الخرطوم الجديدة في حوار مع عبد الوهاب الأفندي
الخرطوم الجديدة في حوار مع عبد الوهاب الأفندي :
حلّ الترابي الحركة وأصبحت النخبة كالخراف أمامهكان هناك (سوبر تنظيم) للأمن والمال لا يتغيرالبعض رأى المحافظة على السلطة بأي ثمن!!المؤتمر الوطني جهاز موظفين والكيان الخاص جزء من الصراع!!تجربة الحركة الإسلامية أضرت بالمشروع وأفادت العلمانيين أكثر
مقدمةعندما يحل رمضان في كل مكان من بلاد المسلمين فإن الناس يتذكرون الوحدة ولم الشمل الإسلامي طاعة وعبادة ولكنهم في السودان - مع ذلك يتذكرون خلافات الإسلاميين والتي بلغت في الرابع من رمضان العام 1998م حد (الفجور في الخصومة) والتربص بالآخر فيما بعد..! الدكتور عبد الوهاب الأفندي الدبلوماسي السابق والمراقب الحالي ما فتئ يرمي (التجربة والنظرية) في السودان بسهام النقد النافذة حتى عد من غلاة المتشددين في (نقد الثورة) وهو الذي تدرج في الحركة الإسلامية من عضو ملتزم إلى منفذ أمين لأطروحات المشروع قبل أن ينقلب على كل ذلك ناقداً لحد الألم ومعه نتذكر ما كان وما كان ينبغي أن يكون ولا يكون برأيه..
حوار: الطاهر حسن التوم - خالد عويس - بكري المدني
د. عبد الوهاب دعنا نبتدر هذا الحوار بالسؤال حول أوجه القصور في المشروع الإسلامي بالسودان وهل هي نظرية أم تطبيقية وذلك لما عرفت به من انتقاد دائم للتجربة؟
الرد المختصر هو أن الجزء الأكبر من أوجه القصور تطبيقي والأقل نظري وإن كانت التجربة السودانية نظرياً متقدمة نوعاً ما عن التجارب الأخرى وكانت إلى حد ما هادياً حتى للتجربة الماليزية التي استوحت منها فكرة المرونة كما ذكر لنا مهاتير محمد في أحد اللقاءات كذلك الإخوان في تونس يعتقدون أنهم تعلموا من التجربة السودانية الانفتاح والمرونة الفكرية، وعموماً فقد كان ذلك مصدر قوة للحركة الإسلامية في السودان والذي حدث بعد يونيو 1989م أن جزءاً من هذه المرونة قد فقد وأصبح هناك شئ من الجمود في الممارسة، فالحركة التي كانت تؤمن بالحرية وبالديمقراطية وبأن الحزبية أداة لذلك لم تعد قادرة على استيعاب الآخرين واتخذت مواقف سلبية من كل ذلك!! وكان ذلك لحساب العمل الأمني والإداري.. صحيح أنه تمت معالجة ذلك لاحقاً لكن السؤال لماذا كان التعطيل أصلاً؟
إذاً من يتحمل مسؤولية هذه الردة؟
المسؤولية آساساً تعود في ذلك للشيخ الدكتور حسن الترابي باعتباره الذي كان مسؤولاً مسؤولية كاملة في تلك الفترة ولكن بمشاركة ومباركة من كل المسؤولين سواء في الحركة أو الدولة ولا استثنى من ذلك الأخ علي عثمان والأخ البشير وكل النخبة المفكرة في الحركة والتي تعاملت بسلبية شديدة وبنوع من التدجين وكانوا كالخراف في تعاملهم مع المسائل رغم وجود مجموعات كانت ترفع أصواتها بالتساؤلات والانتقادات ولكن الغالبية كان بعضها منتشياً بما يعتبره انتصارات وبعضها كان يثق ثقة عمياء في القيادة ويرى أن الباطل لا يمكن أن يأتيها من بين أيديها ومن خلفها، وتلك كانت قوة ضاربة وأذكر أنه لما كنا نحتج على القيادة كانت تقابلنا بما يسر القيادة!! وكانت تلك مسألة مؤسفة فمن ميزات الحركة أنها كانت تمتلك كوادر ذات ميزات فكرية وثقافية عالية ولكنها عطلت أو بيعت بثمن رخيص مقابل أشياء عدوها أهم في ذلك الوقت.
