Thursday, May 25, 2006

كي يعتلوا الرقاب ويذلوا الأعناق--الحاج وراق

مسارب الضي
كي يعتلوا الرقاب ويذلوا الأعناق!
الحاج وراق
تنطلق الدعوة للإنفصال في الشمال من مواقع شتى، أما وسط العامة فانها تعبير عن اليأس والإحباط الناجمين عن استمرار الحرب ومعاناتها، وهذه مشاعرمؤقتة يمكن أن تزول بزوال أشراطها، هذا من جانب، ومن جانب آخر هي تعبير عن العنصرية، وكان هؤلاء العنصريون يراهنون في السابق على امكان استتباع الجنوبيين بالقهر، فروجوا لقدرة طغمة (عبود) على اخضاع التمرد بحرق غابات الجنوب فلما اتضح بالممارسة العملية استحالة ذلك واستحالة حرق الجنوب دون حرق الشمال ايضا، يلجأون الآن الى دعوة الإنفصال!
وغض النظر عن مآلات العلاقة مع الجنوب فإن العنصرية موقف شائه أخلاقياً ، ولسبب بسيط، وهو أن معايير ازدراء الآخر إذا طبقت بعدالة واستقامة فإنها تنطبق على الذات بمقدار انطباقها على الآخر! فليكن المعيار المعتمد لون ا لبشرة مثلا، أو ليس الشماليين (سوداً) بالنسبة للعرب في البلدان الاخرى ومقارنة بالبيض في أوروبا وامريكا؟ او فليكن درجة المدنية - وهذا معيار مثير للجدل حيث التطور الانساني عادة ما يكون تطوراً غير متسق، فيمكن لمجتمع أن يتقدم في جانب ويتخلف في آخر، ولكن فليكن، فاذا كان الشمال متقدما عموما على الجنوب فإن أوروبا متقدمة على السودان باجزائه المختلفة، فهل يحق للأوروبيين ازدرائنا اواحتقارنا؟!... ان اهم تقدم اخلاقي حققته الانسانية في تاريخها الممتد انما هو احترام كرامة كل فرد بحكم انسانيته وبغض النظر عن عرقه او لونه او ديانته اونوعه او ذكائه او تعليمه او وضعه الاقتصادي. والذين ما زالوا يقبعون في العنصرية انما يتخلفون عن أهم انجاز أخلاقي حققته الانسانية في تاريخها قاطبة.
وهكذا يشكل تخطي العنصرية - وغض النظر عن العلاقة مع الجنوب ـ احد اهم شروط استكمال انسانيتنا في الشمال. هذا على المستوى الاخلاقي، اما على المستوى السياسي، فكما السجان يقيد نفسه بمراقبة سجينه فكذلك ما من شعب قيد شعباً آخر الا وقيد نفسه ايضا، وذلك لأن القيود انما تتطلب نظما سياسية على شاكلتها - نظماً طغيانية. وهكذا استنتجت الانسانيةالمتمدنة انه ما من شعب يستعبد شعبا آخر يمكن ان يكون أو يظل شعبا حراً.
ثم ان العنصرية وبطبيعة النظم التي تقوم عليها - وهي بالضرورة نظم اقصائية - ليس لها من نقطة توقف، وتجربة النازية خير برهان على ذلك - بدأت بمعاداة السامية، ثم انتقلت الى معاداة الشعوب الاخرى، ثم الى معاداة الشيوعية، ثم الى الديمقراطيين والليبراليين، والى الكاثوليك والبروتستانت، وبعد ان اوقعت خسائر جسيمة وسط كل هؤلاء انتقلت الى ذبح النازيين انفسهم، إما بدعوى مؤامراتهم المزعومة على الزعيم الملهم او بتهمة غياب الحزم اللازم في مواجهة الاعداء! وهكذا استنتجت الانسانية بأن الاغلال التي نحضرها لتقييد ايادي الآخرين عادة ما تنتهي الى تقييد ايادينا ذاتها! والعنصرية تجاه الجنوب تذهب في ذات الاتجاه، ستنتقل الي ابناءالغرب، ثم الي ابناءا لشرق، ثم الى المحس والدناقلة، ثم الى الطابور الخامس، وهذا طابور يمكن ان يسع كل التلاوين الفكرية والسياسية وعادة ما تنتهي حدوده بجز رقاب الإخوة والرفاق القدامى! هذه عبرة عامة اسماها دارسو التاريخ بقانون القصاص التاريخي واسماها العارفون بقانون المعاوضة: (كما تدين تدان) او (من يعمل مثقال ذرة شرا يره)، عبرة تؤكدها تجارب التاريخ جمعاء، كما تؤكدها تجربة الإسلاميين السودانيين انفسهم! ورد الله غربة الدكتور الترابي!
* تلك اذاً اسباب الدعوة للانفصال وسط العامة - الإحباط والعنصرية - وكلاهما خاطئان - اما وسط .نخبة الاسلاميين فاضافة الى السببين المشار اليهما فإن السبب الآخر والأساسي الرغبة في استمرار الطابع الآحادي والإحتكاري للإنقاذ، اي بكلمة الرغبة في ا ستمرار إعتلاء الرقاب!
* وقد عاب علًّي الاستاذ/ علي يسن في عموده بصحيفة (الحياة) - وهو من الاسلاميين القائلين بالانفصال - عاب تفسيري لدعوتهم بأنها تصدر من مجموعات تود التضحية بوحدة الوطن كي لا تضحي بامتيازاتها غير العادلة وغير المبررة.
ولكنه وبعد يومين لا أكثر رد على نفسه بنفسه! فقد قال بإنهم كإسلاميين يعادون الديمقراطية لأنها تعتمد معيار الاغلبية، بينما عندهم الاكثرية دائما على ضلال، وبالتالي فالمعيار الصحيح اذا سيادة الافضل دينا وتقوى (!) غض النظر عن أعدادهم وغض النظر عن رأي الناس فيهم (!) ومثل هذا الرأى تصنفه العلوم السياسية في باب الفاشية! ولندع التصنيف ، لنطرح السؤال الجوهري: اذا لم يكن المعيار هو قبول الناس ورضاهم فكيف نحدد الأفضل دينا وتقوى؟! هل يملك الاستاذ علي يسن اجهزة خاصة لقياس الدين والتقوى كـ (دينوميتر) او (تقوى ميتر) تربط على أفئدة وضمائر عباد الله فتعطينا القراءات اللازمة؟! ثم الم يختلف البشر دوما - والمؤمنون تحديدا - في كنه ومضمون حكم الله؟ بل، ألم يختلف الصحابة رضوان الله عليهم - ولا يشك في ايمانهم - في مراد الله سبحانه وتعالى؟ فكيف اذا نعرف حكم الله ونفض الاختلافات بين البشر حوله؟! احتمالان لا ثالث لهما: إما على أساس الحرية وسلمياً وهذا يعني الديمقراطية وحقوق الإنسان . أو الثاني بالقهر والدماء، وهو الخيار الذي يعتمده حاليا الظلاميون من كل شاكلة، وقد جرب في الحكم وفي المعارضة، فانتج نماذج شائهة لايمكن ان تلهم احدا سويا: سواء في انقاذ التسعينات التي يودون اعادتها مرة اخرى وهيهات الا بتفكيك السودان! او في تجربة طالبان التي ضربت حجابا من القهر والقماءة على افغانستان، وكان من الوحشية البالغة بحيث عجزت عن ازاحته بقواها الذاتية فانفتحت للاجنبي يرفع عنها غطاء الظلامية ومعه (زمام) العزة والكرامة الوطنية!
أما في المعارضة، فسواء في الجزائر اومصر او السعودية اوا لسودان، ولأن معيارهم في ذاتهم وليس في مواقف وآراء الغالبية، فقد ولغوا في دماء الابرياء والعزل بلا وازع، بل وفتحواالنيران على الاطفال في المساجد! وان التتمة المنطقية لعدم العناية بمواقف وآراء الغالبية انما هي موقف الخليفي في فتح النار بدم بارد على الأطفال وفق فقهه المأفون بأنهم أبناء الكفار الفجار! وأى كفر وفجور إذا لم يكن استرخاص دماء الأطفال؟!
* والاستاذ/ علي يسن - وغيره من الأصوليين المعادين للديمقراطية - بمثابة (جزارى) نصوص، يقتطعون النصوص الدينية من مقاصدها الكلية ومن سياقاتها التاريخية والظرفية، ثم يعيدون عرضها في (سلخانة) منظوراتهم الفاشية، وكما يمكن فرز لحم الضأن من لحم الكلاب، فكذلك واجب الاستناره فرز جوهر النصوص الدينية عن اسقاطات الظلاميين عليها.
وأما النصوص الدينية التي يستغلها علي يسن في مراميه الآيديولوجية، وهي النصوص التي تتحدث عن (اكثر الناس لا يعلمون) اي عن جهل الاكثرية، فإنها لا تبرر الطغيان، كما لا تسوغ الوصاية والولوغ في دماء الابرياء، بل تثبت حقائق معرفية واخلاقية واجتماعية، تثبت ان المعرفة ليست بداهة ملقاة على قارعة الطريق وانما اشتغال ومعاناة ومكابدة للمتخصصين، وتثبت كذلك ان سلطان العادة غالبا ما يشكل عائقا نفسيا واخلاقيا لدى عامة الناس، وتثبت ان المعارف الجديدة عادة ما تصطدم بمصالح اجتماعية متكونة وبأمزجة العوام وبعدم استعدادهم التلقائي لقبول الجديد، ومن ثم فان هذه النصوص لا تستدعي الاستبداد وانما تستدعي دور النخب - الفكرية والعلمية والسياسية والارشادية - لتوجيه وتوعية وقيادة العامة. فاذا توفرت الحريات - حرية المناقشة والتداول والتعبير - فان الغالبية من الناس غالبا ما تختار الخيار الافضل! وان لم يحدث ذلك فإن على النخبة الا تيأس او تسعى للوصاية والسيطرة وانما عليها تطوير خطابها ومواصلة دورها في التوعية والتنوير الى أن تحوز علي عقول وأفئدة الغالبية.
فإذا لم يكن فهمنا هذا صحيحا فكيف يفسر علي يسن النصوص مثل (ألسنة الخلق اقلام الحق) و(لا تجتمع امتي على ضلال)، بل وكيف يفهم الأصول الدينية القاطعة مثل: (لا اكراه في الدين) و (ذكر انما انت مذكر، لست عليهم بمسيطر)؟!
ثم كيف يروغ عن المعيار الواضح في الحكم على ثمار أى انسان: (خيركم خيركم للناس)؟! الناس هكذا مجردة عن العرق والنوع والدين!!
* ان الذين يعادون الديمقراطية كنظام حكم انما يريدون يد الحكام طليقة من كل مراقبة اومساءلة، يريدون حاكما يعربد كما يهوى في عماء المحكومين... فلماذا؟! لأن الديكتاتورية ظلام، ويريد الظلام اللصوص والمفسدون والمحتكرون! فهل ترى اتضح الآن للاستاذ علي يسن من هو الساعي حقا وراء قراقوش؟!
* وهكذا فإن دعوة الانفصال لدى الاسلاميين الانفصاليين انما هي التعبير الآيديولوجي لرغبة الدوائر الاكثر تطرفا وظلاما في الانقاذ لاستعادة مربعها الاول، انقاذها الأولى،أي اندلس احتكارها وهنائها، وهي بالطبع فردوسهم (هم) ولظانا (نحن)، إنه الحنين الى استمرار اعتلاء الرقاب واذلال الاعناق، ولذا فالرهان هنا لا يتعلق بالجنوب وحده وانما كذلك بمآلات الشمال نفسه!

هل كان الترابي خميني السنة؟

هل كان الترابي خميني السنة؟
مازن السديري *
تتشابه الحالات الاصولية، ورموزها في اشياء كثيرة، وتختلف في اشياء اخرى، ولعل السوداني حسن الترابي، والايراني آية الله الخميني، يعتبران من ابرز الاسماء الاصولية في القرن العشرين.حسن الترابي خريج القانون من جامعة الخرطوم، وحامل شهادة الماجستير من جامعة لندن والدكتوراه من السوربون، هو الرجل الذي شارك في كتابة دستوري الباكستان والامارات العربية المتحدة، والرجل الوحيد بين جميع المنظرين او الاسلاميين والناشطين السياسيين الذي وصل الى قمة السلطة بين جميع اقرانه، ابتداء من حسن البنا مرورا بتقي الدين النبهاني ومنير شفيق وراشد الغنوشي.وكذلك كان الخميني، الذي عاش في فرنسا وقرأ الفكر الغربي وأتى بالدستور الفرنسي مضيفا عليه منصب مرشد الثورة.
تميز فكر الترابي بتحديد سلطة الدولة وترك المجتمع يقوم بتنمية ذاته، والمطالبة بتطوير الاسلام ومراعاة تغيير الزمان واحتياجات الحداثة، معتبرا ان الشورى هي الديمقراطية نفسها خارج السياق التاريخي. ويرى الترابي ان المرأة في الاسلام ظلمت لسوء فهم النصوص القرآنية والاعتراف بالتعددية والآخر طالما انها كذلك موجودة في المجتمع. وكذلك كان الخميني، فهو يرى ضرورة حرية المجتمع المسلم، واعترافه بالآخر في الوطن وايمانه بالديمقراطية وحقوق المرأة ايضا. وهنا افتح قوسا لأقول بأني لا اعتبر الديمقراطية وسيلة العلاج السحرية لحل مشاكل أي دولة. الاثنان كانا يعترفان إذن بالتعددية، حتى غير المسلمة، وسبب هذا الاعتراف هو وجود تيارات اشتراكية وقومية في ايران والسودان، ذات حضور شعبي مثل حزب «تودة» النافذ والقوي في ايران قبل الثورة، وكذلك الامر بالنسبة للأحزاب الليبرالية في السودان.
هذا الواقع ساعد الخميني في احتواء التيارات اليسارية في ايران من اجل قيام الثورة وعمل على اتحادهم ضد الشاه، وكذلك استدعاء النميري للترابي في ادارة الدولة لخلق احتواء اجتماعي اسلامي ليبرالي لتوازن المجتمع.
ولكن وصول الاثنين كان بشكل مقلوب، الخميني جمع التيارات ضد الدولة، والترابي استدعته الدولة لتجميع التيارات. اما المتشابه فهو تصفيتهما جميع التيارات (فكريا وسياسيا) مع وصولهما للسلطة واعتمادهما على أغلبية شعبية وان كانت غير ساحقة، بالاستعانة بميليشيا غير نظامية ومسلحة، وتطبيق الديمقراطية بلا تعددية مما عقد معناها بشكل كبير بعد استعانة الخميني بحرس الثورة، وعودة الترابي بانقلاب عام 1989 العسكري، واعتماد الاثنين على حرب لتثبيت السلطة عبر توحيد المجتمع وهي الحرب الايرانية ـ العراقية، او حرب السنة والشيعة، وكذلك هي من جهة اخرى، حرب الفرس والعرب. ومع الحالة السودانية فهناك حرب الجنوب، فهي حرب المسلم والمسيحي، وكذلك حرب العربي والأفريقي، لاستقطاب المتدينين والقوميين.
كانت هاتان الحربان اساس استقرار سلطة الرجلين، بالاضافة الى مفاهيم تصدير الثورة الايرانية لدول ذات حضور شيعي، وكذلك ما فعله الترابي بتصدير الجهادية والاصولية السنية للدول المسلمة، وتحويل جميع دول الجوار الى دول عدوة بزعم اقناع شعوبها بأنهم في حالة حصار من الامبريالية العالمية والفكر المعادي للاسلام.عام 1989 شهد عودة الترابي ورحيل الخميني قبل ان يتفجر عليه بركان الغضب، او بداية ظهور روائح عصيان في داخل التكوين الايراني. ولحسن حظ الخميني، ربما، كانت هناك مكانة المشرع والفقيه في المجتمع الايراني الذي كان مجتمعا مغلقا يعطي كل الصلاحيات المطلقة للولي للفقيه، وبدرجة اكبر من الحاكم السياسي المجرد كما هو الحاصل في المجتمعات العربية، السنية.
والى ذلك أتت النهاية مختلفة بين الرجلين، فبينما توفي الخميني مهابا ورمزا، اختلف الحال مع الترابي، فوجد نفسه بتداعيات كثيرة ومعروفة بين القضبان، في سياق يستمر فيه انقضاض الأزمات عليه وعلى جبهته الاسلامية داخليا وخارجيا.

