديري *
تتشابه الحالات الاصولية، ورموزها في اشياء كثيرة، وتختلف في اشياء اخرى، ولعل السوداني حسن الترابي، والايراني آية الله الخميني، يعتبران من ابرز الاسماء الاصولية في القرن العشرين.حسن الترابي خريج القانون من جامعة الخرطوم، وحامل شهادة الماجستير من جامعة لندن والدكتوراه من السوربون، هو الرجل الذي شارك في كتابة دستوري الباكستان والامارات العربية المتحدة، والرجل الوحيد بين جميع المنظرين او الاسلاميين والناشطين السياسيين الذي وصل الى قمة السلطة بين جميع اقرانه، ابتداء من حسن البنا مرورا بتقي الدين النبهاني ومنير شفيق وراشد الغنوشي.وكذلك كان الخميني، الذي عاش في فرنسا وقرأ الفكر الغربي وأتى بالدستور الفرنسي مضيفا عليه منصب مرشد الثورة.
تميز فكر الترابي بتحديد سلطة الدولة وترك المجتمع يقوم بتنمية ذاته، والمطالبة بتطوير الاسلام ومراعاة تغيير الزمان واحتياجات الحداثة، معتبرا ان الشورى هي الديمقراطية نفسها خارج السياق التاريخي. ويرى الترابي ان المرأة في الاسلام ظلمت لسوء فهم النصوص القرآنية والاعتراف بالتعددية والآخر طالما انها كذلك موجودة في المجتمع. وكذلك كان الخميني، فهو يرى ضرورة حرية المجتمع المسلم، واعترافه بالآخر في الوطن وايمانه بالديمقراطية وحقوق المرأة ايضا. وهنا افتح قوسا لأقول بأني لا اعتبر الديمقراطية وسيلة العلاج السحرية لحل مشاكل أي دولة. الاثنان كانا يعترفان إذن بالتعددية، حتى غير المسلمة، وسبب هذا الاعتراف هو وجود تيارات اشتراكية وقومية في ايران والسودان، ذات حضور شعبي مثل حزب «تودة» النافذ والقوي في ايران قبل الثورة، وكذلك الامر بالنسبة للأحزاب الليبرالية في السودان.
هذا الواقع ساعد الخميني في احتواء التيارات اليسارية في ايران من اجل قيام الثورة وعمل على اتحادهم ضد الشاه، وكذلك استدعاء النميري للترابي في ادارة الدولة لخلق احتواء اجتماعي اسلامي ليبرالي لتوازن المجتمع.
ولكن وصول الاثنين كان بشكل مقلوب، الخميني جمع التيارات ضد الدولة، والترابي استدعته الدولة لتجميع التيارات. اما المتشابه فهو تصفيتهما جميع التيارات (فكريا وسياسيا) مع وصولهما للسلطة واعتمادهما على أغلبية شعبية وان كانت غير ساحقة، بالاستعانة بميليشيا غير نظامية ومسلحة، وتطبيق الديمقراطية بلا تعددية مما عقد معناها بشكل كبير بعد استعانة الخميني بحرس الثورة، وعودة الترابي بانقلاب عام 1989 العسكري، واعتماد الاثنين على حرب لتثبيت السلطة عبر توحيد المجتمع وهي الحرب الايرانية ـ العراقية، او حرب السنة والشيعة، وكذلك هي من جهة اخرى، حرب الفرس والعرب. ومع الحالة السودانية فهناك حرب الجنوب، فهي حرب المسلم والمسيحي، وكذلك حرب العربي والأفريقي، لاستقطاب المتدينين والقوميين.
كانت هاتان الحربان اساس استقرار سلطة الرجلين، بالاضافة الى مفاهيم تصدير الثورة الايرانية لدول ذات حضور شيعي، وكذلك ما فعله الترابي بتصدير الجهادية والاصولية السنية للدول المسلمة، وتحويل جميع دول الجوار الى دول عدوة بزعم اقناع شعوبها بأنهم في حالة حصار من الامبريالية العالمية والفكر المعادي للاسلام.عام 1989 شهد عودة الترابي ورحيل الخميني قبل ان يتفجر عليه بركان الغضب، او بداية ظهور روائح عصيان في داخل التكوين الايراني. ولحسن حظ الخميني، ربما، كانت هناك مكانة المشرع والفقيه في المجتمع الايراني الذي كان مجتمعا مغلقا يعطي كل الصلاحيات المطلقة للولي للفقيه، وبدرجة اكبر من الحاكم السياسي المجرد كما هو الحاصل في المجتمعات العربية، السنية.
والى ذلك أتت النهاية مختلفة بين الرجلين، فبينما توفي الخميني مهابا ورمزا، اختلف الحال مع الترابي، فوجد نفسه بتداعيات كثيرة ومعروفة بين القضبان، في سياق يستمر فيه انقضاض الأزمات عليه وعلى جبهته الاسلامية داخليا وخارجيا.