دكتور عبد الوهاب كتبت في كتابك (ثورة الترابي) أن الرجل أميز رموز الإسلام السياسي تنظيراً وتطبيقاً فهل تراجعت عن ذلك الآن؟
لا بالعكس هذا الكلام يحتمل الوجهين وكان من الممكن أن أقوله بمعنى آخر..
وفي ذلك من هو المسؤول؟ ومن الذي بيده التغيير؟
وكنا في تلك الفترة نأمل في التغيير وأخذنا الجانب الإيجابي من المسؤولية وهي تقع على عاتق الدكتور الترابي فهو من حلّ الحركة وحلّ مؤسساتها وأضحى هو المستأثر بالقيادة وحوله مجموعة قليلة وأصبحوا (سوبر تنظيم) وكانوا المجموعة التي تمسك بالعمل السري خاصة النواحي المالية والأمنية وكانت مجموعة غير معروفة لدى البقية وغير محاسبة وبالتالي غير منتخبة ولا يمكن تغييرها ولقد كانت هي الإطار المباشر للترابي وبيدها أكثر الأمور مفتاحية وبهذه الصورة ترك الأمر لها، بينما كنا نرى أن تركيز القوة في يد الترابي وأن كثيراً من الإسلاميين ما كانوا يعرفون غيره وأنه كان صاحب الكلمة المسموعة فالحديث عن أن الترابي كان من أميز رموز الإسلام السياسي عني ذلك.
تعرضت بعد ذلك في مقالات عديدة بما اعتبرته (مضايقات للترابي وحزبه الشعبي) بل قدمت ما اعتبرته أيضاً نصحاً للبشير (بعزل الأستاذ علي عثمان وحلّ الأجهزة الأمنية) فهل يمكن قراءة ذلك في الحد الأدنى تعاطفاً (تراجعياً) مع الترابي الذي طالما انتقدته؟
حقيقة لم أكن أرى أي مبرر للإجراءات التعسفية التي اتخذت في حق الشيخ حسن الترابي - بمعنى أنها لا تفيد كثيراً واعتقال الحكومة له لم يؤد إلى الذي تريده بل حدث العكس ولهذا اعترضنا على هذه الممارسات بالإضافة للنظرة إلى إنجازات الترابي في الحركة الإسلامية والتي تجعل من غير الصحيح أن يعامل معاملة أسوأ من معاملة قرنق أو الصادق المهدي - في ذلك الوقت - على الرغم من عدم موافقتي على أطروحات وممارسات الشعبي فالترابي والذين انضموا إليه لم يقوموا بتوجيه أي نقد ذاتي، ولقد علقت على رسالته التي كتبها بمرور اثنى عشر عاماً على الإنقاذ وحاول أن يحلل فيها الأزمة وكنا نتوقع فيها شيئاً من النقد الذاتي للحركة وله شخصياً وإذا به يقول إن الأوضاع في السودان كانت تسير من حسن إلى أحسن حتى 1998م وأنها تحولت إلى أسوأ بمجئ المجموعة الأخرى! وطبعا هذا كلام تبسيطي وغير صحيح وواقعياً يقول الناس إن الأسوأ كان في بدايات الإنقاذ مثل القمع والتردي الاقتصادي وأن التحسن حدث بعد ذلك فكلام الترابي أضره أكثر مما أفاده وكان عليه أن يتحدث عن الخلل حتى يثق فيه الناس من جديد.