فكرة الترابي المحورية إسالة القداسة الدينية في نصوصه السياسية

الخاتم عدلان في الاضواء:
فكرة الترابي المحورية إسالة القداسة الدينية في نصوصه السياسية
ما أنزل الله... وما أنزل الترابي
:التكفير المنفلت يضع الترابي على رأس المتطرفين الغلاة: كتب حسن عبد الله الترابي كتابه السياسة والحكم: النظم السلطانية بين الأصول وسنن الواقع في حالة نفسية شبيهة بتلك التي كتب بها سيد قطب كتابه معالم في الطريق في منتصف الستينات وهو في السجون الناصرية. بل توصل إلى نتائج مشابهة تماما لما توصل إليه سيد قطب من حيث تكفير المجتمعات وغربة الإسلام وتهميشه في الحياة. وربما تكون هذه استناجات غريبة جدا، على السياسيين السودانيين الذين استقبلوا الترابي وتعاملوا معه على اساس أنه عرف قدر الحرية والديمقراطية من خلال التجربة، وتاب إليها توبة نصوحا، ومنهم من شرع في التعاهد والتفاوض معه على هذا الاساس. كما برز من بين المثقفين النكوصيين من ينصبه مجددا للإسلام وباعثا لنهضة السودان الحديثة، ومنهم من يعلق عليه آمال الخلاص لشعب السودان. وهذا كله لأوهام نشرها الترابي نفسه عن نفسه.
يقول الترابي في كتابه هذا أن فصل الدين عن السياسة كفر صريح، بصرف النظر عن مراعاة من يفصلها لفرائض الدين في حياته الخاصة، أي أنه لا يشفع له أنه يؤمن بالله ورسوله، يقيم الصلاة ويخرج الزكاة ويصوم رمضان ويحج إلى البيت. ولا يكتفي الترابي بذلك، بل يقول أن المجتمعات الإسلامية التي فصلت الدين عن السياسة منذ الخلافة الأموية والدولة العباسية وما لحقهما من نظم حتى يومنا هذا، كلها كافرة وفاسقة وظالمة.
ويضج الكتاب في أغلب صفحاته التي فاقت الخمسمائة صفحة بمثل هذه الأحكام، ولكن يتفرد منه الفصل الأول المعنون " الدين والفصال" الذي كتب بمداد من الهوس الديني الذي صار عبادة سافرة للقوة والسلطة. وبينما يلجأ الترابي إلى بعض الحجج فإن حجته الأقوى هي إيراد آيات سورة المائدة التي تقول أن من لم يحكم بما أنزل الله أولئك هم الكافرون والظالمون والفاسقون.
ونحن سنورد مقتطفات توضح أن ما ذكرناه أعلاه لم يكن تقحما على الرجل أو إفتراء عليه. ثم نحاول بعد أن ذلك أن نوضح أن الترابي عندما حكم فإنما حكم بغير ما أنزل الله، وأن خطايا الكفر والفسوق والظلم، إذا كانت تصح على الناس لأنهم لا يحكمون بما أنزل الله، فإنما تصح عليه هو أولا وقبل كل الآخرين
.يقول الترابي:" والقرآن صريح في خروج الذين يحكمون بغير ما أنزل الله من الدين، لا يدعون كفارا بجملة الملة، ولكنهم من حيث ما فعلوا بالحكم كافرون، ظالمون وفاسقون، وقد ينسبون إلى الإسلام ولكن غشيهم الإرتياب ولما يدخل الإيمان في نفوسهم." ( ص 52)
ويلج الترابي بعد ذلك فيحدد أنواع الكفر، والتي منها كفر مطلق وأنواع خاصة من الكفر نورد منها ما يهمنا هنا:" وقد يصدق الإنسان بأصل الرسالة الدينية ولكنه في الدنيا مفتون، مشرك، غير موحد، فإما حصر دينه في حياته الخاصة لأنها أقل عرضة لبلاءات الدنيا وضغوطها الكثيفة وخياراتها المختلفة...... وهذا الإنحصار بالدين هو اكثر الظواهر التي تعتري الديانات ضلالا يشق منهج التوحيد فيه.
وإن من مقتضى ما سبق هجر ذلك الإنسان دينه في مجال السلطة وعلاقات السيطرة الآمرة والسياسة الحاكمة للمجتمع والمعيش ومعاملات تصريف المال والمتاع." ( ص 24-25"
أغلب الذين تلقوا تعليما غربيا كافرون، لأنهم لا يؤمنون بالإسلام السياسي:"
أما الشرائح الغالبة من المثقفين نتاج الثقافة الغربية فقد أصبحت لا تدين بدين الإسلام الذي يوحد الحياة كلها بسياستها عبادة، بل بدين الغرب الوضعي الذي طغى في مجالات التعليم ووسائل الثفافة وأهل هذه الشرائح لوظائف الحكم.." ( ص47)غالب دول المسلمين فاسقة وخارجة عن حكم الله:" غالبها دول سلطانها فاسق عن سلطان حكم الله."
( ص 76)المسلمون أنفسهم منافقون:" المسلمون جميعا غلب عليهم النفاق" ( ص 69)
هذا الخروج عن الدين ليس جديدا كما كان يعتقد سيد قطب، بل هو قديم قدم الإسلام ذاته:" فقد ضل المسلمون عن الهدى منذ سقوط الخلافة الراشدة قرونا...."وهذا الأمر لا يستثني اصحاب النبي، بل يشملهم ويتحملون خطيئته:" وتلك خطيئة وقعت بين الصحابة، والخلف يؤثر الصمت لا يجرؤ على إنكارها لأنه يوقر الصحابة كانهم أئمة معصومون من الخطأ في الشريعة. " ( ص 47)ولا يتوقف الأمر على الدين الإسلامي وحده بل يشمل كل الأديان التي صارت مسخا لا يهدي إلى الرشد:" وظاهرة إنحسار غالب ديانات العالم، إمسخت فاصبحت هويات فارغة قد يهيج بينها التناكر الأعمى ولكنها لا تهدي في الحياة إلى رشد أو نظام." (ص 56)ويمكننا أن نورد مقتطفات أكثر تؤكد هذه المعاني حتى درجة الإملال، لأن الرجل يردد حجة واحدة بتفاريع لا حصر لها شأن كل المدمنين، ولكن هذه تكفي في الدلالة على أن الترابي يكفر الإنسانية الحاضرة والغابرة، والآتية بطبيعة الحال، لأنها لا تؤمن بفكره. وقبل أن نذهب أبعد في موضوعنا نود أن نورد بعض الملاحظات على النصوص التي أوردناها أعلاه، رغما عن أنها تنطق عن نفسها:
أولا: ألاحظ عرضا أن الترابي يورد نص الآيتين 44 و45 ولا يورد نص الآية 47 " وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون." لم يورد هذه الآية لخشيته من كشفها للسياق الذي وردت فيه الآيات الثلاث مجتمعة، والتي وجهت لأهل الكتاب. وهو يكشف هنا أن القرآن نفسه لا يقف عقبة أمام أهدافه المسبقة، والدنيوية البحتة. كما أن الترابي يفسر هذه الآيات من مواقع التطرف والغلو، لأن حركته الأم، حركة الأخوان المسلمين المصرية، بل وجماعة الجهاد، أعلنتا أنهما لن تكفرا المجتمع بالإستناد إلى تلك الآيات التي وردت في سياق خاص، والتي يؤدي تطبيقها إلى فتنة وطنية، بل وعالمية لا تبقي ولا تذر. والواقع أن تفسير الترابي يضعه صفا بصف مع تنظيم القاعدة والتنظيمات الأصولية الأخرى التي تكفر المجتمعات إستنادا إلى هذه الآيات بالذات. وإن واجب المثقف في حقيقة الأمر هو تجنيب المجتمع مزالق الفتنة وليس القذف به في مستنقعها كما يفعل الترابي دون تردد، في خيانة سافرة للعلم والثقافة. هذا إذا لم نذكر الحركات الإسلامية التي توصلت من تجاربها المريرة ، والكوارث التي جرتها على مجتمعاتها، أن خير توقير للدين هو جعله أمرا خاصا بين العبد وربه مثل حزب العدالة والتنمية في تركيا برئاسة رجب طيب أردوغان.
ثانيا: إذا كانت الإنسانية بغالبيتها الساحقة كافرة في تعريف الترابي، وإذا كانت قد ظلت كذلك منذ موت النبي، فكيف له هو أن يحملها على الإيمان؟ كيف يحملها على الإيمان وقد كانت المجتمعات بسيطة فأصبحت مركبة، وكانت وسائل المعرفة محدودة فاصبحت لا حصر لها، وكان القاعدة الفكرية هشة فصارت تهزم الخيال في تعقيدها، وكانت التعددية غير معترف بها، فصارت الآن جزء لا يتجزأ من المواثيق الدولية لحقوق الإنسان؟ هل لديه يا ترى غير العنف إن استطاع إليه سبيلا؟ أو ليس العنف جزء لا يتجزأ من مثل هذا المشروع الذي يطرحه الترابي ويبشر به في لغة صيغت من نسيج الهذيان؟
ثالثا: إذا كان الدين لا يحتوي في داخله على عناصر الهداية التي تحمل الناس على الإيمان، كما يوحي تحليله، فمن أين للترابي أن يأتي بهذه العناصر؟
رابعا: هل يمكن تبعيض الكفر والإيمان؟ بمعنى أن تكون مؤمنا من زاوية العبادات الشخصية كافرا من زاوية البرامج السياسية؟
رابعا: وهذا هو اعتراضنا الاساسي، فإن الترابي يحول السياسة وهي تختص اساسا بتوفير حقوق الناس وكرامتهم ومعاشهم، بصرف النظر عن مللهم ونحلهم وأديانهم وأجناسهم، ليتوفروا بعد ذلك على ممارسة أشكال ارقى من الوجود إذا شاءوا، وبمحض اختياراتهم، يحول هذه الممارسة الإنسانية البسيطة والمباشرة، إلى جدل أيديولوجي لا يمكن أن يوحد الشعب مطلقا، بل لا يمكن أن يوحد فئة واحدة أو حزبا واحدا أو جماعة منغلقة، حتى إذا كانت مرتبطة بآلاف الخيوط السرية والمعلنة، وتجربته الشخصية شاهد شاخص على ما نقول.
ولكن الترابي منذ ان ظهر في الحياة السياسية في السودان أوائل الستينات، ظل مصدرا للشقاق الوطني والفتنة الأهلية، لا يعيش إلا في ظلها ولا تزدهر مقدراته إلا في أجوائها.
فهو قد كان باحثا عن السلطة والقوة منذ أن شب عن الطوق. وصار في مسيرته الشخصية المشؤومة مسئولا بصورة مباشرة، وبقدر طاقة الفرد على أن يكون سببا في الكارثة العامة، عن أربع فتن وطنية، أولاها حل الحزب الشيوعي، وثانيتها تحويل حرب الجنوب إلى حرب دينية، وثالثتها الإنقلاب على الديمقراطية ورابعتها المساهمة المعترف بها في استغلال المظالم الواقعة في دارفور، وهو الذي يستغل المظالم ويفاقمها دون أن يرفعها، فساهم في إشعال الحرب هناك وفتح المجال لعصبته الأقربين، ليدمروا ذلك الجزء من وطننا. وما يزال نهر الدماء يهدد بالجريان. كما كان له دور مباشر ومشهود كذلك في أكبر جريمة في تاريخ البلاد هي إغتيال الأستاذ محمود محمد طه لرأي يحمله عن الدين.
ما هو الجرح النفسي العميق الذي يجعل الترابي يحمل كل هذا الحقد على المجتمع؟ أو لم يكن في مقدوره أن يوظف طاقاته غير العادية في خدمة الناس وتيسير حياتهم، بدلا من هذا الشطط واللهاث والدم؟ أو ليس هناك بعد نفسي، يتخطى الطبقات والأديان والأعراق، يحرك هذا الرجل؟ولماذا يريد الترابي أن يكون فوق جميع البشر، حارسا على ضمائرهم ومهيمنا على حيواتهم؟أذكر أننا عندما كنا بمدرسة مدني الثانوية منتصف الستينات، اقام الترابي ندوة لجماعته من الإخوان المسملين. وعندما عاد الطلاب من تلك الندوة كانت تسري فيهم روح الهوس الذي ظل يتصاعد بعد ذلك، ومنهم من لم ينم تلك الليلة. واسترعت إنتباهي عبارة أحدهم عندما قال: أرأيت كيف يستشهد بالقرآن، حتى أن كلامه صار جزء من القرآن وصار القرآن جزء من كلامه؟وأعتقد أن ذلك الطالب الذي لا أذكر اسمه حاليا، قد لخص سر الترابي تلخيصا لا مزيد على دقته وبلاغته. فمنذ أن أمسك الترابي بالقلم وأطلق اللسان، كان همه الأوحد أن يحقق مماهاة كاملة بين أفكاره الخاصة والنص القرآني. أي أن الجهد الأساسي للترابي انصب على ربط نصوصه بنصوص القرآن، وفتح القنوات بين تلك النصوص لتسيل القداسة القرآنية في النصوص الترابية. ولا يصعب على الترابي بعدها أن ينصب نفسه ناطقا باسم القرآن، ولا يصعب عليه وهو ينطق بفكره وأوهامه، أن يزعم أنه يحكم بما أنزل الله.
ولا يصعب عليه بعد ذلك أن يجود هذه الممارسة بخلق وتطوير آليات غاية في الخفاء، مدسوسة في ثنايا نصوصه المتشحة بالغموض والإلتواء، تجرد الناس، وخاصة أتباعه من كل استقلال فكري، وتضعهم في حالة من الإنبهار والتنويم المغناطيسي، لا يفيقون منها، إلا بتراكم المصالح الدنيوية التي لا يمكن التنازل عنها حتى للإعتبارات الدينية، خاصة وهم يعرفون أن الإعتبارات الدينية خلطها الرجل بأهوائه الخاصة وأهدافه المفارقة. وهي نتيجة لا مفر منها بالنسبة لكل من يصل حد الإفراط في الإغتراف من المعين، حتى ولو كان معينا لا ينضب. إذ تتراكم التناقضات والأكاذيب، ويكون المقربون هم الذين يرون عري الإمبراطور بصورة لا تتوفر لسواهم من الناس. وبقدر ما كان السحر كليا، والإنجذاب كاملا، فإن النفور الذي يحل محلهما يقوى حتى يفوق الوصف والإحتمال.لا نملك إلا أن نتوقف هنا لنكشف في الحلقات المقبلة الآليات التي تسوق للترابي أن يقول أن حكمه الخاص هو حكم الله

تدعيم البنية السرية لحكومة الإنقاذ

إلى أين سيذهب هؤلاء؟
تدعيم البنية السرية لحكومة الإنقاذ
فترة دقيقة تقتضي يقظة عالية
الخاتم عدلان
مشاركة الحركة الشعبية في مؤسسات السلطة المركزية، بنسبة 28% ستؤدي إلى تغييرات ضخمة في البنية الحالية للإنقاذ. من الطبيعي أنه سينشب صراع حقيقي، من أجل البقاء، بين فئات الإنقاذ المختلفة. وربما يصل الصراع إلى درجة الشراسة الشخصية والفئوية التي أثبت الإنقاذيون أنها، عندهم، بلا حدود، ولا موانع، ولا عاصم من الأخلاق أو الشهامة. ولكن هذه الصراعات كلها لا ترقى إلى تهديد الوجود السياسي للإنقاذ، لأن أصحابها يعلمون أن بقاء الإنقاذ هو الحماية الحقيقية لهم جميعا، حتى وإن تفاوتت درجات هذه الحماية.التحذير من قبل السلطة، أو من غيرها، بأن هناك فئات إنقاذية أكثر تطرفا، يمكن أن تنقض على النظام، وتتحلل من إلتزامات السلام، وتعيد البلاد إلى المربع الأول، تهديد غير واقعي، وله مرام أخرى تخدم السلطة ذاتها. فمعركة السلطة مع جناح الترابي، والذي لا يمكن أن نقول بصورة مطلقة أنه أكثر تطرفا من الحاكمين، إنحسم أو كاد. فمراهنة الترابي كلها، كانت هي الإطاحة ببعض الرموز الحالية وتحميلها خطايا الإنقاذ خلال إثنتي عشرة سنة، والبداية من جديد، "وبراءة الأطفال في عينيه". وهي لعبة أجادها الترابي، بسلخ الجلد السياسي والتنظيمي، والفكري في بعض الأحيان، لتنظيمه، كلما تلطخ هذا الجلد بجرائم وخطايا لم يعد قادرا على حملها، أو لم يعد فعالا وهو يحملها. وبعد سلخ ذلك الجلد كان الترابي يعتزم، دعوة الجميع للعمل السياسي في إطار التوالي، أي في إطار الثوابت الإنقاذية، بعد أن يرفدها ببعض الدماء من رفاقه القدامى في المشروع الإسلامي. وقد كانت تحركاته تجاه الصادق المهدي وإجتماعاته به في هذا الإطار. والقصة بعد ذلك معلومة. ويمكن للترابي أن يعزي نفسه، وهو أحوج ما يكون إلى العزاء، بأنه نجح كمعلم نقل كل معارفه، وبحذق شديد، إلى تلاميذه، رغم أنه فشل كصاحب رؤية كان عليه أن ينتبه إلى القابلية الإنقلابية للشر وعلى أصحابه تحديدا. كما كان عليه أن يعي أن الفعل الإنساني دوار، كما قال لوسيان سيف، وأنه يعود على صاحبه بالخير إذا كان خيرا، كما يعود عليه بالشر إن كان شريرا، ويكون مضاعفا في الحالتين. وأن ذلك يحدث مهما طال الزمن. وفي ثقافتنا كثير من العبر في هذا الشأن بالذات.أقول أن الصراع مع الترابي إنحسم أو كاد، لأن الترابي كان يعتمد في تخطيطه على إنحياز كل مؤسساات السلطة إليه، في أي صراع يخوضه ضد مناوئيه. وهذا ما ثبت أنه خطؤه الأساسي. ولذلك وكلما تباعد العهد بين الترابي وبين مؤسسات السلطة، كلما قلت مقدراته بنفس هذه الدرجة على إسقاط السلطة أو حتى زعزعة أمنها. ويكفي أن محاولاته كلها، دحرت بمنتهى اليسر.هل معنى ذلك أنه لا توجد مهددات للسلام حاليا؟بالطبع لا. ولكن المهدد الأول للسلام هو السلطة ذاتها، وما مسلكها في دارفور وبورتسودان إلا شاهدا على ما نقول. ولا يعصم السلطة هنا عن السير إلى آخر الشوط في هذا التحلل، سوى العواقب الوخيمة التي تعلم أنها عائدة عليها دون ريب، محليا وإقليميا ودوليا.السلطة تحمل داخلها كل الفئات المتطرفة، وقد ظلت تستخدمها جميعا، في تقسيم للأدوار أثبتت فيه براعة غير عادية. وهذا هو موضوعنا في هذا المقال. فبعد أن تحتد الصراعات وتهدأ، فإن شريحة كبيرة من الإنقاذيين، من أجهزة الأمن، والشرطة، ومن الجيش، ومن الخدمة المدنية، ستفقد مواقعها في الحالية. فأين سيذهب هؤلاء؟لقد آن الأوان لنعكس السؤال الكبير للأستاذ الطيب صالح: من أين أتى هؤلاء؟ فنتساءل أين ستذهب هذه الفئات التي ستترك مواقعها في السلطة من الإنقاذيين العتاة؟الإجابة على هذا السؤال هامة جدا، بل محورية، في تشكيل السلطة خلال السنوات الست القادمة، وفي إستبانة أساليب عملها، والمخاطر الجديدة المحدقة بالحركة الجماهيرية، في صعودها المرتقب.الذين يقولون أن الذين يزاحون من السلطة سيغادرونها والغضب يفري أكبادهم، وسينضمون بالتالي إلى أي مشروع معارض ليقاتلوا من أجل إسترداد مواقعهم، لا يعلمون طبيعة الجبهة الإسلامية، أو يعرفونها ويريدون إخفاءها لشيئ في نفس يعقوب. فبعد أن تحسم عملية الخلع والتثبيت، بل وأثناءها، سيكون واضحا للجميع، أن المسألة لا تتعلق اساسا بالإبعاد النهائي،أو التخفيض أو الطرد، بل بتغيير المهام، والإنتقال إلى مواقع أكثر خطورة، ذات عائد مادي ومعنوي أكبر بما لا يقاس من الوظائف التي تركها هؤلاء وراءهم. أقول ذلك معتمدا على الشواهد التالية:من بين جميع القوى السياسية في السودان عرفت الجبهة الإسلامية بالبراعة غير العادية، في إستبقاء الصلات، مع مغادري صفوفها، بل وإسترضائهم وإرجاعهم في نهاية الأمر. وهو شيئ لا نجده لدى الأحزاب الأخرى. ولا اريد أن أخوض في الأسباب العصبوية والمافيوزية التي تجعلها تنجح في ذلك أو تجنح إليه، فهذا خارج نطاق مقالي.ظلت هذه السلطة تديرها هيئات سرية مثل المجلس الأربعيني، ومجالس الظل المختلفة، الأمنية والتجارية و الإجتماعية، التي تتحكم في كل مفصل من مفاصل الدولة، حتى أصبح ذلك طبيعة ثانية من طبائعها. بل إن حسن عبد الله الترابي، وعلي عثمان محمد طه، ظلا يحكمان من منازلهما، ومن خلال شبكات سرية، لسنوات عديدة في بداية الإنقاذ. هذه الظاهرة ما تزال موجودة، وإن باشكال ملطفة. وأعتقد أنها ستكتسب أهمية حاسمة في المرحلة المقبلة من مراحل الحكم الإنقاذي.الجبهة الإسلامية قدمت تنازلات في إتفاقيات نيفاشا تريد لها أن تكون التنازلات الأخيرة، على الأقل على مستوى المركز، وهي تعرف في نفس الوقت أن تلك التنازلات أضعفتها، وزادت من جرأة الحركة الجماهيرية ومقدرتها على التمدد والمواجهة. ولذلك فإنها تحتاج إلى أجهزة قمعية شرسة، وغير رسمية في نفس الوقت، حتى لا تتحمل مسؤولية أية مجازر ترتكب، أو خروق لحقوق الإنسان أمام المجتمع الدولي. أي تعميم مسألة الميلشيات غير الرسمية التي تنكر صلتها بها، حتى الآن في دارفور.وجود الحركة الشعبية كعنصر سياسي جديد، يطرح واجبات أمنية ورقابية، وتخريبية كذلك، لا يمكن الإضطلاع بها من مواقع رسمية، لشراكتها في الحكم، ومقدرتها على كشف مثل هذه الأعمال، ولذلك من المهم أن توجد قوة غير رسمية، تقوم بكل هذه المهام، مع إمكانية التملص من نتائج أعمالها، بل وإدنتها، من قبل السلطة، إذا لزم الأمر.وجود حركة الترابي كعنصر جذب محتمل للعناصر الخارجة يجعل مهمة إسترضائها وإستيعابها مسألة حياة أو موت بالنسبة للسلطة.لكل هذه الأسباب، ولغيرها مما لا يمكن حصره في مقال، فإنني أعتقد أن الذين سيغادرون السلطة، سيتحولون إلى هيئات موازية، أمنية، عسكرية، بوليسية، سياسية، إعلامية، دعائية وغيرها، تعمل تحت لافتات مناسبة، لتقوم بمهام لا يمكن للإنقاذ، التي تعاني من إزدحام بيتها، بل سررها، بوافدين غير مرغوب فيهم، أن تقوم بها مباشرة. وأننا سنشهد بالتالي إزدهارا خطيرا في الهيئات السرية ذات الوجود الشبحي والتي تؤثر في العملية السياسية بأياد خفية ولكنها شديدة الفعالية. كما سنشهد إنبعاثا جديدا للفترة الأولى من الإنقاذ، حينما كانت السلطة الجديدة، غير قادرة على الإفصاح عن هويتها الأصولية، لأمور تتعلق ببقائها. إن هذا الوضع، ولنفس الإعتبارات، يعيد نفسه من جديد.لا أستبعد بالطبع أن تنضم بعض الفئات إلى الترابي. لا أستبعد أن تكون جروح البعض النفسية أكبر من الرتق، وأن يقدم هؤلاء على خيارات غير متوقعة. ولكنني أعتقد أن الأغلبية الساحقة من المبعدين، وهذا هو المهم، سيجري توظيفها وفق التصور الذي وضعته هنا. بل إنني أملك شهادة بليغة على ما أقول، في تصريح أدلى به صاحب الغفلات السعيدة، السيد وزير الخارجية الحالي، الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل، إذ قال في مؤتمر صحافي يوم 14 يناير الماضي نقلته صحيفة الصحافة على الوجه التالي:(رد على اسئلة الصحافيين ، ليل امس، حول مطالبة الحركة الشعبية بتولي وزارة الخارجية ، قال ( أنا سعيد جداً بأن الخارجية ستكون من المواقع التي تشغر لمصلحة السلام ، مع العلم أنه سيتم البت فيها خلال شهرين بعد وضع الدستور وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية. واضاف أننا لن نتوقف عن العطاء ونعلم أننا سنغادرها ونعمل كأننا باقين)قال وزير الخارجية آأنه ليس غاضبا ولا مغضوبا عليه، وأنه راض وسعيد لأننا " نعلم أننا سنغادرها ونعمل وكأننا باقين"!يا للبلاغة المحكمة! يا للإقتصاد المدهش في كشف الأغوار! نغادرها ونعمل وكأننا باقين! هذه هي المسألة إذن؟وزير الخارجية سيكون هو وزير خارجية الظل، وسيستفيد، من صلاته المباشرة بالرئيس ونائبه الثاني، ومن علاقاته الإقليمية في تحجيم وزير الخارجية الجديد، وإحباط مشاريعه وتحويل حياته إلى جحيم، خاصة وأن ثمة دولا معينة مستعدة لمعاونته في ذلك لخدمة مصالحها غير الخفية. وسيحدث ذلك في كل الوزارات، وخاصة الزراعة والري والثروة الحيوانية والصناعة، إذا كانت من نصيب الحركة الشعبية. وأنا أتكلم هنا بافتراضات محضة. وهذا ما يجب على الحركة الشعبية أن تفكر فيه منذ الآن.ولكن المسألة الأهم هي الحركة الجماهيرية، وأجهزة القمع البديلة التي ستشكلها العناصر المبعدة. هذا هو الخطر الحقيقي. لأن هذه الفئات السرية، غير الخاضعة لأية رقابة، وغير المقيدة بأي قانون، والتي تتوفر لها إمكانيات هائلة، مادية ومالية وتقنية، وتغطيات مناسبة، من شركات وهيئات وتنظيمات، فضلا عما يتاح لها من المعلومات التي تتوفر للأجهزة الرسمية والتي ستنقلها بالتالي إلى هذه الأجهزة لاستغلالها بصورة غير رسمية، ستكون قادرة على ضرب الشعب في المواجع والمحزات والمقاتل.هل من الممكن أن تنتبه المعارضة، وهي مشرذمة بصورة تدعو إلى الأسف، إلى هذه المخاطر؟ وهل في إمكانها أن تبحثها بصورة جادة، مساوية لجدية السلطة في إبتداعها، وتصوغ على أساس البحث سياسات مقابلة، كفيلة برد أذاها أو جزء منه؟ هل هي قادرة، حتى، على تبين هذا الخطر؟أسئلة بالغة الأهمية تعتمد عليها حياة الناس وموتهم.وأنا لا أشمل في المعارضة، بطبيعة الحال، كل من يشارك في السلطة، وخاصة قوى ما كان يعرف بالتجمع الوطني الديمقراطي، لأنها ببساطة لا يمكن أن تكون سلطة ومعارضة في نفس الوقت. أقصد بالمعارضة تنظيمات قوى الهامش، ومنظمات المجتمع المدني في المدن، والأحزاب الصغيرة هنا وهناك، وحزب الأمة الذي أعلن أنه سيكون في المعارضة.وبالطبع فإن الخطوة الأولى في هزيمة هذه التوجهات هي كشفها، دون هوادة، ومتابعتها، وتوفير كل المعلومات المتاحة، عن مصائر هؤلاء الذي سيغاددرون صفوف السلطة غدا، ليحتلوا لهم مواقع أكثر مواتاة لضرب الحركة الجماهيرية، مع كل التغطيات التي تمكنهم من الإفلات من القصاص.أين سيذهب هؤلاء هذا هو السوال الهام الجديد

الترابي: قراءة في لوحة الشيخ السجين.. والسياسي الحر

الترابي: قراءة في لوحة الشيخ السجين.. والسياسي الحر
المحبوب عبد السلام *
اليوم 30 يونيو 2005 يعود الشيخ حسن الترابي الى ساحة الحرية والعمل السياسي في السودان بعد خمسة عشر شهرا قضاها في الاعتقال، وهو ذات اليوم الذي يوافي العام السادس عشر لحكم الانقاذ الوطني، أي التاريخ الذي شرع لعهد ذهب فيه الترابي الى السجن حبيسا وذهب فيه عمر البشير الى القصر رئيسا، وفقا لتعبير الشيخ الترابي نفسه في المؤتمر الصحفي الذي عقده في مقر حزبه ـ آنذاك ـ المؤتمر الوطني، وبعد قرار الرئيس البشير بحل المجلس الوطني التشريعي في 12/12/1999 .
ومهما تكن دلالات التاريخ المشحون بالذكريات والمفارقات فان السودان والشيخ الترابي وحكم الانقاذ يدخلون جميعا عهدا جديدا، مشحونا كذلك بالاحتمالات والتوقعات. فإذ تدخل اتفاقية نيفاشا للسلام حيز التطبيق الفعلي في التاسع من الشهر الجاري، يؤدي فيها الدكتور جون قرنق اليمين الدستورية نائبا اول لرئيس الجمهورية، فان اطراف الصراع والنزاع الممتد عبر تاريخ السودان منذ الاستقلال ستلتقي وجها لوجه في ساحة الخرطوم بعد غياب لعقد ونصف العقد سادت فيه اصوات الحزب الواحد وحكم الفرد، وهي القضية الرئيسية التي خرجت بها المعارضة من السودان ثم انشق بسببها الحزب الحاكم نفسه على نفسه.
إن قضية الحريات العامة وقضايا اللامركزية في الحكم هي محور طرح الشيخ حسن الترابي الذي شرعه داخل حزبه وحركته منذ منتصف التسعينات ولقي معارضة ورفضا من الشريحة القيادية العسكرية والمدنية آنذاك واضطره في العام 1998 الى التلويح بالاستقالة من منصب الأمين العام اذا أقر مجلس شورى الحركة الاسلامية قرار الهيئة القيادية بالنص في الدستور الدائم على حزب واحد هو المؤتمر الوطني، إلا ان مجلس الشورى أقر النص على حرية التوالي والتنظيم بأغلبية كبيرة. وقد فسر الترابي تصميمه على انقاذ الحريات بأنها اصول دينية عطلت اكثر مما ينبغي وان السودان اذا لم تبسط فيه السلطة اتحاديا فان الغرب سيتفجر والشرق سيتفجر، وهو ما اكدته الأحداث الماثلة حتى اليوم.
اما تفاعلات الاحداث وتطورات اليوم على جبهة دارفور والمعارك التي اندلعت قبل بضعة ايام في جبهة الشرق، والانتقادات الحادة التي وجهها الشيخ الترابي لوثيقة الدستور الانتقالي ـ الذي سيقر هذا الاسبوع من قبل المجلس الوطني ـ كلها تجعل البرنامج السياسي العام الذي تأسس عليه حزب المؤتمر الشعبي ماضيا وموجها لنشاط الحزب ونشاط الشيخ الترابي بوصفه امينا عاما له في الفترة المقبلة.
فما تزال الساحة السودانية ـ قبل اسبوعين من بداية الفترة الانتقالية ـ تشهد ضغوطا متزايدة من رقابة جهاز الأمن على الصحف وما تزال الحريات العامة منقوصة وما تزال عقلية احكام السيطرة على مقاليد الأمور كافة من مقاعد اتحاد طلاب في جامعة واحدة الى السيطرة على مقاعد مجلس الوزراء هي السائدة في الأوساط الانقاذية الحاكمة، فقد شهدت جامعة امدرمان الأهلية احداثا شديدة العنف من قبل موالين للحزب الحاكم حتى لا يخسروا مقاعد الاتحاد، وهو حدث صغير اذا ما قورن بتعثر مفاوضات القاهرة بسبب الخلاف على نسبة مشاركة التجمع الوطني الديمقراطي في السلطة الانتقالية، او جمود مفاوضات ابوجا بسبب خلاف شديد على اعلان المبادئ الذي سينقل مشكلة دارفور من الملف الانساني ووقف اطلاق النار الى الملف السياسي وهو ما يتعنت ازاءه المفاوض الحكومي، لأن أي نصيب يقسم لدارفور من السلطة سيخل بأغلبية الـ52% التي يعض عليها الحزب الحاكم بالنواجذ.
أمام الشيخ حسن الترابي اذاً قضايا تأكيد الحريات العامة وقضايا الحكم الاتحادي الحقيقي، وهي اجندة تستوجب تعبئة ساحة حزبه اولا عبر استئناف حملة البناء القاعدي أي مواصلة مؤتمرات الحزب القاعدية والولائية واكمال اجهزته وفق مناهج الشورى والانتخاب التي اكد عليها نظامه الأساسي، وثانيا ترسيخ التحالفات الجديدة للمؤتمر الشعبي، لا سيما بعد قيام ما يعرف بالتحالف الوطني الذي يضم اضافة الى حزب المؤتمر الشعبي وحزب الأمة اثني عشر حزبا آخر ومنظمة مدنية، اضافة الى جملة من العلاقات والتفاهمات امتدت منذ قيام المؤتمر الشعبي في يونيو 2000 الى حين لقاء الأمين العام للحزب الشيوعي الأستاذ محمد ابراهيم نقد قبل اسابيع.
تبقى هنالك ساحة شديدة الأهمية في نشاط الشيخ حسن الترابي وهي الساحة الاسلامية العالمية السياسية والفكرية التي يتوجه الترابي الى تركيز العمل فيها نحو ما يشبه التفرغ التام لها خاصة فيما يتعلق بحوار الحضارات والعلاقة بين الاسلام والغرب والاسلام والأديان الأخرى، بما يملك من مؤهلات خاصة لا تكاد تتوفر كثيرا لعلماء الاسلام ومفكريه اليوم.
إلا انه مهما تكن شدة التصريحات والمواقف التي يعبر عنها الشيخ الترابي فانه يظل مفكرا استراتيجيا، لا تصرفه واردات الاحداث وتقلباتها عن الغايات والأهداف الكبرى وهذه الميزة بالذات هي ما تتطلع اليها الجموع الاسلامية عامة والسودانية خاصة في خروج الترابي من المعتقل الذي اكمل فيه اليوم عشر عمره الممتد الى السبعين.
* ناشط بحزب المؤتمر الشعبي السوداني
نقلا عن الشرق الأوسط