دكتور الأفندي انتقادك لمجموعة الترابي مرة وللمجموعة الأخرى مرات يجعلنا نسألك عن موقعك التنظيمي داخل الحركة الإسلامية ومع أي جناح يطير الأفندي؟
أنا أساساً لا علاقة تنظيمية لي بالحركة الإسلامية فقد تم حلها في 1989م وجاءتنا تعليمات بتسليم الأوراق والعهد فقد حلت الأجهزة ولم تعد هناك (حركة إسلامية) واستوعب البعض في الدولة التي ساهمنا فيها ولكننا اكتشفنا - بعد ذلك - عدم وجود إطار وإننا أصبحنا موظفين برواتب نتلقى تعليمات ولا جدوى لكلامنا بل لا توجد أيضاً مجالس للنقاش وعمليا اصبحنا مثل السعودية ومصر وتلك كانت مشكلة فأنت كمفكر إسلامي مطالب باتخاذ مواقف إسلامية معروفة حيال ما يجري وأصبحنا في مأزق خاصة عندما نذهب إلى مؤتمرات خارجية ويسألوننا عن حقوق الإنسان مثلاً في الدولة الإسلامية (ودولتنا تقمع الإنسان) وكنا أمام خيار من اثنين إما أن نستمر موظفين نقبض رواتبنا ومخصصاتنا من الدولة ونبيع ديننا بدنيانا وإما أن نستقيل ونقول كلامنا واخترنا الخيار الأخير.
هل تعتقد أن خروجك جاء متأخراً وهل تعتذر عن تلك الفترة؟
نحن دخلنا الحكومة بنفس عقلية الحركة الإسلامية و كنا نتلقى التعليمات ونعمل الواجب وبالنسبة لي كان هناك اعتراض من بعض الأصدقاء ومن الأسرة والذين كان رأيهم ألاّ أتولى منصباً رسمياً لما يمكن أن يكون له من سلبيات بينما كان رأيي - وقتها - أننا جنود في الحركة وأن علينا الإلتزام بما رأت ولكني أعتقد - الآن - أنني كنت على خطأ وما كان علينا أن ندع مكانتنا الفكرية للدخول في هذا القمقم والذي سبب لنا ضرراً في مصداقيتنا أمام الرأي العام والذي لن يهمه أي موقف آخر لنا ما دمنا جزءاً من الدولة والسؤال هو هل كان لتلك الممارسات التي تضررنا منها مبرر؟كنا نرى أنها خلل في التوجه بينما رأي آخرون ضرورة المحافظة على السلطة بأي ثمن بما في ذلك (القهر والمال) كأمور ضغط وكنا نرى أن الحركة الإسلامية لا حاجة لها لذلك وهي حتى في البلدان أكثر شعبية وأنها قادرة على جمع الجماهير دون اللجوء للقهر أو المال والملخص أن البعض كان يرى أن الدولة رصيد للحركة الإسلامية يدفع برنامجها للأمام بينما الذي حدث أن الدولة اصبحت عبئاً على الحركة الإسلامية والدليل انه في المؤتمرات الدولية التي تشارك فيها رموز إسلامية تقدم أطروحات عن نظام الحكم في الإسلام كان الخصوم يقولون لهم إنكم تريدون أن تقيموا نظاما مثل نظام السودان!! وكانوا يرددون بلا (آي شئ ولا نظام السودان!!) فانظر إلى أي درجة أوصلت الدولة الحركة الإسلامية!!إذاً هل يمكن القول إن تجربة المشروع الإسلامي في السودان بإخفاقاتها قد صبت في صالح المشروع العلماني في المنطقة؟بصراحة ما حدث في السودان أعطى دفعة للعلمانية من جهتين: الأولى أن التطبيق في السودان وفي غير السودان قد فشل، والجهة الأخرى أن هنالك ممارسات علمانية داخل المشروع نفسه كأشياء تمت وهي مخالفة تماما للشريعة الإسلامية بدعوى الحفاظ على الدولة وباعتبارها الأهم وعملياً هذه علمنة في الممارسة وكل ذلك كان سنداً للمشروع العلماني في المنطقة.