الترابي: سجين أجاد توظيف السجن بدرجة الا

الترابي: سجين أجاد توظيف السجن بدرجة الامتياز
سؤال اللحظة.. يستدير ليصادق ساجنيه وخصومه ثم ينقلب عليهم.. هل يفعلها هذه المرة؟ لندن: حسن ساتي
يظل حسن عبد الله الترابي (74 عاما، من مواليد مدينة كسلا في شرق السودان ووالده الشيخ عبد الله الترابي عالم إسلامي)، رقما سياسيا لا يمكن تجاوزه في خريطة السودان السياسية، وربما بنفس الدرجة في خريطة المنطقة العربية والإسلامية، على خلفية حالات التماس والحراك التي تعيشها حركة الإسلام السياسي من ايران الى ماليزيا والجزائر ومصر وتونس والأردن وفلسطين واليمن، بل وعلى خلفية علاقات تنظيمه، أي الترابي، بتنظيمات الإسلام السياسي المتطرفة، وقد آوى السودان أسامة بن لادن لسنوات، الى أن سمح له بالتراضي بالمغادرة الى أفغانستان في 1996، التي دبر منها هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001، على برجي مركز التجارة الدولي بنيويورك لاحقا. ( الترابي هو مهندس المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي وقد أسسه في مايو (ايار) 1991 بعد غزو صدام حسين للكويت، الذي ضم قادة الإسلام السياسي في العالم العربي، فيما ظلت الخرطوم مقرا له الى أن جمد نشاطه الرئيس البشير على خلفية الصراع الذي نشأ بينه وبين الترابي، في ما عرف بصراع القصر والمنشية في 1999، والذي قاد لاحقا لحل البرلمان السوداني الذي يترأسه الترابي وتجريده من منصب أمين عام حزب المؤتمر الوطني الذي يرأسه البشير في 12 ديسمبر (كانون الاول) 1999على خلفية تبني الترابي لمشاريع قانونية يقلص بموجبها سلطات الرئيس البشير بإعطاء الأقاليم حق انتخاب الولاة وتعيين رئيس وزراء بصلاحيات جديدة)، بل ان السودان استضاف الإرهابي كارلوس لسنوات في عقد التسعينات أيضا الى أن سلمه لفرنسا من دون علمه في 12 أغسطس (اب) 1994، حيث نقل من المستشفى الى باريس بطائرة فرنسية في رفقة قادة المخابرات الفرنسية ليحاكم بالسجن هناك.
ولم يكن السجن أو الخروج منه أمرا جديدا أو عابرا في حياة حسن الترابي السياسية عبر 40 عاما، فانقلاب 25 مايو 1969 زج به في السجن لست سنوات، ليغادر بعدها الى ليبيا وليسهم في تأسيس الجبهة الوطنية المعارضة مع الصادق المهدي والشريف حسين الهندي، لنظام جعفر نميري (الهندي توفى بنوبة قلبية في 1981 بفندق امباسدور بأثينا، فيما صالح الصادق المهدي نميري بعد لقاء على ظهر سفينة بميناء بورتسودان عام 1977 لتنخرط الجبهة الوطنية المعارضة في برنامج مصالحة، تملص منه المهدي لاحقا، فيما واصل الترابي وتقلد مناصب كثيرة أبرزها حقيبة النائب العام التي صاغ منها قوانين سبتمبر 1983 الإسلامية، التي أسهمت مع تقسيم الإقليم الجنوبي إداريا في تأسيس العقيد جون قرنق للجيش الشعبي والحركة الشعبية لتحرير السودان في 15 مايو 1981 ( الترابي عاد ووقع عبر مندوبين من حزبه على مذكرة تفاهم مع حركة جون قرنق في 19 فبراير (شباط) 2001 بجنيف، وأوضح أسبابها في مؤتمر صحافي بعد يوم واحد، ليعتبرها نظام البشير بمثابة الانقلاب ويودع الترابي السجن بعد يومين في 22 فبراير، وكان قبلها قد التقى الصادق المهدي المعارض في جنيف في 1998 في خطوة استبطنت محورا من خلافاته مع محور البشير ـ علي عثمان، التي لم تكن قد خرجت الى السطح فانفجرت بقرارات ديسمبر 1999 سالفة الذكر).
وعودة لمسيرة الرجل مع نظام جعفر نميري، فقد استدار واعتقل الترابي مع كل قادة حركته الإسلامية في مارس (اذار) 1985 بتهمة التآمر، ليسقط النظام بانتفاضة 6 أبريل بعد أقل من شهر على اعتقال الترابي، فخرج مع جماعته بعفو من المشير سوار الذهب، رئيس المجلس العسكري المؤقت ويؤسس، أي الترابي، الجبهة القومية الإسلامية ويخوض بها انتخابات 1986 البرلمانية موظفا سجن نميري له سياسيا لتفاجئ الجبهة القومية الإسلامية خريطة السودان السياسية بحصدها لـ 52 نائبا برلمانيا بفارق مقعدين عن الحزب الاتحادي الديمقراطي ثاني أكبر الأحزاب السياسية السودانية مع حزب الأمة، فيما لم يفز مسمى الحركة الإسلامية السابق «جبهة الميثاق الإسلامي (أسسها الترابي في ستينات القرن الماضي) سوى بمقعدين فقط في انتخابات 1964 و1968 البرلمانيتين.
ولكن الترابي عاد وانقلب على التجربة الديمقراطية الثالثة وعلى حكومة الصادق المهدي شقيق زوجته (وصال المهدي)، مثلما انتقل بمسمى الجبهة القومية الإسلامية الى «حزب المؤتمر الوطني»، ليؤسس لاحقا «حزب المؤتمر الشعبي»، الذي يرأسه على خلفية قرارات ديسمبر 1999 التي جردته من منصب الأمين العام وحلت البرلمان الذي يرأسه، ليتوالى التصعيد بينه وبين المؤتمر الوطني، فيحيله من سجن 22 فبراير 2001 في 13 اكتوبر 2003 الى الإقامة الجبرية في منزل بحي كافوري بالخرطوم، وقد أضرب خلالها عن الطعام عدة مرات احتجاجا، الى أن أعيد للسجن هذه المرة في 30 مارس 2003 بتهمة المشاركة في عملية انقلاب كانت رواياتها قد جاءت على خلفية انفجار قضية دارفور، لتتهمه الحكومة السودانية وحزبه بأنهما وراء تكوين ونشاط حركة العدل والمساواة كجناح عسكري للمؤتمر الوطني.
مجمل تلك اللوحة بتفاصيلها الدقيقة تلك، يوحي بأن الترابي قد نجح في توظيف السجن سياسيا لصالح النقلات الدرامية التي يظل يقودها في شكل ومسميات ومضامين الحركة الإسلامية التي أعطاها من جهده وفكره ما يقارب النصف قرن من الزمان، فمن سجن نميري وعودته لمصالحات، تأسست مصارف ومؤسسات اقتصادية إسلامية رفدت الجبهة القومية الإسلامية لاحقا، ومن انقلاب يونيو (حزيران) ترسخت تلك المؤسسات أكثر، فهل يستطيع أن يوظف سجنه الأخير لجهة سياسية بعد أن جرده خصومه من ريع كل تلك الصروح المالية التي أسهم في إنشائها؟
الإجابة صعبة اعتمادا على حقائق ومستجدات كثيرة، لم تكن معها ساحة السودان السياسية داخليا على مثل هذا المستوى من السيولة الساخنة والقابلية القائمة على التأرجح، فيما توشك البنية التحتية والفوقية لفضاء السياسة السودانية الحالية إقليميا أن تقول إن النوافذ أمام أي تحرك للترابي بشخصه أو بحزبه توشك أن تكون مغلقة، دعك عن بقية العالم، وذلك بعد أن سوق خصومه استداراتهم السياسية الأخيرة، وتوجهاتهم الإيجابية في التأسيس لسودان جديد، كما لو أنها ما كان لها أن تحدث في وجود حسن الترابي شريكا، وذلك قد يصدق في ناتجه، وإن مؤقتا، إقليميا ودوليا، ولكن ماذا عن الجبهة الداخلية؟
يكفي لتبرير قتامة الصورة القول ببعض حيثيات وإلقاء أسئلة أكثر من تقديم أجوبة.
هل سيجد الترابي خطوط تماس مع جون قرنق (والترابي أول من حاوره بعد الانشقاق ودخل السجن بسبب مذكرة التفاهم معه)، بعد توقيع قرنق لاتفاق سلام مع المؤتمر الوطني اقتسما بموجبه السلطة بنسبة 25 الى 28 تاركين لكل الأطراف الأخرى في الشمال 14 في المائة؟
هل سيعيد تحالفا بأي شكل مع الصادق المهدي (والترابي بدأ مشوارا كهذا بمحادثات جنيف).
هل سيدمج نفسه مع التجمع الوطني المعارض ليجمع بينهما واقع التهميش في مسار عمليات السلام وتبعاتها الحالية؟
هل سيحاول، وإن مضطرا على ركوب الصعب، مخاطبة قضية دارفور بلغة جديدة بكل التعقيدات التي يمكن أن تصاحب ذلك، وهل سيحاول الاقتراب من حركتيها المعارضتين وكلاهما يحمل السلاح في وجه النظام؟
هل سيقتحم الساحات الطلابية ويستعيد سنوات أكتوبر 1964 التي كان فيها فاعلا في قيادة طلاب جامعة الخرطوم لثورة أسقطت نظام الفريق إبراهيم عبود 1958-1964، وهل سيحاول إعادة سيناريو مارس أبريل 1985 الذي انطلقت شرارات انتفاضته من جامعة أم درمان الأهلية احتجاجا على اعتقاله مع معطيات أخرى؟
هناك أسئلة أخرى كثيرة تضيق عنها المساحة، ومن مجمل الأسئلة يوحي بأن خروج الشيخ من السجن هذه المرة لن يكون بأي حال نسخة مكررة من النسخ الماضية، أقلها بسبب أن مياها كثيرة قد مرت من تحت الجسور كما يقال.
نقلا عن الشرق الأوسط

what Dr Turabi really said

وتناول الدكتور الترابي في الندوة مكانة المرأة في الاسلام داعياً الى تحرير المرأة للمساهمة في التعمير وجدد الترابي طرح ارائه الفقهية المثيرة للجدل بجواز امامة المرأة وصحة زواج الكتابي من المسلمة.. السيد مبارك الفاضل المهدي تحدث عن التحديات التي تواجه البلاد داعياً الى عقد مؤتمر جامع تشارك فيه كل القوى السياسية بما فيها الحركات المسلحة لمعالجة ازمة الحكم في البلاد والاتفاق علي تشكيل حكومة قومية ذات قاعدة عريضة الى حين قيام الانتخابات وفيما يلي تفاصيل الندوة:
-متابعة : صلاح قسم السيد : محمد الحلو
الدكتور حسن عبد الله الترابي الامين العام لحزب المؤتمر الشعبي
:نبدأ قصة الحياة بذلك نبدأ المقال سائلين عن نصر الله سبحانه وتعالى على الصراط المستقيم كل اعمالنا واقوالنا فلذلك اذا بسطنا ذكر الله نبدأ بالله والتحية لله اولاً تحياتي ازكى والاولى هي لله نسبحه ونكبره تكبيرا ثم تحياتي للذين تلوا قبلنا بآيات الحياة فبلغوا الرسالة فدعوا دعوة وتلاوة ونصبوا انفسهم قدوة لنا لنسلك علي سنتهم على صراط المستقيم وتحياتي من بعد الانبياء عليهم السلام لكم اخواني واخواتي السلام عليكم ورحمة الله بركاته وكان ينبغي ان اقلب عادة عرف الكلام فاقول اخواتي اخواني لان الحديث مصوب إليهن اولاً وإلينا من وراء ذلك ، الله سبحانه تعالى كما تعلمون خلقنا من نفس واحدة ما كان كما يحسب كثير من الناس ما كان هي ادم النفس الواحدة فما خلقت منها حواء كما تتوهم بعض الروايات الاسرائيلية فالتي كانت في النفس الواحدة تجمع الذكور والاناث معاً كما ما في ذلك ما تجمعه في كثير من النبات والحيوان وخلق منها زوجها بعد ان افترق الذكور والانوثة والذي خرجت من اصل نصف آدم والذي بقى في الاصل ، بعداً اسمي حواء كمثل ادم كمثل عيسى كذلك خلق الله من ام لا من أب فالنفس الواحدة كانت هي الام ولا تزال الى يومنا هذا والناس ينسون ذلك اصلاً ان اصل الحياة هكذا اقول ذلك لان بني انسان اذا ضربوا في عالم الشهادة هكذا ونسبوا الى الحد من الله سبحانه وتعالى كيف خلقوا وكيف يهدون وكيف يقوم عليهم ميزان العدل بين المستضعف فيهم والمستكبر اذا فعلوا ذلك دائماً في المواجهة بين النساء والرجال يغلب الرجال على النساء ذلك لأن الله فضّل بعض مرحلة على بعض .. الله قال فضل ما قال فضلهم عليهن قال (فضل بعضكم على بعض) فضلهن علينا في وظائف يقمن بها من ولادة البشر وتربية فلذلك فضلهن علينا وفضلنا عليهم بأن اذ نعطيهن الى هذه المهمة الاعلى والاعز والاكرم لان الله كرم بني آدم نحن نقف في الحياة لنأتي ونقوم عليهن وعلى ابنائنا ننفق ونقدم حاجات الحياة والمعاش عليهن ولكن طبعاً تغلبت كل الموازين طبعاً لانه غالباً اذا تراعي التفاسير راح ترفع المرأة التي خلقت من ضلع آدم وهذا خطأ منكر إن المرأة خلقت من ضلع اعوج ليس اصله اعوجاً الضلع اصله ملتف ولو لم يكن ملتفاً لما تنفس اصلاً لأن به عضلات اذا اتسعت يتسع الصدر حتى يتلقى الهواء واذا انقبضت كما تنقبض العضل كذلك تنقبض كله حتى يخرج الهواء الذي تخرجه فقال انهن على هذه الطبيعة وهذا النهج لا تذهبوا انتم بأوهامكم تحسبون انه ينبغي ان يقاومن هكذا فاذا قاومتهن تكسر الضلع فاذا كسرت الضلع على الانسان افسدت عليه نفسه كله.. لكن الاسرائيليات تجدنا اخذناها لانها قديمة اصلاً لكي تنسى الناس الهدي من الله ، الرجال تعطفوا عليهن وعزوا عليهن كذلك بحاجات المعاش وهن في حاجة اقرب من هذه ولا يخرجن ارباح المال ولا يخرجن اذا كن من رعاة صغار الاغنام ولكن يخرجن البشر وتاريخ البشرية كان دائماً الاعراف تحكم وتسود المجتمع تماماً تقليداً لازماً فلذلك كان الحكم قديماً غير راشد بل قدراً ولا يسأل عن من هو الاذكى من الذين ليسوا كذلك حتى على الجهة الحاكمة او يكون قهراً يضرب الله له المثال بفرعون وجنوده عسكرياً يعني بقوة السلاح هو الذي يقع على الناس ويقول المرء اذا تلقى الحكم وراثياً لماذ اجتهد واعمل وارشد وانفرد دون الآخرين وكان الحكم في السابق ليس مشاركة بين الناس وكل ذلك الحكم دون رشد واستبداد مطلق واحياناً تلد بنت حاكم لا يرث غيرها وينسبون الحكم الى ابن عمها ولكن تفلت في بعض الاحيان.. اما الكنائس لا تكون المرأة حاكما الا ان تكون راهبة تحجز بعيدة عن الناس مع الراهبين والطبقة هي الطبقة الحاكمة.وقال الترابي يعتقد الناس ان حواء هي التي فتنت سيدنا آدم عليه السلام وحطت به على الارض فنلقي عليها اللوم هكذا كان المجتمع يفكر والزواج كان اسرا وليس عقدا والمال لا يملّك ابداً للنساء والمسؤولية اذا جنت جنية لا تؤخذ عليها واذا قتلت لا تقتل ، والحكم بدأ يرشد في التطور المادي والبرجوازية وبدأت النهضة العلمية بالتحرر من الكنيسة والتقاليد وهذا كان متأخراً جداً وعندما بدأت الديمقراطية والترشيح آخر من كسبت هي المرأة وفي القرن الماضي بدأ حق التصويت للمرأة وآخر الناس باعطاء حق المرأة هي سويسرا واما في الجاهلية قبل الاسلام كانت توأد البنت ويريدون الاولاد للقتال والزواج ليس عقداً ويورث مالها والتعليق ولا ترث اموالاً وجاء الاسلام ووضح انها خلقت مع الرجل من نفس واحدة وفي الايمان لا تتبع زوجاً او رجلاً اصلاً.. وهي سواء مع الرجل وكثير من المؤمنات سبقن ازواجهن بالاسلام وعمر بن الخطاب اخته هي سبقته الى الايمان والاسلام جعل الزواج عقدا بين الرجل والمرأة وأن المالكية لديهم فتوى بأن البنت البكر مجبرة ولكن هي في الاسلام صاحب العقل وهي اصيلة وانا اتيت بها وجاء الاصيلان شهوداً كذلك وبعد ذلك تسامحت بشئ ما علي الشهود والمبادرة قد تأتي منها وهنالك امرأة وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم وبنت شعيب قدمت لابيها خير من استأجرت القوي الامين فهي التي قدمته لابيها وزواجه معه ليقضيا معاً اكثر من عشر سنين والى حد قريب لم يكن هنالك طلاق للمرأة الا بعد ان رجع الناس الى السنة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة وقالت له إن ابي زوجني من ابن اخيه وانا كارهة وقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا زواج باطل وقالت انا قابلة ولكن اكره الجبر ، وربنا جعل دستور المساواة بين الرجل والمرأة.واضاف الترابي إن اول شهيد في الاسلام امرأة وليس رجلا واول المهاجرين امرأة واول الشورى في الدنيا كان زمن الصحابة وصوت النساء والرجال في اختيار الخليفة بين سيدنا علي وسيدنا معاوية ولكن بعد ان تمددت الدولة الاسلامية فأصبحت الشورى غير ممكنة نسبة لعدم وجود وسائل الاتصالات وغيرها والرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة لم يصل الناس كافة بل ارسل رسائل لبعضهم والعلماء وصلوا مستويات ولم يصلوا كافة المستويات والرسول صلى الله عليه وسلم ارسل لكافة الناس وكذلك نجد القرون الوسطى كانت عهد الظلمات بالنسبة للنصارى ولم يحكموا بالديمقراطية الا بعد ان فصلوا الدين عن الحكم والربانية والرهبانية مع الحكام وفي هذا البلد وقع ذلك بجواز الربا ونجد ان العرب اقتتلوا لاكثر من 40 سنة في ناقة فقط لجهلهم بالدين.واوضح الترابي الفرق بين الخمار والحجاب وقال ان الحجاب هو ستار داخل المنزل وقال ان تجربة الغرب بالزيارات والصور وهي الآن اصبحت غالبة علينا ويمكن ان ندخل حركة تحرير المرأة بدعوي تحرير المرأة في الغرب في بعض الدول العربية ولم تدخل الى السودان بل حصلت صحوة اسلامية وتجديدات جهادية.وقال د. الترابي انا لست سنيا او شيعيا وكنا حتي زمن قريب نحشد النساء للحشد فقط وهن لسن قائدات والآن انفتح الامر شيئا ما من الاستقلال وثورة اكتوبر ولقد سبقتنا العرب العاربة وكانت النساء تفلت في الانتخابات في بعض الاحيان ، وقال ان هنالك جهات سياسية لا تعطي المرأة حقوقها وتعطيها بالواسطة ولم تأخذ حقها بالشخصية الاعتبارية ومن المفترض ان يكون خُمس المناصب التنفيذية والتشريعية للنساء في الاحزاب السياسية والتجمعات في المسؤوليات المختلفة فنجد ان السيدة عائشة رضي الله عنها تعلم في الطب والشعر اكثر من الرسول صلى الله عليه وسلم وتعلم في الدين اكثر من الرجال..وقال د. الترابي إن الدستور السابق الذي الغى كان يعطي المرأة نسبة 25% من النائبات في المجالس التنفيذية والتشريعية وعندما سألتهم عن الغاء نسبة النساء قالوا لي والله الحكاية دي فلتت منا ، والآن حاولوا يستدركوا بالتعيين والتعيين بالنسبة لي لم يكن جيداً ومن الافضل ان يعطي الدستور النساء حقهن والمنهج الاوفق تعمل بكل الدوافع وامور الدنيا.وجدد د. الترابي مطالبته بجواز امامة المرأة في الصلاة وقال ان الرسول صلى الله عليه وسلم امم امرأة وقال لها اجعلي دارك صلاة وان الدار ليس البيت فمثلاً دارفور ودار حمر واذاكانت اعلم الناس فتقدم للصلاة ويجوز للمرأة ان تصبح قاضية والقرآن لم يقل شهادتها المرأة ناقصة ولكن ناقصة في التجارة وتستشهد في المسائل المتعلقة بالنساء فنجد ان شهادتها ارجح من شهادة الرجل وشهادتها هنا افضل من اربعة رجال وشهادتها نصف في التجارة..وقال د. الترابي يجوز زواج الكتابي من المسلمة وطالب بدخول النساء الى البرلمان وقال ان النساء ارحم من الرجال واضاف النساء لسن بالعدد بل بالكم وشجع عمل النساء وان المرأة بدون عمل اخطر على المجتمع لانها تهتم بالزينة والاشياء الباطلة وان الاحزاب لم يكن لديها برامج عند الاستقلال فلا بد من انخراط المرأة في العلوم السياسية والحكم وقيادة الاحزاب ونحن بذلك لا نريد ان يكون كل هم المرأة التزين والتطيب والعمل في البيوت ونجد ان المجتمع الامريكي خير من المجتمع السوداني في عمل المرأة وتقدمها.وانتقد د. الترابي الحكم في السودان قائلاً الآن الحكم في السودان غير راشد ونسأل الله سبحانه وتعالى وليس بالاماني فقط بل بالعمل الصالح واصلاح الديمقراطية لان الدولة مبنية على حرية الناس والكل يعمل علي شاكلته وعلى مبدأ ان تكون الشورى بين الناس ولا تكون السلطة فى يد واحدة وقال لا يمكن ان نؤسس عملاً الا بالدين ولا بد من محاسبة الحاكم على كل اعماله وافعاله ويسأل عن كل صغيرة وكبيرة والآن اصبح الفساد يستشري في كل البلاد ولا بد ان نصلح المجتمع في مسألة الزواج والتعليم والحياة العامة والمناهج التي تمكنت اذا جاء الحكم الراشد وليس بشراء الذمة وتدخل حملة الانتخابات والنساء عاملات في شتى مناحي الحياة ونبدأ اصلاح الحياة من النفس الواحدة والحكام لم يصلحوا ولا بد من صلاح المجتمع لانه به تصلح الحياة في كل مناهجها..

دولة الملفات الطائرة

دولة الملفات الطائرة
ALHINDI IZIDIN
خلال زيارة رسمية لإحدى العواصم العربية، وداخل الصالون الرئاسي، إنفرد (الزعيم) العربي بالشهيد اللواء «الزبير محمد صالح» نائب رئيس مجلس قيادة ثورة «الإنقاذ» وهمس في أذنه : (لماذا لا تطيحون بالترابي؟!) أو هكذا كان حديث التحريض، الذي أعقبته مطالبة (واضحة) بضرورة إقصاء الشيخ «الترابي» عن دائرة (قيادة) الفعل السياسي للنظام الوليد ..!! الدعوة الخبيثة كررها أكثر من زعيم عربي في أكثر من عاصمة عربية، وإستمع إليها قادة (الإنقاذ) العسكريون بأدب، غير أنهم كانوا يسخرون منها في قرارة أنفسهم، وهم يمارسون (التقيَّة) في زمن الحصار الشامل ..!!
نعم.. عاد الشهيد «الزبير» إلى الخرطوم وحكى قصة الطلب (المضحك) - وقتها - للرئيس البشير وللشيخ «الترابي» - نفسه - الذي ضحك حتى بانت نواجزه !!.. لماذا إذن كانوا وما زالوا يطالبون بإقصاء «الترابي»، ويشعرون بالأمان كلما قيّدته الزنازين وقرارات الإقامة الجبرية ؟!.... *
حال الحكومة هذه الأيام، يكشف لنا الأسباب الحقيقية وراء (حالة الهلع) والخوف التي كانت تعيشها تلك الأنظمة والحكومات من «القاهرة» و«طرابلس»، و«أبو ظبي» و«أسمرا»، وإلى «واشنطن» بسبب وجود «الترابي» على منصة (الحكم السياسي) في السودان طوال عقد التسعينات من القرن المنصرم. * الملفات (السودانية) أضحت - هذه الأيام - تسابق طائرات «سودانير» في السفر إلى العواصم القريبة والبعيدة في رحلات دائرية ومستمرة !!...*
ملفات السياسة السودانية صارت تشبه خارطة خطوط الطيران، فهناك خط (الخرطوم - القاهرة - الخرطوم) وهو خط مفاوضات الحكومة والتجمع التي لم تنته بعد
وهناك خط (الخرطوم - أسمرا - طرابلس) وهو خاص بمفاوضات شرق السودان التي لم تبدأ بعد بسبب تكالب الوسيطان الليبي والأريتري على مقعد (قيادة الوساطة)
أيضاً هناك خط (الخرطوم - إنجمينا - أبوجا) وهو معني بحوار الطرشان بين الحكومة ومتمردي دارفور
أما خط «الخرطوم - نيروبي» فقد توقفت رحلاته - مؤقتاً - بتوقيع إتفاق السلام الشامل، لكن تواتر علاقة الشريكين تشير إلى إمكانية تنشيط عمل الخط الذي يسلكه الجنرال «سيمبويو» وسيط السلام الأشهر!!
وهناك خط فرعي بين (الخرطوم وطرابلس) تم تنشيطه - بالأمس فقط - بإسم الوساطة الليبية لتسوية الخلاف السوداني - التشادي !!
وخطوط قصيرة كانت تربط الفاشر بأبشي التشادية، والجنينة، بإنجمينا حيث مفاوضات «الشريف بدر» و«حسن برقو» مع فصيل (تشادي) إسمه (الإصلاح والتنمية) والهدف كان (سودنة) الفصيل ثم الإتفاق معه على وقف إطلاق النار!! الفصيل المذكور تبنَّى قبل أيام عملية قصف الجيش (التشادي) للأراضي السودانية !! ولا عزاء لمولانا «الشريف ود بدر» والأستاذ «حسن برقو» (شقيقه يعمل مستشاراً صحفياً بمكتب الرئيس إدريس دِبِّي)
هناك خط آخر ما بين «كمبالا» و«جوبا» بحثاً عن قائد جيش الرب
ولابد أن هناك خطوط أخرى - لا نعلمها - تسلكها المخابرات الأمريكية والفرنسية، والليبية، والأريترية والمصرية، والأوغندية، والتشادية، والنيجيرية بحثاً عن دور (فاعل) في تحريك وإدارة الملفات السودانية تحت لافتة الوساطات النبيلة
والشيخ «الترابي» ليس نبياً، ولا ساحراً، ولا تتلبَّسه (روح القدس) !! ولا يدِّعي أحدٌ عاقل أن الترابي بلا اخطاء أو هفوات، أو أنه غير قابل للحساب والعتاب، غير أنه كان - وما زال - يتميز بشيء واحد يحتاجه السودان - جداً - هذه الأيام والشيء هو أن كل هؤلاء (الوسطاء المزِّيفون) يهابونه ويرتجفون عند مجالسته، وبالتالي، لا يستطيعون خداعه !!
وكل هؤلاء يمارسون - الآن - الخديعة مع حكومتنا الرشيدة، وحكومتنا تستجيب

كتيب الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة بالسودان بشأن الترابي