دكتور إنتقدتم كثيراً حل الحركة الإسلامية وكأنه خطأ تنظيمي ولكن ألا يعتبر وصول الحركة للدولة تطوراً تنظيمياً قامت عليه فكرة الدولة الإسلامية لدى الإخوان مبدأً؟
هذا سؤال مهم فمن ناحية إجرائية لا أرى مشكلة في حلّ الحركة الإسلامية المعينة إذا قامت كبديل لها مؤسسات، لكن الذي حدث شيئان: الأول أن الحركة كانت هي الحزب الوحيد الذي تم حلّه عملياً بقرار من الدولة بينما استمرت الأحزاب الأخرى رغم (قرارات حل الأحزاب) وهذا كان استثناء، والشئ الآخر أنه لم توجد بدائل للحركة الإسلامية والفقه الإسلامي هنا متخلف لأنه يكتفي بولي الأمر ولكن عملياً في الدولة الحديثة يجب أن توجد تنظيمات دستورية تسيرها والإشكال جاء بعدم وجود أي تنظيمات أو أطر وهذا وضع أدى إلى شلل سياسي للدولة وأضحى العمل الإسلامي من غير أطر بينما تقوم أطر للعمل في المقابل الآخر فاليساريون مثلاً كانوا منظمين بينما حلت الحركة التي قامت لضرورة تأطير العمل الإسلامي.
لكن هناك بديل قام ممثلاً في الكيان الخاص للإسلاميين؟
والله هذه محالات أضحت جزءاً من الصراع ومرهونة للدولة التي أنشأتها كأي جهاز من الحزب الذي أنشأته (المؤتمر الطني) والذي ليس هو بحزب أيضاً وإنما هو جهاز موظفين ورأيي أن ترفع الدولة يدها ليحدث إحياء حقيقي وليس كما حدث لاختيار الأمين الثاني للمؤتمر الوطني (إبراهيم أحمد عمر) لا للنائب الأول وقتها (علي عثمان) من تدخل واضح للدولة، والتنظيم مفترض أن يكون مستقلاً بلا إشراف من الدولة التي ابتلعت الحركة الإسلامية لتلبث في بطنها إلى يوم يبعثون!! ويحدث الانهيار الكبير وحتى المؤتمر الوطني لن يكون قادراً على العراك السياسي إذا لم يخرج عنه وصاية الدولة.
واضح أن هناك العديد من المفكرين الإسلاميين أصبحوا يحتفظون بمسافة من الدولة أليس هنا اتجاه لوحدة هؤلاء المفكرين - على خلافاتهم - لملء الفراغ الذي خلفه حل الحركة الإسلامية؟
هذا مطلوب والسؤال هو لماذا يعمل المفكر الإسلامي مسافة بينه وبين الدولة؟
اذا كانت فعلا هي دولة إسلامية ولها موارد.. لماذا يحرم نفسه ويتخذ موقفاً مباعداً لها.. هل الدولة تحتاج إلى إصلاح بحيث لا يكون اقترابه منها معيباً؟! وأنا أعتقد أن الدولة الإسلامية يجب أن تنظر إلى ذلك وأنها يجب أن تقرب إليها المفكرين الإسلاميين بصلاحها وليس بمخصصاتها.. أيضاً أي حركة سياسية يجب أن يكون لها ارتباط بالمجتمع وبالشارع والذي يحدث أن طريق تنظيم العمل السياسي الآن يتم بعيداً عن الشارع وعن العمل السياسي الحقيقي الذي يجب أن يتم بعيداً عن الدولة بالنسبة للحزب وبقناعة وليس بالترغيب أو الترهيب والمنظور أنه إن تم تنفيذ اتفاقية السلام فإن الحزب الحاكم سيفقد احتكاريته ويصبح عليه البحث عن سند شعبي وإن كان للدولة مشكلة مع أصحاب الولاء فإن مشكلتها مع الآخرين ستكون أكبر.. عليه الحركة الإسلامية الحقيقية يجب ألا تستقل عن الدولة، عموماً هي رصيد بما تكسبه من سند شعبي للدولة، أما بقاء المفكرين الإسلاميين هكذا فهو موقف سلبي فلا هم إضافة لها ولا هم قادرون على حربها لشئ من الولاء القديم.