كتيب الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة بالسودان بشأن الترابي غلاف الكتيب أصدرت الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة في السودان كتيبا حصلت موقعنا على نسخة منه، أوضحت فيه موقفها الشرعي من الفتاوى المثيرة للجدل التي أصدرها الزعيم الإسلامي الدكتور حسن الترابي. وفيما يلي تفاصيل الكتيب: الحمد لله مؤيد الحق وناصره، وداحض الباطل وكاسره، ومعز الطائع وجابره، ومذل الباغي وداثره، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائل في أعظم ما أنزله من صحفه ورسائلِه :(وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) [الأنعام : 55] ونصلي ونسلم على سيدنا محمد، عبده ورسوله، خير داعِ لله وسائله، المعصوم القائل فيما صح من أنبائه وزواجره: ((يكون في آخر الزمان دجالون كذابون، يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم، لا يضلونكم ولا يفتنونكم)) رواه مسلم (7). أما بعد:
فقد ثارت حمية الغيرة على حياض دين الله العظيم، لدى عامة المسلمين وخاصتهم من أهل العلم والدعوة إلى الإسلام، لما بلغهم عن الترابي، من قوله في مقابلة أجرتها معه صحيفة الرأي العام السودانية (العدد 3062) بتاريخ: 11/ 3/2006م ) حيث صرح قائلا: "الخمر لا تصبح أمر قانون إلا إذا تحولت لعدوان"، ولما بلغ عنه قبل هذا ببضعة أشهر -في محاضرة ببورتسودان؛ التي نشرتها صحيفة ألوان (بتاريخ 29/12/2005م)- من إنكاره نزول المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام في آخر الزمان، ووصفه شروط الإمامة التي أجمعت عليها الأمة بأنها "شروط منحطة" و"سخيفة"!!، وقوله بجواز إمامة المرأة الرجال في الصلاة!! وزاد على ذلك في ندوة له بدار حزب الأمة (صحيفة الحياة والناس، بتاريخ 9/4/2006) وقال: " إنه للرجال والنساء الصلاة معا ولكن دون إلصاق"! ثم أكد ما يقوله من قبل "بأن المسلمة يجوز لها الزواج من كتابي" (في مقابلة قناة العربية بتاريخ 11/4/2006م). إلى غير ذلك من الأباطيل والهرطقيات، والرجل له شهوة جامحة بالوقيعة في أصول دين الله رب العالمين، الذي به يعتز المؤمنون، وعن بيضته ينافحون، وليست هذه أول بوائق الرجل ومصائبه، بل هنالك ما هو أنكى وأشد، أعلنها من قبل في عقوده الماضية، ثم عاد يجترها من جديد في عجافه الحاضرة، مثيرا بها نقعاً وعجاجاً أشبه باضطراب الموتور أو المذبوح، مع ما في إثارة تلك الزوبعة من صرف الأنظار عن قضية القضايا وأصل الأصول التي يحاول أعداؤنا العبث بها، ألا وهي طمس هويتنا الإسلامية بتكريس صنم العلمانية.
ولما كان الواجب على أهل العلم والدعوة إلى دين الله القيام ببيان الحق، ونصح الخلق والأخذ على كل ((ساع إلى فتنة)) لكي لا يتسع الخرق، ويعسر على المصلحين الرتق. وتلك مهمة العلماء من أهل الإسلام في كل عصر ومصر، تبصرة وتجلية لأنوار الهدى، وقياما بالمحجة بين الورى، كما قال المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين )) رواه البيهقي في السنن الكبرى 10/209. ومن الجدير ذكره أننا ما نذكر قولاً من أقواله إلا ولدينا المصدر الذي اعتمدنا عليه، مما هو في شريط بصوته منطوق، أو صحيفة وكتاب ثابت عنه مقروء:
أولاً: استباحته الارتداد عن الإسلام، وإنكاره إقامة الحد على المرتد:
يرى الترابي أن من حق أي مواطن في دولة الإسلام تغيير دينه إذا اقتنع بغيره، يقول في مقابلة له مع جريدة المحرر اللبنانية (العدد: 263، آب 1994): "حتى إذا ارتد المسلم تماماً وخرج من الإسلام ويريد أن يبقى حيث هو، فليبق حيث هو. لا إكراه في الدين.. لا إكراه في الدين.. وأنا لا أقول إنه ارتد أو لم يرتد فله حريته في أن يقول ما يشاء، شريطة ألا يفسد ما هو مشترك بيننا من نظام". ويقول أيضاً:
"وأود أن أقول: إنه في إطار الدولة الواحدة والعهد الواحد يجوز للمسلم كما يجوز للمسيحي أن يبدل دينه.. أما الردة الفكرية البحتة التي لا تستصحب ثورة على الجماعة ولا انضماماً إلى الصف الذي يقاتل الجماعة كما كان يحدث عندما ورد الحديث المشهور عن الرسول r، فليس بذلك بأس يذكر، ولقد كان الناس يؤمنون ويكفرون، ثم يؤمنون ويكفرون، ولم يطبق عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم حد الردة"، ولهذا لما سئل الترابي عن فتوى ردة (سلمان رشدي) صاحب كتاب (آيات شيطانية) قال الترابي:(هذه الفتوى لا تمثل أكثر من رأي فقهي) صحيفة الأنباء بتاريخ 24/1/1998م . ويقول منكرا حد الردة، بإفك وكذب: ((أولا: لم يأمر النبي مطلقا بقتل أي شخص ارتد عن الإسلام، ثانيا: هناك حديث واحد فقط يخرج عن بقية السياق يقول: (من بدل دينه فاقتلوه).)) صحيفة الأنباء بتاريخ24/1/1998م.
ويسأل بعدها في ذات الصحيفة: إذا قامت دولة إسلامية أو جماعة من المسلمين بقتل مرتد، هل هذا حلال ومباح في نظر الإسلام؟ فأجاب: "هذا ليس عدلا"! بل شنع أكثر من هذا فقال: "هذا السلوك يعود بنا إلى أوروبا في القرون الوسطى"! وفي إشارة منه إلى عدم احترامه للمصادر الشرعية يقول: ".. وهذه لا تحتاج إلى الرجوع إلى قول فلان ورد فلان على فلان. حرية العقيدة أصل من أصول القرآن، لكن أكثر المسلمين انقطعوا عن أصولهم تماماً، وبدؤوا يأخذون عمن أخذ عمن أخذ عمن أخذ من الأصول!! وهذه واحدة من ظواهر التخلف عن دواعي الدين ".
إن الترابي بأقواله في الردة عن الإسلام قد ارتكب جرمين:
أحدهما: إباحته الردة عن الإسلام، وهذا صريح في قوله "وأنا لا أقول إنه ارتد أو لم يرتد فله حريته" وقوله: "يجوز للمسلم كما يجوز للمسيحي أن يبدل دينه" وهذا فيه استباحة لما ثبتت في القرآن حرمته، قال تعالى: (وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) لبقرة:217[يقول ابن قدامة رحمه الله: "ومن اعتقد حِلَّ شيءٍ أُجمع على تحريمه وظهر حكمه بين المسلمين، وزالت الشبهة فيه للنصوص الواردة فيه، كلحم الخنـزير والزنا وأشباه هذا مما لا خلاف فيه، كفر".
وجرمه الثاني: إنكاره لحد الردة في الإسلام ووصفه ذلك بالظلم وعدم العدل، مع أن الأدلة على قتل وقتال المرتد كثيرة: منها آية البقرة آنفة الذكر وقد استدل بها الشافعي وغيره، ومنها ما رواه الجماعة عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة"، وما رواه أحمد والنسائي عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا من ثلاثة: إلا من زنا بعد ما أحصن، أو كفر بعد ما أسلم، أو قتل نفساً فقتل بها" وروى مسلم معناه.
وبعد كل هذه النصوص يدعي الترابي أن الردة ليس فيها إلا حديث واحد، وهذا غاية في الكذب والافتراء والغش للأمة، ولكن ما ظنك بامرئ الصدقُ محمودٌ إلا منه. يقول ابن قدامة رحمه الله: "وأجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتدين، وروي ذلك عن أبي بكر وعثمان وعلي ومعاذ وأبي موسى وابن عباس وخالد رضي الله عنهم، وغيرهم، ولم يُنْكَرْ ذلك، فكافر إجماعاً" هذا ولا يصح احتجاجه بالآية الكريمة: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) [البقرة: 256]. على عدم قتل المرتد، لأن الآية تتحدث عن موقف المسلمين من الكافر الأصلي، والمرتد مسلم فارق الجماعة، ومما يبين ذلك: سبب نزول هذه الآية: وهو أنه لما أجلي بنو النضير -وكان فيهم من تهود من أبناء الأنصار- قالوا: لا ندع أبناءنا، فأنزل الله "لا إكراه في الدين" رواه أبو داود والنسائي.
ومعنى الآية: أي لا تكرهوا أحدا على الدخول في الإسلام، فإنه بيّن واضح، جلية دلائله وبراهينه، لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه.(ابن كثير في تفسيره).
أما قتل المرتد عن دينه المفارق للجماعة المسلمة، فهذا حكم الله ورسوله. قال صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه". (رواه البخاري). وأما الزعم بأننا لو أخذنا بظاهر هذا الحديث: "من بدَّل دينه فاقتلوه"، لقتلنا من بدَّل دين النصرانية بالإسلام، فنقول: النصرانية، واليهودية، والشيوعية ليست أدياناً، وإنما الدين عند الله هو الإسلام، فما حجته تلك إلا تلبيس وتدليس.
ثانياً: قوله: بأن اليهود والنصارى مؤمنون، وبأنهم ليسوا بكفار:
قال الترابي: "إن قيام جبهة المؤمنين هو مطلب الساعة، وينبغي ألا تحول دونه المخاوف والتوجسات التاريخية، فنحن نعلم جميعاً أن الكثير من الحروبات التي شنت باسم الدين والاضطهاد الذي وقع باسم الدين كان الدين منه براء، لأن الأديان السماوية لا تدعو لنشر رسالتها -رسالة الفضيلة والسلام - بحد السيف أو بالقنابل والمدافع، ونحن نقرأ تاريخ الحروب الصليبية التي شنت على الشرق فنراها حملات استعمارية، استخدم فيها بعض ملوك أوروبا شعار الصليب واسم المسيحية ليحققوا توسعاً استعمارياً تتعبأ فيها جماهيرهم المؤمنة، ويمدهم بالموارد وبكنوز الشرق التي كانوا يسمعون بـها، وكذلك جاءت الموجة المتأخرة من الاستعمار واستخدمت اسم الدين ودعاوى التبشير لتبسط نفوذها على الأرض والناس تتخذهم سلعة لتجارة الرقيق وسخرياً لتحقيق مآربـها الدنيوية المفارقة لهدي الأديان جميعاً، ولقد جاءت الموجة الاستعمارية بعرقيتها وعنصريتها مخالفة لهدي الإخاء المسيحي الذي لا يرى فرقاً بين أبيض وأسود إلا بالتقوى".
وقال: "وهذه هي دعوتنا اليوم: أن تقوم جبهة أهل الكتاب، والكتاب عندنا يطلق في القرآن يقصد به كل كتاب جاء من عند الله".
إذن: يدعو الترابي إلى قيام جبهة أهل الإيمان (المسلمون، والنصارى، واليهود) على أساس الملة الإبراهيمية، وكان منذ القديم يطرح هذه الأفكار في منتدياته، يقول في مقابلة له مع مجلة المجتمع (العدد: 736 تاريخ 8/10/1985): "إن الوحدة الوطنية تشكل واحدة من أكبر همومنا، وإننا في الجبهة الإسلامية نتوصل إليها بالإسلام على أصول الملة الإبراهيمية التي تجمعنا مع المسيحيين بتراث التاريخ المشترك وبرصيد تاريخي من المعتقدات والأخلاق، إننا لا نريد الدين عصبية عداء، ولكن وشيجة إخاء في الله الواحد".وفي مقابلة له مع المحرر اللبنانية (العدد 263، آب 1994) يقول: "إنني لأعتقد أن النصراني أقرب إلي ممن ينافقني ويدعي الإسلام، ابتغاء مكسب)) وصرح في محاضرة بعنوان "الدولة بين النظرية والتطبيق": (النصارى ما كفار يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، والمسلم يمكن أن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض).
إن كل مسلم له حظ من العلوم الشرعية يعلم أن الترابي فيما يدعيه ويدعو إليه يُكذِّبُ قوله تعالى: ]لقد كفر الذين قالوا إنّ الله هو المسيح بن مريم[ (المائدة:17). وقوله:]لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة[ (المائدة:73)، وقوله: ]وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه[(المائدة:18)، وقوله: ]وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله، ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل، قاتلهم الله أنى يؤفكون، اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيحَ ابن مريم، وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون[(التوبة:30 –31). أما تغني كل هذه النذر والأحكام التي تجلت؟ وليست الإبـل بـأغلظ أكباداً ممن له قلب لا يبالي بالآيات كثرت أو قلت. ولقد أجمع علماء الملة على كفر اليهود والنصارى، وكفر من لم يكفرهم أو شك في كفرهم ولذلك قال القاضي عياض في الشفا (2/286): "ولهذا نُكفّر من لا يُكفّر من دان بغير ملّة المسلمين من الملل أو وقف فيهم أو شك أو صحّح مذهبهم، وإن أظهر بعد ذلك الإسلام واعتقده واعتقد إبطال كل مذهب سواه، فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلاف ذلك" أهـ. قال القاضي أبو بكر: "لأن التوقيف والإجماع اتفقا على كفرهم فمن توقف في ذلك فقد كذّب النص والتوقيف أو شك فيه، والتكذيب أو الشك فيه، لا يقع إلا من كافر"، ويسمع في هذه وتلك ردود العلماء فما تزيده إلا إصراراً على بدعته ودأباً في الدعوة إليها.
ثالثاً: إنكار الترابي نزول المسيح عليه السلام:
ليست محاضرة بورتسودان وحدها هي التي أنكر فيها هذا الشرط من أشراط الساعة فقد جاء في كتابه "قضايا التجديد.. نحو منهج أصولي" ما يلي:
"وفي بعض التقاليد الدينية تصور عقدي بأن خط التاريخ الديني بعد عهد التأسيس الأول ينحدر بأمر الدين انحطاطاً مطرداً لا يرسم نمطاً روحياً. وفي ظل هذا الاعتقاد تتركز آمال الإصلاح أو التجديد نحو حدث أو عهد واحد بعينه مرجو في المستقبل يرد أمر الدين إلى حالته المثلى من جديد. وهذه عقيدة نشأت عند اليهود واعترت النصارى، وقوامها انتظار المسيح يأتي أو يعود عندما يبلغ الانحطاط ذروته بعهد الدجال قبل أن ينقلب الحال صاعداً بذلك الظهور، ولعلها تحريف للبشريات التي جاءت في الوحي القديم بمبعث عيسى ثم بمبعث محمد عليهما السلام. وقد انتقلت هذه العقيدة بأثر من دفع الإسرائيليات إلى المسلمين. وما يزال جمهور من عامة المسلمين يعولون عليها في تجديد دينهم".
أيها المسلمون..
إن عقيدة نزول المسيح عليه السلام آخر الزمان ثابتة في القرآن الكريم، وفي الأحاديث الصحيحة، ومنها صحيحا البخاري ومسلم، وعدّها كثير من أئمة الحديث من الأحاديث المتواترة، فابن حجر العسقلاني تتبع طرقها واحداً واحداً وأثبت أنها متواترة، وذكر الشوكاني في توضيحه تسعة وعشرين حديثاً ما بين صحيح وحسن وضعيف منجبر، منها ما هو مذكور في أحاديث الدجال، ومنها ما هو مذكور في أحاديث المهدي المنتظر، وتنضم إلى ذلك أيضاً الآثار الواردة عن الصحابة فلها حكم الرفع إذ لا مجال للاجتهاد في ذلك. ونقل النووي عن القاضي عياض قوله: "ونزول عيسى وقتله الدجال حق وصحيح عند أهل السنة للأحاديث الصحيحة في ذلك، وليس في العقل ولا في الشرع ما يبطله فوجب إثباته" فهذه التي يسميها الترابي ((تقاليد)) والتي يسميها ((إسرائيليات)) أحاديث نبوية صحيحة. والقائلون بها من أئمة المسلمين إنما هم متبعون للقرآن والسنة المتواترة، فمن يا ترى هو الكذاب الأشر؟!
صحَّ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم، حكماً عدلاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبل أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خيراً من الدنيا وما فيها"، ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: واقرؤوا إن شئتم: "وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا".
وأما قول الله عز وجل: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ) (سورة آل عمران:40). فالوفاة هنا بمعنى النوم، فالقرآن يوضح بعضه بعضاً، قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْل) (الأنعام : 60). وقوله عز وجل: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى)[ الزمر :42]. إذن النوم يسمى وفاة وقد دلت الأدلة على عدم موته عليه السلام فوجب حمل الآية على وفاة النوم جمعا بين الأدلة. قال الشيخ بن باز رحمه الله: "من قال إنه ليس هناك مسيح ينزل من السماء فقد أعظم على الله الفرية، بل هو مكذب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ومن كذب الله ورسوله فقد كفر، والواجب أن يستتاب من قال مثل هذه الأقوال، وأن توضح له الأدلة من الكتاب والسنة، فإن تاب ورجع إلى الحق وإلا قتل كافرا".