ذكرت في مقال لك سابق أن التآمر على الدولة يتم من داخل القصر فلماذا ومن قصدت بذلك؟
كان ذلك تعبيراً مجازياً والتآمر المقصود كان وقوع أخطاء من قبل كبار المسؤولين وكان رأيي المراجعة والمحاسبة وأن يحدث تشاور حتى لا تتخذ قرارات عشوائية..
بوفاة الدكتور جون قرنق وغيابه عن الملعب السياسي اعتبر البعض إنها فرصة للمؤتمر الوطني لإلتقاط انفاسه لغياب مناور قوي بينما اعتبر آخرون المؤتمر فقد بغياب قرنق الرجل الذي كان قادراً على أن يحافظ على الانجاز الذي صنعه للنهاية - فاذا فقد الشمال والإتفاقية بغياب قرنق؟
غياب قرنق أضر بالمؤتمر الوطني من ناحية إنه كان قادراً على الإمساك بالقرار الجنوبي ولكنه أيضاً كان عامل تفرقة بين الجنوبيين، وسلفاكير هناك إجماع حوله حتى من الجهات الجنوبية التي كانت تعادي الحركة وجيشها الشعبي، وواحدة من نتائج جون قرنق هي توحيد الجنوبيين وذلك سيضعف نفوذ المؤتمر الوطني ووجوده في الجنوب وكثير من أعضاء المؤتمر الوطني من الجنوبيين سينجرون نحو الحركة الشعبية بقيادة سلفاكير وبقية قيادات الحركة ليس لديها طموحات قرنق الذي ما كان ليكتفي بالجنوب الذي كان يراه دون مستواه وكان يتطلع إلى دور قومي أنشأ لأجله حركة ذات اسم قومي، وقرنق بذلك كان عبئاً على الحركة الجنوبية ككل وعلى الجنوب وكثير من قيادات الجنوب كانت ترى أن قرنق كان يكلف الجنوب بأطروحاته وطموحاته القومية فوق ما يستطيع كل ذلك يعمق روح الإنفصال في الجنوب والتي كانت موجودة بحياة قرنق وستنمو حتما بغيابه أما من ناحية المؤتمر الوطني فإن فرصه محدودة في أربع أو ثلاث سنوات قادمة سواء كان قرنق موجوداً أو غائباً، وأمام المؤتمر فقط أن يستفيد من هذه الفترة لاستثمارها في عمل سياسي حقيقي بالحوار مع الآخرين وإعلام الجماهير بما يقوم به وكل ما كان لا يقوم به المؤتمر الوطني، والملفت للنظر أن الحشد الذي تم لاستقبال قيادات الحركة الشعبية وهي التي كانت محظورة حتى في الفترة الديمقراطية لن يستطيع المؤتمر الوطني عليه وهو الذي احتكر العمل السياسي لمدة خمسة عشر عاما بالداخل، والسؤال هو أين المؤتمر الوطني وأين كوادره وكيف أصبحت الخرطوم عاصمة للحركة الشعبية بين ليلة وضحاها؟! أما الحديث عن المبايعة فهو يتم مع الحكومة وليس الحزب.
وهل فقد الجنوب بغياب قرنق فرصة أن يقود السودان جنوبي؟! وهل انحسر الحلم الجنوبي في عهد سلفاكير في دولة جنوبية منفصلة؟
في رأيي وأنا أتفق في ذلك مع بونا ملوال وهو أن الجنوب لم يفقد كثيراً بفقد قرنق كجنوب أما طموح بعض الجنوبيين بأن تصبح منهم قيادة قومية فإن وقته لم يحن بعد وذكر لي أحد قيادات الجيش الشعبي مرة ان كون الحركة الشعبية حركة جنوبية فتلك صفة مؤقتة تماما مثلما كان المهدي في غرب السودان وعندما انتقل إلى الوسط انتقل معه أهل الغرب وانضم إليه أهل الوسط وهكذا، فقلت له إن المهدي كان يتكلم بلسان الناس وعقيدتهم ولكن قرنق كان يفعل العكس فهو يواجه عقيدة وثقافة الأغلبية ويعادي الذين يريد حكمهم لذا اعتبر أن قرنق كان عبئا على الجنوب وليس رصيداً له رغم إعتقاد بعض الشباب الجنوبي أن قرنق استطاع أن يحقق ما اعتبره انتصاراً على الحكومة والصحيح أنها حكومة ضعيفة يمكن انتزاع تنازلات منها ولكن لا يمكن كسب الشعب، وفي نهاية الأمر فإن الأغلبية مازالت مسلمة وعربية وأن الجيش الشعبي مازال يحمل خطاباً معادياً لها.. وحتى تأتي حركة قومية فيها قيادات جنوبية غالبا مسلمة يمكن الحديث عن سودان واحد يتولى فيه جنوبيون الأمر ولكن الإتفاق الذي ينص على البقاء تحت الاختيار لمدة ست سنوات فذلك يعني عدم التزام بوحدة البلد.
الشعور الغالب أن الجنوبي انفصالي قال بذلك ياسر عرمان وغيره والآن فإن ست سنوات فترة إنتقالية ليست بالكبيرة فكم هي نسبة الإنفصال في تقديرك مع المحاذير الدولية؟
الشعور الإنفصالي لدى الجنوبيين له أكثر من سبب، الأول متأصل والآخر نتيجة التعبئة الطويلة أثناء الحرب وإذا كان بعض الإسلاميين لديهم رأي في نظام الحكم الذي أقصى الكثير منهم أمثال إسلاميي دارفور والشماليين عموماً فما بالك بالآخرين؟! إذا لم تحدث هيكلة جديدة للحكم بحيث يتم استيعاب الكل فمن المستحيل الحديث عن وحدة واعتقد أن نسبة انفصال وفق ذلك تفوق الـ 90% ولا أرى محاذير دولية، فالذين كانوا يضعون فيتو على انفصال الجنوب باعتبار أنه بأغلبيته غير المسلمة يمكن أن يضع كوابح على النظام الإسلامي ويوجهه نحو الاعتدال أو يحوله إلى نظام علماني من الغربيين والقريبيين واعتقد الآن أن هذه المسألة انتهت، كذلك الحديث عن أن انفصال الجنوب يمكن أن يؤدي إلى دخول إسرائيل المنطقة فهو حديث غير دقيق فإسرائيل ليست في حاجة للجنوب فمصر وإثيوبيا كانتا على عداء مع السودان وعلى علاقة بإسرائيل وإذا انفصل الجنوب الحال لن يتطور إلى اكثر من ذلك، أما الحديث عن مشكلة المياه فلا دخل لنا فيها فنحن - حتى إن انفصل الجنوب - دولة ممر وإن كانت لمصر مشاكل فستكون مع إثيوبيا ومع دولة الجنوب إذا انفصلت والمشكلة أصلاً بين المنبع والمصب.تركت الاتفاقية ملكية الأرض بلا حسم كذلك هناك مسألة البترول برأيك كيف يتم حل هذه المسائل مستقبلاً مع دولة منفصلة؟نحن نتمنى أن يوجد بترول في الشمال قبل الانفصال ولكن إذا حدث انفصال فقد لا يلتزم الجنوبيون بإتفاقية المناصفة وربما يدفعون رسوم الأنابيب والمصافي لا أكثر.
كانت الكونفيدرالية مطروحة حتى مدى قريب ألم تكن حلاً أفضل؟
الحادث الآن كونفيدرالية وليت الناس يسمون الأشياء بأسمائها رغم أن الجنوبيين محتلون الآن جزءاً من أرضنا ومشاركون في حكومتنا ولهم في ذلك الحق في التدخل بحكم الاتفاقية التي هي كونفيدرالية في الأصل وكان يجب إلغاء الاستفتاء ويتم التفاوض من جديد على البترول.
هل تستبعد حدوث انفصال قبل الاستفتاء؟
لا أستبعد ذلك وقد فعلها السودانيون مع مصر التي وقّعوا معها اتفاقاً للحكم الذاتي من قبل فكان الاستقلال من بعد لذا لا أستبعد أن يطرح أحدهم في البرلمان الجنوبي مسألة الانفصال (الاستقلال) ويتم الإجماع وينفصل الجنوب!! ولا يمكن بعد ذلك فعل شئ تماماً مثلما عجزت مصر وبريطانيا في السابق مع السودان.
كل التجارب الانفصالية في العالم أدت فيما بعد إلى تجدد الصراع وإلى عدم استقرار المنطقة فكيف تنظر لمستقبل الشمال والجنوب في حال الانفصال؟
التعايش يعتمد على الظروف التي تحدث خاصةً إذا كانت هناك مواضيع نزاع معلقة من المسائل التي تضرنا مثل منطقة أبيي ومناطق التماس والبترول ومع ذلك دعنا نتفاءل بحدوث معجزة وأن تستمر الوحدة بعمل سياسي وذلك لأن حدوث التنمية في ست سنوات أمر مستحيل فهناك ممن لو طرحت لهم أموال الدنيا لن يغيروا آراءهم.
دكتور عبد الوهاب حذرت كثيراً من أن تأخذنا غفوة إلى ما حدث للهوتو في رواندا فهل تعتقد أن الغفوة هي ما أخذتنا إلى أحداث الاثنين عقب الإعلان عن مقتل قرنق؟
أحداث الإثنين قياساً بما أتخوف منه تعتبر لا شيئاً فالهوتو في بلادهم كانوا أغلبية ولكن القيادة ارتكبت خطأ افقدهم تلك الشرعية وأصبحوا مطاردين ويحيون تحت سيطرة أعدائهم، والذي حدث في دارفور مثلا خطأ.. صحيح أنه لا يرقي لما حدث في رواندا ولكنه أخذ من حق الأغلبية الشمالية ومن سيطرة الدولة وسيجد الآخرون دعماً من الخارج يجعل مسألة مقاومتهم أمراً صعباً ووجود دعم خارجي آخر أمراً مستحيلاً!!
هل يملك برأيك من قاموا بأحداث الاثنين الجرأة لتكرارها؟
ما حدث يوم الاثنين خلق ردة فعل قوية شعبية وسياسية ورسمية وتضرر منها الآخرون خاصة في الحركة الشعبية والتي فقدت بعضاً من تعاطف الشماليين الذي تكوّن بمجئ قرنق سلماً للخرطوم كذلك تضرر بعض الجنوبيين في الخرطوم من ردة الفعل بصورة مباشرة بسبب العنف المضاد والتجربة كانت بالنسبة لهم سالبة وأهم نتائجها أنها لن تتكرر.
تحدث البعض عن فقدان الشعب لثقته في الحكومة التي رأي أنها تساهلت في كبح جماح أحداث الإثنين؟
الحكومة استفادت من الحدث بتجاوب المواطنين مع الشرطة والطوارئ الشئ الذي كان معدوماً في الماضي حتى إن أصحاب نظرية المؤامرة روجوا لظن أن الحكومة تساهلت عن قصد في تطويق أحداث الإثنين أولاً وأنها انسحبت من الأمن مثلما انسحبت من التعليم والصحة.
جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الخرطوم الجديدة © 2004-2005م - هذة المادة غير قابلة لإعادة النشر والتوزيع http://www.newkhartoum.com والصياغة حفظ من موقع مجلة الخرطوم الجديدة
<< Home