رابعاً: الاتحاد والفناء في ذات الله بالفن:
يعتبر الترابي الفن بكل أشكاله -رقصا وغناء وموسيقى- قسماً من أقسام التوحيد والعقيدة الإسلامية يقول: "منها أن فقه العقيدة الموروث الذي نشأنا عليه لا يجعل الفن شعبة من شعاب إيماننا وتوحيدنا ولا يهيئنا لأن نتذكر الله بالجمال وصنعه ولا نعبده من خلاله". كتابه: (قيمة الدين.. رسالية الفن). الناشر: اتحاد طلاب جامعة القاهرة بالخرطوم.
وعن الرقص يقول:
"الرقص كذلك تعبير جميل يصور معنى خاصاً بما تنطوي عليه النفس البشرية.." إلى أن قال: "ولا ننكر أن في الغرب رقصاً يعبر عن معانٍ أخرى كريمة" جريدة الصحافة: 15/11/79 والبيان الثاني للإخوان المسلمين: 23/9/1980. ويقول أيضاً: "فبالتوحيد يتخذ الإنسان الفن وسيلة إلى الله يأخذه بذات خصائصه دون كبت أو تعطيل ويسخره للعبادة، بل يرقى بطبيعته تلك ليرقى به قدر العبادة.. فلا بد إذن من اتخاذ الفن مادة لعبادة الله". سبحانك ربي ! ما علاقة الفن والرقص بالعقيدة؟ أوَ يقول ذلك عاقل؟‍! أي نوع من البشر هذا المفتون المتهوك؟
خامساً: تطاوله على الأنبياء صلى الله عليهم وسلم:
يقول عن رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم في محاضرة مسجلة بصوته: "ده شخص راق لكن ما تقولوا: معصوم ما يعمل حاجة غلط". بل وقال عنه: "ويقول أخبار تطلع غلط". وعن إبراهيم عليه السلام قال: "كان شاكاً في ربه عابداً للكواكب قبل البعثة". وفي موضع آخر زعم بأن الله سبحانه وتعالى لم يعصم رسولنا صلى الله عليه وسلم إلا من الناس مستدلاً بقوله تعالى: ((والله يعصمك من الناس)) [المائدة: 67]. ويقول أيضاً: "هسع كلمة العصمة دي، الصحابة كانوا بيعرفوها، هسع لو جابوا الصحابة كلهم قعدوهم بيعرفوا عصمة النبي؟ وما عصمة النبي؟ يقولوا لهم النبي كذاب. يقولوا: كلا حاشا ما نبي كذاب، لكن ما بيعرفوا كلمة العصمة، دي كلمة عملوها المتكلمين".
إن عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فى عقيدتنا أصل من أصول الإيمان والإسلام، وهى عقيدة لا تنفك عن شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. والطعن في عصمة البلاغ طعن في هذه الشهادة، وهى أيضاً دليلنا على حجية الوحي الإلهي، ومن هنا تناول علماء الأصول العصمة في مباحث القرآن الكريم والسنة الشريفة، لتوقف حجيتهما على عصمة رسول الله e وذلك يستلزم أن كل خبر بلاغي عن رسول الله e صادق مطابق لما عند الله إجماعاً، فيجب التمسك به0 يدل على ذلك قوله تعالى: }وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى{( النجم 3،4) فكلمة "ينطق" في لسان العرب تشمل كل ما يخرج من الشفتين قولاً أو لفظاً أي ما يخرج نطقه صلى الله عليه وسلم عن رأيه، إنما هو بوحي من الله عز وجل (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 17/84).
وعن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا حدثتكم عن الله شيئاً فخذوا به، فإني لن أكذب على الله عز وجل" أخرجه مسلم (2361)، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يأتيه من قبل قرينه الجني ما ينتاب غيره من الوسوسة لأن قرينه أسلم فلا يأمر إلا بخير كما في الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن، وقرينه من الملائكة، قالوا : وإياك يا رسول الله؟ قال: "وإياي. إلا أن الله أعانني عليه فأسلم. فلا يأمرني إلا بخير" أخرجه مسلم (2814)0 وقد حكى القاضي عياض اتفاق السلف وإجماعهم على أنه لا يصدر عنه صلى الله عليه وسلم خبر بخلاف إخباره عنه، قال ابن تيمية: "الْأَنْبِيَاءَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ مَعْصُومُونَ فِيمَا يُخْبِرُونَ بِهِ عَنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَفِي تَبْلِيغِ رِسَالَاتِهِ بِاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ وَلِهَذَا وَجَبَ الْإِيمَانُ بِكُلِّ مَا أُوتُوهُ"، "وهذه العصمة الثابتة للأنبياء هي التي يحصل بها مقصود النبوة والرسالة فإن النبي هو المنبئ عن الله و الرسول هو الذي أرسله الله تعالى وكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا، والعصمة فيما يبلغونه عن الله ثابتة فلا يستقر في ذلك خطأ باتفاق المسلمين"، (فتاوى ابن تيمية ج10/ص290). ومع هذا كله فإن الترابي لايزال مردداً في منتدياته بإصرار أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس بمعصوم بل هو معتصم!.
سادساً: تكذيبه بما هو معلوم ثبوته من القرآن بالضرورة:
1
إقرار الترابي بأن الإنسان أصله قرد وأن نظرية (داروين) لا تعارض القرآن:
حيث سئل في حوار أجرته معه صحيفة الأنباء بتاريخ 24/1/1998م: هل تقرون الادعاء بأن الإنسان ينحدر من سلالة القردة؟! فأجاب الترابي بالنص: (لا أرى في ذلك تناقضا مع النص القرآني، كما في الإنجيل يقول الإسلام إن الله خلق الإنسان من طين، غير أن النباتات والحيوانات والإنسان تتركب من نفس العناصر)، إلى أن قال: (يجب الأخذ في الاعتبار هذه النظرية الأساسية ثم توسيعها). وهذه زندقة مكشوفة، ومعارضة للقرآن مفضوحة، فبئس المنتجع، ولبئست الهواية، ويا ويحه يوم تبلى السرائر يوم القيامة.
يقول الله تعالى عن الإنسان وأطوار خلقه: } وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ، ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ { [ المؤمنون 12-16] وبين الله تعالى أنه خلق الإنسان في أحسن صورة قائما معتدلا كما قال تعالى: }الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ، فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ{ [الإنفطار 7-8]. وقال: }لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ{ [التين:4].إن كل ذي لب وعينين، ممن هداه الله النجدين؛ يعلم علم اليقين أن نظرية (دارون) التي روج لها اليهود (إخوان القردة)؛ تناقض ما أخبر الله به في خلق الإنسان جملة وتفصيلاً، فيا لله من هذا البهتان.
لقد تلقف الترابي عن الملاحدة الغربيين الذين رضع من لبانهم فأعجب بهم حتى الثمالة في نظرياتهم وزبالات أذهانهم، بل ورقصهم! ما ذهبوا إليه في فكرة التطور المطلق، بما في ذلك قولهم بتطوير الأديان، مسميا إفكه ذلك في تطوير الدين الإسلامي وأصوله:(التجديد).وإنما يريد بالتجديد حده الأعلى كما يدعي وهو التطوير، وليس التجديد بمفهومه الشرعي وهو: إحياء ما اندثر من شرع الله وهداه عن طريق إحياء السنن وإماتة البدع. وإليكم المزيد من البرهان على ذلك من كلام الترابي في الفقرة التالية.
2-
قوله بتطوير الدين والشريعة حتى في نصها:
يقول الترابي: (وليست صورة التدين ولا مشكلاته التي عاشها الرعيل الأول هي صورة الإسلام الوحيدة)، ويقول أيضا: (ليس في تصريف الشرع ما ينكر، فالخطاب الشرعي لم يكن خطاب عين إلا لمن عناهم ذاتا فلا يلي خلفهم بنصه ولفظه المباشر)، كما يقول في موضع آخر من نفس الكتاب (بل جاءت شريعته -وهي دليل التدين الإسلامي- تحمل قابلية التجديد في طبيعتها ونصها، وأوصى رسولها علماء الأمة أن يكونوا لها كما كان بنو إسرائيل للشريعة الموسوية). ويقول أيضا:(ولم تعد بعض صور الأحكام التي كانت تمثل الدين منذ ألف عام تحقق مقتضى الدين اليوم ولا توافي المقاصد التي يتوخاها، لأن الإمكانات قد تبدلت وأسباب الحياة قد تطورت". نقلا عن كتاب قضايا التجديد للترابي. سبحان الله! }أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ{ [النور : 50]. إن قول الترابي هذا يعني عدم صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان، وأنها نزلت في وقت معين، بل ولأشخاص معينين كما صرح بذلك قائلا: " فالخطاب الشرعي لم يكن خطاب عين إلا لمن عناهم ذاتاً فلا يلي خلفهم بنصه ولفظه المباشر"، والمعنى أن الشريعة لابد أن تتطور لتوافق النمط الاجتماعي الجديد، ولو كان في هذا تجاوز لأحكام الله المنزلة المحكمة، وهذه هي ذات الدعوة التي صرخ بها المنافقون المنحرفون كمحمد أحمد خلف الله وعلي عبد الرازق، ولكن قالها أولئك بوضوح وجلاء، بينما الترابي دبجها بمواربة والتواء، على طريقة ما حكاه القرآن عن المنافقين؛ في سورة النساء: } فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً { [النساء : 62 ]، ويم الله إن المقاصد والمصلحة والإحسان كله إنما هو في شريعة الله وهداه الذي أنزله الله تعالى وارتضاه، وخير ما نقذف به باطلهم فيدمغه قول الله تعالى: }ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ{ [الجاثية : 18]. ومن شك فيما فهمناه من كلام الترابي فليتأمل هذه المقابلة التي أجرتها مجلة "دير شبيغل" الألمانية مع د. الترابي في (17/4/1995):
السؤال: ".. لكن لا يوجد تفسير موحد للشريعة، هل يجب قطع يدي ورجلي السارق؟ وهل جزاء المرتدين عن الدين القتل؟". فقال: "هذه الحدود لا تقام اليوم في السودان، لأن تفسيرنا للشريعة متطور أكثر مما هو عليه الحال في البلاد الإسلامية الأخرى، لا يوجد أحد قط في مؤتمرنا الشعبي الإسلامي يحرم المرأة من حق توليها مناصب عامة في الدولة، أو ينكر لها الحق في تولي منصب رئاسة الدولة أو رئاسة الوزراء". وفي مقابلته له مع جريدة القدس يقلل من شأن إقامة الحدود. ويهاجم العلماء لأنـهم لا يحملون إلا التراث محفوظاً في أذهانـهم، ويعتقد أن بعض الأحكام مثل "الربا" تحتاج إلى اجتهاد جديد، كما اجتهد من قبل في الردة فألغاها جريمة وعقوبة. يقول علماؤنا: "من المسائل المجمع عليها قولاً واعتقاداً أن إباحة المجمع على تحريمه: كالزنا، والسكر، واستباحة الحدود، وشرع ما لم يأذن به الله، كفر وردة". (تفسير المنار: 6/367). وبعد هذا فلا غرو من دعوى الترابي أن في الإسلام جوانب كثيرة علمانية، كما صرح بذلك في جريدة الراية القطرية (19/10/1986) قائلاً: "إن للإسلام جوانب علمانية كثيرة.. وإن العلمانية لا دينية سياسية.. ليس لأنـها ضد الدين، ولكنها ليست من الدين في شيء.. كما أنـها لا تريد أن تلغي دور الدين أو تـهمله في الحياة عامة.. فلا شأن لها بذلك.. ولكنها نظرية أو مذهب أو عقيدة سياسية يحسن أن نسميها اللادينية السياسية".
3-
زعم الترابي أن حواء أول الخلق وليس آدم عليه السلام:
وذلك في محاضرة بعنوان (المرأة والبندقية): وهذا قول شاذ لم يقل به أحد. قال الله تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَآءً) (سورة النساء/1) وقوله: (واحدة) على تأنيث لفظ النفس. ولفظ النفس يؤنث وإن عني به مذكر. ويجوز في الكلام من نفس واحد وهذا على مراعاة المعنى، إذ المراد بالنفس آدم قاله مجاهد وقتادة . وهي قراءة ابن أبي عبلة واحد بغير هاء. وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) (سورة الأعراف/189)، وقد خلق الله تعالى أمنا حواء من ضلع آدم الأيسر الأقصر كما جاء في الحديث الذي رواه الشيخان: "ولأمّ مكانه لحمًا"، قيل لذلكَ سميت حواء بهذا الاسم لأنها خلقت من شيء حيّ، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضِلَع، وإنَّ أعوجَ شيء في الضّلع أعلاه، فإن ذَهبتَ تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء" الحديث. ويعني بزوجها في الآيتين: حواء، والزوج في لغة العرب:امرأة الرجل، ويقال: زوجة، قاله ابن عطية في تفسيره. 4-
إنكاره أن يكون في الجنة حور عين
: وكان ذلك في محاضرة له في جامعة القرآن، وفي ذلك ردٌ لقوله عز وجل: "حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ. فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ. لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ"، مدعيا أن نساء الدنيا هن نساء أهل الجنة.
5- دعواه أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يفسر القرآن لهذا اليوم:
ألقى الترابي محاضرة بجامعة الخرطوم (في: 30/4/1995)، وقد احتوت على أهم آرائه في علم التفسير والمفسرين، وكان مما قاله: إن كتب التفسير عبارة عن حكايات وقصص وآراء شخصية لمؤلفيها، وسخر من بعض ما ورد فيها وخاصة في تفسير القرطبي، وأضاف بكل استهتار: "الرسول بشر مثلنا يوحى إليه ماحَيْفَسر القرآن لهذا اليوم، لأنه لا يعرف هذا اليوم". ومعنى ذلك أن ما فسره النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن الكريم غير مواكب لعصرنا هذا، لأنه لا يعرف يومنا، مع أن الله تعالى قد جعل نبيه صلى الله عليه وسلم مبينا لمراد الله من كلامه قال الله تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [النحل :44].
سابعا: طعونه في السنة النبوية:
بعد إنكار الترابي عصمة النبي صلى الله عليه وسلم في البلاغ، ذهب يتطاول على أعلام الإسلام من الصحابة نقلة السنة، فاتهمهم باتباع الهوى، يقول في هذا الشأن: "إذا رأينا نأخذ كل الصحابة أو لا نأخذ، قد نجيء بعمل تنقيح جديد. نقول الصحابي إذا روى حديثاً عنده فيه مصلحة نتحفظ فيه، نعمل روايته درجة ضعيفة جداً. وإذا روى حديثاً ما عنده فيه مصلحة نأخذ حديثه بقوة أكثر ويمكن تصنيف الصحابة مستويات معينة في صدق الرواية".
وقال في موطن آخر من المحاضرة نفسها مشككاً في عدالة الصحابة وفي صحيح البخاري: "لازم لمن تجي تقوم تمتحن ضوابطه [أي البخاري] لمن تجي وأنت مؤتمن البخاري.. المسلمين.. آه.. آه.. آه خلاص ما في شيء.. من وثقه فهو كذا.. ومن جرحه فهو مجروح.. ومن عدله فهو عدل.. كل الصحابة عدول ليه؟ ما شرط يشترط ذلك في كثير أو قليل. يمكن لنا اليوم عندنا وسائل كثيرة جداً، البخاري ما كان يعرفها"!!.
قال ابن حجر -رحمه الله- في الإصابة في تمييز الصحابة (ج1 ص162) ما نصه: "(اتفق أهل السنة على أن الجميع عدول (يعني الصحابة رضي الله عنهم)، ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة، وقد ذكر الخطيب في الكفاية فصلاً نفيساً في ذلك، فقال: عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم، واختياره لهم، فمن ذلك قوله تعالى: "كنتم خير أمة أخرجت للناس" [آل عمران: 110]، وقوله: "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً" [البقرة: 143]، وقوله: "لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم" [الفتح: 18]، وقوله: "والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه" [التوبة: 100]. إلى أن قال: (في آيات كثيرة يطول ذكرها وأحاديث شهيرة يكثر تعدادها، وجميع ذلك يقتضي القطع بتعديلهم، ولا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله لـه إلى تعديل أحد من الخلق، على أنه لو لم يرد من الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- فيهم شيء مما ذكرنا لأوجبت الحال التي كانوا عليها -من الهجرة والجهاد، ونصرة الإسلام، وبذل المهج والأموال، وقتل الآباء والأبناء، والمناصحة في الدين، وقوة الإيمان واليقين- القطع على تعديلهم، والاعتقاد بنزاهتهم، وأنهم أفضل من جميع الخالفين بعدهم، والمعدلين الذين يجيئون من بعدهم، هذا مذهب كافة العلماء ومن يعتمد قوله".
ثم روى بسنده إلى أبي زرعة الرازي قال: (إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول حق والقرآن حق، وما جاء به حق، وإنما أدى إلينا ذلك الصحابة، وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة..).
ولما كان الترابي لا يرى عصمة النبي صلى الله عليه وسلم في البلاغ، ويطعن في الصحابة، ويتهمهم بعدم العدالة فإنه عمد إلى جملة من الأحاديث الصحيحة فردها بمحض الهوى منها:
1-
حديث الذبابة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينتزعه فإن في إحدى جناحيه داء وفي الأخرى شفاء". ورد من حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وأنس بن مالك. تعرض الترابي لهذا الحديث في محاضرة له بجامعة الخرطوم بتاريخ 12/8/1982، فكان مما قاله: "في الأمور العلمية يمكن أن آخذ برأي الكافر، وأترك رأي النبي، ولا أجد في ذلك حرجاً البتة، ولا أسأل فيه أيضاً عالم الدين". 2-
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم : «الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، الْأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ» رواه البخاري. فهذا الحديث الصحيح يدل على معنى ما رواه أبو داود في سننه من قوله صلى الله عليه وسلم: «وَالْغَزْوُ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَنِي اللَّهُ إِلَى أَنْ يُقَاتِلَ آخِرُ أُمَّتِي الدَّجَّالَ، لَا يُبْطِلُهُ جَوْرُ جَائِرٍ وَلَا عَدْلُ عَادِلٍ»، أنكر الترابي حكم مضي الجهاد فقال: "القتال حكم ماض، هذا قول تجاوزه الفكر الإسلامي الحديث، في الواقع الحديث، ولا أقول إن الحكم قد تغير، ولكن أقول إن الواقع قد تغير، هذا الحكم عندما ساد كان في واقع معين، وكان العالم كله قائماً على علاقة العدوان، لا يعرف المسالمة ولا الموادعة، كانت إمبراطوريات إما أن تعدو عليها أو تعدو عليك. ولذلك كان الأمر كله قتالاً في قتال، أو دفاعاً في دفاع -إن شئت- (ندوة تلفزيونية حول الشريعة، ونشرتـها جريدة الأيام السودانية في 20/6/ 1988). قوله هذا مخالف للقرآن والسنة والإجماع، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن السبب الذي ذكره حجة عليه وليس له، لأن هذه الإمبراطوريات -الدول الكبرى- مازالت تعدو علينا، وتحرض حلفاءها في المنطقة ضدنا.
وإذا كان هذا هو شأن القتال عند الترابي، فإن لعبة كرة القدم عنده: جهاد، يقول الترابي: "إن الكرة لم تعد الآن لعباً ولهواً، فهي جهاد في سبيل الله". (جريدة "الكورة" السبت 14 يناير 1995، الموافق 13 شعبان 1415 هـ). القتال حكم ماض تجاوزه الفكر الإسلامي الحديث. أما لعب الكرة فهو جهاد في سبيل الله!!!، والفن -الرقص والغناء والموسيقى- من عقيدة التوحيد الإسلامية : (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ) [الأنعام :69].
ثامنا: قول الترابي: لست سنياً ولا شيعياً:
عن موقفه من السنة والشيعة يقول: "كنت أتحدث في مؤتمر مع مسلمين وعرب في المؤتمر العربي والإسلامي. قلت لهم: .. أنا لست سنياً ولا أدرك ما معنى السني والشيعي". وسئل: هل أنت على المذهب الشيعي؟ فأجاب: "أنا لا أسمي نفسي شيعياً ولا سنياً، سني وشيعي لا تعني أنه يتبع سنة الرسول أو لا يتبعها. أما التراث السني والشيعي ففيه من الترهات والخرافات عند أهل السنة والشيعة، وفيه فوائد"
تاسعا: تجويزه زواج المسلمة من يهودي أو نصراني:
لقد أطلق الترابي هذا القول كثيرا وهو أن "المسلمة يجوز لها الزواج من كتابي" وهاهو يجدد ذلك (في مقابلة قناة العربية بتاريخ 11/4/2006م). وهو قول باطل ظاهر البطلان لأن الله تعالى يقول: "وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ، وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ، أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ" (البقرة: 221)، فالآية صريحة في تحريم نكاح المسلمة من الكافر سواء كان وثنيا أو يهوديا أو نصرانيا. وقال ابن كثير في تفسيره (1/474): "هذا تحريم من الله عز وجل على المؤمنين أن يتزوجوا من المشركات من عبدة الأوثان، ثم إن كان عمومها مراداً وأنه يدخل فيها كل مشركة من كتابية ووثنية فقد خُص من ذلك نساء أهل الكتاب بقوله: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ). قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: "وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ" استثنى الله من ذلك نساء أهل الكتاب" ا.هـ، وأما الجزء الآخر في الآية وهو قوله تعالى: "وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا " فإنه لا تخصيص فيه قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي -رحمه الله- في تيسير الكريم المنان (ص99) : "وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا" وهذا عام لا تخصيص فيه"ا.هـ. قال ابن كثير في تفسيره (8/93): وقوله: "لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ" هذه الآية حَرّمَت المسلمات على المشركين، وقد كان جائزا في ابتداء الإسلام أن يتزوج المشرك المؤمنة .ا.هـ. فهذان دليلان من كتاب الله صريحان في تحريم زواج الكافر من المسلمة، روى ابن جرير الطبري في تفسيره (4/366) بإسناده عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه– أنه قال: "المسلم يتزوج النصرانية، ولا يتزوج النصراني المسلمة"، وصح موقوفا على جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- كما رواه البيهقي في الكبرى (7/172): "نتزوج نساء أهل الكتاب ولا يتزوجون نساءنا"، وذلك لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه والقوامة في الزواج للزوج قطعا لجانب الرجولة، وإن تعادلا في الحلية بالعقد، لأن التعادل لا يلغي الفوارق كما في ملك اليمين، فإذا امتلك رجل امرأة حلَّ له أن يستمتع منها بملك اليمين، والمرأة إذا امتلكت عبدا لا يحل لها أن تستمتع منه بملك اليمين، ولقوامة الرجل على المرأة وعلى أولادها وهو كافر لا يسلم لها دينها، ولا لأولادها. قال ابن عبد البر في التمهيد (12/21): ومما يدل على أن قصة أبي العاص منسوخة بقوله: "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ" إلى قوله: "ولا تمسكوا بعصم الكوافر"، إجماع العلماء على أن أبا العاص بن الربيع كان كافرا وأن المسلمة لا يحل أن تكون زوجة لكافر".ا.هـ. وقال القرطبي في (جامع أحكام القرآن) (3/72): الأولى: قوله تعالى: "وَلَا تُنكِحُوا" أي لا تزوجوا المسلمة من المشرك، وأجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه لما في ذلك من الغضاضة على الإسلام.
عاشرا: دعوته إلى الاختلاط والسفور:
دعا الترابي إلى ضرورة الاختلاط بين الجنسين في المجتمع وذلك في كتيب سماه (المرأة في تعاليم الإسلام) فقال: "إن عزل الرجال عن النساء يضر بالمجتمع وينشر فيه الرجس وعدم الطهر"، مصادما بذلك القرآن لفظا ومعنى قال الله تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا) [الأحزاب : 33]. وأما حجاب المرأة المسلمة فقال عنه في ذات الكتاب: "الحجاب خاص بنساء النبي صلى الله عليه وسلم، لأن حكمهن ليس كحكم أحد من النساء، ولا يجوز زواجهن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ثم فإن آية الحجاب نزلت في السنة الخامسة للهجرة، ولم يتأثر بـها وضع سائر المسلمات".
حادي عشر: قوله بجواز إمامة المرأة الرجال في الصلاة:
إجماع الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم على أن المرأة لا تؤم الرجال، وقد استدل الفقهاء جميعا في المذاهب الأربعة على مذهبهم بقوله تعالى: "الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من أموالهم " (سورة النساء : 34). ووجه الدلالة في الآية: أن الله تبارك وتعالى لم يجعل القوامة للنساء، ولم يجعل الولاية إليهن، بل جعلها للرجال، وإمامة الصلاة نوع ولاية، فلا تصح إمامة بمن هو قيم عليها، قال الشافعي في الأم 1/191: "وإذا صلت المرأة برجال ونساء وصبيان ذكور فصلاة النساء مجزئة، وصلاة الرجال والصبيان الذكور غير مجزئة; لأن الله عز وجل جعل الرجال قوامين على النساء وقصرهن عن أن يكن أولياء، ولا يجوز أن تكون امرأة إمام رجل في صلاة بحال أبدا".
كما استدلوا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها). رواه مسلم كتاب باب تسوية الصفوف، والترمذي كتاب 2 الصلاة باب 52 ما جاء في فضل الصف الأول. فهذا الحديث يدل على تأخير النساء، فكيف ستتقدم المرأة لتؤم وهي مطالبة شرعاً بالتأخر عن الرجال؟ فلا شك أن دلالته على عدم جواز إمامة المرأة للرجال في الصلاة واضحة. ثم إنه لم ينقل عن الصدر الأول أن امرأة أمت الرجال، فلو كان ذلك جائزاً لحصل ولو مرة، وحيث لم يحصل هذا أبدا في الصدر الأول، فهذا غير جائز لأنه لو كان جائزاً لنقل ذلك عن الصدر الأول. وأما حديث أم ورقة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تؤم أهل دارها. رواه أبو داود (592). فالجواب عنه أولا: أنه حديث ضعيف، فقد قال عنه الباجي في المنتقى شرح الموطأ: "هذا الحديث مما لا ينبغي أن يعول عليه". وقال ابن حجر في التلخيص الحبير 2/56: "في إسناده عبد الرحمن بن خلاد، وفيه جهالة". الثاني: أن المقصود بأهل دارها النساء منهم دون الرجال، قال ابن قدامة في المغني 2/16: "وحديث أم ورقة إنما أذن لها أن تؤم (نساء) أهل دارها, كذلك رواه الدارقطني. وهذه زيادة يجب قبولها, ولو لم يذكر ذلك لتعين حمل الخبر عليه; لأنه أذن لها أن تؤم في الفرائض, بدليل أنه جعل لها مؤذنا, والأذان إنما يشرع في الفرائض، ولو قدر ثبوت ذلك لأم ورقة, لكان خاصا بها, بدليل أنه لا يشرع لغيرها من النساء أذان ولا إقامة, فتختص بالإمامة لاختصاصها بالأذان والإقامة".
قال ابن شاس المالكي في عقد الجواهر: (وأما المرأة فلا تصح إمامتها للرجال ولا للنساء، وروى ابن أيمن جوازها)، أي للنساء، كما أجاز إمامتها للنساء والأطفال الشافعي وأحمد، شريطة أن تقف وسطهن، وتجهر أدنى الجهر. قال ابن حزم الظاهري رحمه الله في الفِصَل، وكذلك القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: (جميع أهل القبلة ليس منهم أحد يجيز إمامة المرأة إلا فرقة من فرق الخوارج وهي الشبيبية، نسبة إلى شبيب بن يزيد الشيباني). وقد ورد ذلك عن امرأة من الخوارج تدعى غزالة، وفي عصرنا أمينة ودود، الأميركية التي أمت بعضاً من الرجال والنساء في صالة كنيسة. فهنيئاً لمن كانت أسوته غزالة الخارجية وأمينة الأميركية، وسلفه الخوارج "الشبيبية".
وأما قول الترابي أخيرا: "إنه للرجال والنساء الصلاة معا ولكن دون إلصاق"! (صحيفة الحياة والناس، بتاريخ 9/4/2006). فإنه يعارض به النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال: "خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها". رواه مسلم والترمذي. فحسبنا فيه وفي أترابه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن مما أدرك الناس من كلام النبوة إذا لم تستحي فافعل ما شئت) رواه البخاري (3296).
ثاني عشر: إباحته الخمر لمدة عام، بل لا يكون حد الخمر قانونا إلا إذا تحولت لعدوان:
يقول الترابي في كتابه ((نظرات في الفقه السياسي)): 171: (هكذا أرجوا أن يكون شأننا مع أهلنا المخمورين. كأننا عند سريان القانون سندخلهم في معتقل واسع يحول ما بينهم وبين الخمور في مظاهر الحياة العامة وتتاح لهم لعام كامل رخصة قانونية لتعاطي الحرام في خاصتهم حتى يهيئوا أنفسهم، ثم يقع الحظر وتجف الخمر)، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم إذ يقول: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) رواه البخاري وأبو داود. ثم ها هو الترابي اليوم يذهب إلى أبعد مما كتبه بالأمس: وإني وإن كنت الأخير زمانُهُُُ لآت بما لم تستطعه الأوائلُ إذ يرى دستوريُّ الزمان -الآن- أن عقوبة شرب الخمر لا تكون قانونا إلا إذا اقترن بعدوان كما قال آخرا، وربما لن يكون أخيرا: "الخمر لا تصبح أمر قانون إلا إذا تحولت لعدوان" الرأي العام السودانية (بتاريخ: 1/ 3/2006م ). وهذه حيلة منه لإبطال حد الخمر، لأن العدوان وحده جريمة، سواء كان المعتدي سكران حال اعتدائه أم لا.
أيها المسلمون.. لقد كان هذا شأن الترابي في جميع المراحل السابقة، من قبل ضربه على أم رأسه في (كندا) ومن بعد ذلك، فليس هو المعتوه والمجنون فيما يزعمه ويعتزيه، ولا هو الجاهل فيما يهرف به ويستبيح، ولكنه في كل حين يمتطـي ظهر التيه، مبرهنا علي الغي المـوفي به إلى الزندقة، عن طريق مجاهرته بأفكاره الكفرية ومعتقداته، مع الحرص الشديد على الختل والروغان كالثعالب، إذ يستطيع أن يكون علمانياً وإسلامياً في الوقت ذاته، قومياً وأممياً في الآن ومن دون أن يشعر بتناقضه أو انفصامه، وما الجماهير والعواطف الإسلامية، إلا سلم لأحلامه وأطماعه. لقد كان خلاف الترابي طوال العقود السابقة مع العلماء حول أصول الدين والاعتقاد، وليس حول أمور قابلة للاجتهاد وفق ضوابط الاجتهاد الشرعي. إننا ننبه عامة المسلمين وأهل الفكر منهم خاصة، في داخل السودان وخارجه، إلى أن الترابي، في حقيقته داعية إلى غير دين الإسلام، هذا وإن كشف الأهواء والفتن المضلة، ودحض المقالات المخالفة للكتاب والسنة، وتعرية حقيقة الداعية إليها، وهجره، وتحذير الناس من شره، وإقصائه والبراءة من فعالته لمن أوجب الواجبات، وسنة ماضية في تاريخ الدعاة، حتى لا يلتبس الأمر على الأغرار، فيسلكوا بسبب وساوسه وأوهامه سبيل الفجار.
وحقٌ على من ولي أمر المسلمين في هذه البلاد، قطع تطاول الترابي على المحكمات المبينات ومقاضاته في محاكمة شرعية عادلة على غرار ما حوكم به سلفه من قبل "محمود محمد طه" الذي تفاقم شره، فقيض الله تعالى بتقديره من قطع دابره، ولابد أن يتصدى العلماء لهذا المتجرئ على حرمات الدين كما تصدوا لمن قبله ويطالبوا بإنزال شرع الله عليه. وإننا ندعو المعجبين به عن جهالة إلى قراءة متأنية لأفكاره، والوقوف بعناية على تصريحاته، وقد رد عليه أهل العلم والإيمان، وأبطلوا مقالاته بغاية البيان، وساطع البرهان، فنعوذ بالله من زيغ القلوب والتباس الأمور ومضلات الفتن ونزغات الشيطان، ندعوهم إلى ذلك قبل فوات الأوان: (مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ)[الروم : 43]، (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً، يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً، لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً) [الفرقان:27-29].
وما كتبنا هذا البيان إلا تحذيرا لكل مسلم، من سبيل من أحاطت به خطيئته، تبياناً لما وجدنا وإفصاحاً بالحق فيما تيقنا، وما شهدنا إلا بما علمنا.
ونسأله عز وجل أن يعصمنا والمسلمين من طاعة الهوى والشيطان إنه على كل شيء قدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم