الدكتور منصور خالد رئيس مجلس ادارة شركة الصمغ العربي
1- مدخل
1- 1 عكفت خلال الشهرين الماضيين على الاطلاع على اغلب الوثائق المتاحة حول انتاج، وتصنيع، وتسويق، وتمويل عمليات، الصمغ العربي، كما سعيت في تلك الفترة ايضا للاستماع الى والتشاور مع، والاستهداء برأى، المسؤولين عن هذه المناشط والعاملين عليها، أو الذين باشروا المسؤولية عنها في الماضي، على ان اهم مشاوراتي كانت تلك التي دارت مع ممثلي المنتجين (كردفان، دارفور، اعالي النيل) ، تلك المشاورات رغم انها كانت مع ممثلي المنتجين في اكبر مناطق الانتاج، لم تك بالشمول الجغرافي الذي كنت اتمنى. وما استبان لي مما قرأت، او رسخ في ذهني عبر التشاور والاستماع، يقود الى نتيجة واحدة هي ان شركة الصمغ العربي في وضع لا يسر، وبحكم دورها المركزي في مجال انتاج وتسويق ذلك المنتج، فإن وضع القطاع بمجمله لا يبهج.
1- 2 الإقبال على معالجة وضع كهذا لابد أن يكون على مستويين:ـ المستوى الأول هو العمل الاسعافي لوقف الاستنزاف، ثم تصحيح المسار، واول ما ينبغي اسعافه هو المنتج والشجرة، فمن ضعف العقل بمكان ان يذهب سدى خير سهل المقتني، رفيع القيمة ساقه الله لنا. ـ المستوى الثاني هو السياسات متوسطة وبعيدة المدى، التي تضمن استدامة التصحيح، وتحول دون تكرار الاخطاء.
1- 3 ولكيلا يقفز احد الى استنتاج خاطئ، نقول ان المسؤولية عما لحق بقطاع الصمغ من تدهور انتاجا وتوزيعا وتنمية، مسؤولية تتشاركها جهات عديدة، ولا تقتصر فقط على شركة الامتياز، من بين تلك الجهات الدولة نفسها، اما عبر سياسات اتخذتها، او بسبب قصور عن او تلكؤ في تنفيذ اصلاحات تبنتها بهدف حماية القطاع، ومنها ايضا الممارسات التسويقية غير السوية التي لجأ اليها المصدرون المحليون الجدد، واثر تلك الممارسات على السوقين الداخلي والخارجي للصمغ، مثال ذلك التفاف بعضهم على الامتيازات حتى يتاح لهم تصدير الصمغ الخام الذي تستأثر الشركة بتصديره بدعوى تصنيع ليس هو بالتصنيع، او لضعف خبرة آخرين منهم بالاسواق الخارجية، او للجوء فئة ثالثة لخلط الاصماغ بصورة قد تضر بالسمعة الجيدة للسودان في السوق الخارجي وهذا الاخير، عمل لا اجدل له في القاموس وصفا غير الاستغشاش، وهو عمل غير صالح وطبعي ان هذا الحكم لا ينطبق على مصنعي الصمغ الذين ولجوا هذا الميدان بمهنية عالية، وحققوا بذلك قيمة مضافة فعلية للخام السوداني، ومن هؤلاء ليست هناك غير شركة واحدة.
1-4 الموضوع الرئيس لهذه المذكرة، هو البحث في أمر الصمغ العربي، وبخاصة شركة الامتياز التي تستحوذ على سوقه الخارجي، ولكن لا مدفع في مثل هذا البحث عن امرين:الاول هو ضرورة تناول دور الجهات الاخرى (غير الشركة) الخاص منها والعام، بالقدر الذي يلقي اضاءة كاشفة على اثر سياسات هذه الجهات، او ممارساتها، على قطاع الصمغ وليس فقط علي شركة الامتياز، فالخلل الذي نراه ليس وهنا طارئا، بل هو في بعض جوانبه اعوجاج قد يُفضى الى نتائج خطيرة ان لم يُقوَّم. الثاني هو حرصنا على تقديم البحث بفذلكة فيها من التفصيل ما قد يضجر العالمين بأمر الاصماغ، هذا امر نقدم عليه اولا، لان القضية تهم جمهورا اوسع، وثانيا لان المشتغلين بأمر الاصماغ كثيراً ما يحصرون القضية في حيز ضيق، كل في مجال تخصصه، بيد ان قضية الصمغ لا تقتصر علي شرائه وبيعه، او تنحصر في من هو اقدر على الشراء والبيع، وانما هي قضية تتصل اتصالا وثيقا بحماية البيئة الطبيعية، وبتقليص الفقر، وبمصير ملايين من البشر، وكل هذا يضفي عليها بعداً اجتماعياً وامنياً، وما لم تكن النظرة للموضوع نظرة تكاملية او يكون وعي كل واحد من المعنيين بها وعيا شاملا، فلا سبيل لعلاجها علاجاً ناجعاً.
1- 5 مع ذلك، وحتي لا يكون هنالك ذعر بعد هذه المقدمة، نقول ان مشكلة شركة الصمغ العربي، مثل مشكلات نظيراتها لا يعسر حلها ان كانت هناك رؤية هادية تستشرد بها السياسات وتبني عليها البرامج. وفي حالة الشركة فإن اى تحليل او تشريح او حلول لابد ان تأخذ ما يلي في الاعتبار:أ/ ما هو الغرض الذي انشئت من أجله الشركة وما هي الظروف التي استوجبت خلقها؟ ب/ ما الذي قامت به الشركة لتحقيق تلك الاغراض، اي ما هي السياسات التي اتبعتها، والوسائل التي ابتدعتها والآليات التي استخدمتها لتحقيق تلك الاغراض؟ج/ ما هو مدى الحرية التي تملكها الشركة وتتصرف في اطارها كشركة مساهمة عامة مسؤولة فقط لدى مساهميها، ولذلك ينبغي ألا تخضع لاى سلطان او توجيه من خارجها، الا بالقدر الذي يستوجبه القانون المنشئ لها او تفرضه السياسات العامة للدولة؟د/ هل انتفت الأسباب التي قادت في البدء لمنح الامتياز للشركة؟ فإن كان الرد ايجابا، فما هي الاجراءات المعدة او المقترحة من جانب الدولة للتعامل مع هذه الاسباب بعد الغاء الامتياز؟
2/ الصمغ العربي في الاقتصاد الوطني وفي البيئة الطبيعية
2 - 1 حتى مطلع العشرينيات من القرن الماضي (1922) كان الصمغ العربي هو السلعة النقدية الاولى في السودان، اى كان يسبق القطن في الصادرات، وهو اليوم السلعة النقدية الثالثة بعد القطن والحبوب الزيتية، ويمثل عائد الصمغ ما بين 15 ـ 18% من مجموع عائدات صادرات السودان غير النفطية، وقبل تسويق النفط كانت عوائد الصمغ تمثل واحدا من اهم المصادر التي تعتمد عليها الدولة لمقابلة احتياجاتها من النقد الاجنبي، وعلى خلاف كل السلع النقدية، بل كل المنتجات الزراعية الاخرى، الصمغ منتج غير مكلف، فلا هو في حاجة الى ري صناعي، او تخصيب كيماوي او رعاية، هو هبة الله لاهل الحزام المداري الذي ينتج فيه ويغطي قرابة العشرين بالمائة من مساحة القطر الكلية، ويشمل على وجه التحديد مناطق كردفان، دارفور، القضارف، النيل الازرق، اعالي النيل، هو هبة الله لهم اولا كمصدر رزق وثانيا كواق بيئي، اذ تمثل الاشجار المنتجة للصمغ (الهشاب والطلح) خط دفاع اول للزحف الصحراوي الذي يتهدد مناطق انتاجه، واغلب هذه المناطق مناطق رملية غير مستقرة، وتتراوح المعدلات السنوية للامطار فيها بين 280 ــ 450 ملم، وشجر الصمغ ايضا ينمو في السهول الطينية في وسط وشرق السودان، حيث لا يتجاوز المعدل السنوي للامطار 500 ملم، وفي تلك المناطق تتعرض التربة للتعرية المستمرة، الا ان اشجار الصمغ تعين على تخصيب الارض فيها، وكثيرا ما تتعرض تلك الارض للانهاك بسبب الرعي الجائر او التوسع الزراعي الافقي غير المنظم، مما يخل بالتوازن البيئي بين عناصر ثلاثة متكاملة هي الزراعة والغابي والرعوي.
2- 2 الصمغ سلعة محدودة الاستخدام في الداخل، رغم قيمته الغذائية والعلاجية. ولهذا ظل السوق الخارجي منذ زمن قديم هو الاكبر والاهم للاتجار فيه، ففي العهد الفرعوني مثلا كان الصمغ يستخدم في العقاقير الطبية وفي تحنيط الموميات، وكان الفراعنة يطلقون عليه اسم كامي، وفي المهدية كان الجانب الاكبر من الصمغ الذي يجمع في سوق ام درمان يوجه للخارج عبر بربر، حيث يباع القنطار منه بدولار واحد (دولار ماريا تريزا الذي كان يعرف باسم الدولار الجديد) او عبر سواكن حيث يباع بدولارين، فأهمية السوق الخارجي للصمغ تاريخية.
2- 3 وبالرغم من انتاجه في حزام يمتد من البحر الحمر الى السنغال، الا ان الجزء الاكبر منه ظل ينتج في السودان خاصة في كردفان (بالنسبة للهشاب) ودارفور والقضارف (بالنسبة للطلح). وقد برزت اعالي النيل مؤخرا (مناطق مابان، فشودة، ملوط، الرنك) كمنافس لهما، وستزداد اهميتها بحلول السلام في ربوعها، وفي العهود التي تلت اكتسب السودان في مجال الاصماغ الطبيعية ميزة تفضيلية على الدول الاخرى المنتجة له في السهل الافريقي: تشاد، نيجيريا، السنغال، وبقدر ادني الكاميرون والنيجر. ورغم ان الاسم العلمي للهشاب منسوب الى السنغال (acacia senegal) الا أن تلك الدولة اصبحت في ذيل الدول المنتجة له منذ زمان.
2- 4 تميز السودان في مجال انتاج الصمغ لم يكن فقط بسبب المساحة الشاسعة التي ينتج فيها، او بسبب النوعية الجيدة للخام السوداني وخبرات اهله الانتاجية، بل قبل كل ذلك لخصائصه الجوهرية، ففي السودان انواع كثيرة من اشجار السنط (acacia) تنمو نموا طبيعيا، أى انها اشجار غير مستزرعة ينضح منها الصمغ او يستحلب مثل الكاكموت والكرايا والترتر، الا انها لا تقارب الهشاب او الطلح من حيث الجودة والقبول لدى السوق العالمي، كما في العالم قرابة الألف نوع من اشجار السنط (acacia) التي يمكن استنضاح الصمغ منها، الا ان صمغها لا يقارب الصمغ العربي من ناحية الخصائص. ومن اهم هذه الاصماغ التي تنتج بكميات وفيرة صمغ الكاريا (Gum karya) واكثر ما ينتج في الهند (ولاية بيهار وهضاب الهملايا) وصمغ الغاتي (chatti Gum) وينتج ايضا في الهند وصمغ التراقاكانث (Gum tragacanth) وينتج في ايران وصمغ الكارو (karroo) وينتج في الجنوب الافريقي جنوب افريقيا، زامبيا، زمبابوي، كل هذه الاصماغ رغم فوائد بعضها الصناعية (صناعة الملابس، العقاقير، التماسك والالتحام بين المواد) الا انها تفتقد الخصائص التي اهلت الصمغ العربي ليكون اكثر مادة عضوية معروفة تصلح للاضافة الى غذاء الانسان وشرابه ودوائه، لانها لا تتفاعل كيميائيا مع العناصر الاخرى المكونة للغذاء او الشراب او الدواء، او فيزيائيا معها، لان الصمغ كالماء الطهور لا لون له ولا طعم ولا رائحة، ومن عجائب الاقدار ان اشجار الهشاب التي تنمو او تستزرع في مناطق اخرى من العالم لا تنتج ما تنتجه اشجار الصمغ السوداني، خاصة الكردفاني، من حيث الوفرة والجودة، مما يوحي ان لطبيعة الارض اثر في انتاج الصمغ.
2- 5 لهذا السبب ظل السودان يتصدر قائمة منتجي الاصماغ الطبيعية في العالم، بل يستحوذ على 80% من استهلاكه العالمي من ناحية الصمغ الخام، في ذات الوقت استحوذت الدول الاوروبية التي تستورد هذا الخام من السودان والدول الافريقية الاخرى، علي نسب عالية من الصمغ المصنع ذي القيمة المضافة، ففرنسا، مثلا تصدر 52% مما تستورده من الخام، والمانيا تصدر منه 30% وبريطانيا تصدر 29%. ولاسباب سنتطرق اليها لاحقا تدنت نسبة الصمغ السوداني الخام في السوق العالمي بأقل من النصف 42%، في حين ارتفعت مبيعات دول افريقية مثل تشاد من 2 الف طن في عام 1990م الى 13 الف طن في عام 1998م «تقرير الفاو» ورغم ما يتردد من ان جزءا غير يسير من الصمغ التشادي والاصماغ المصدرة من دول مجاورة في الشرق والشمال جاء اليها من السودان عن طريق التهريب، الا ان هناك اسبابا اخرى لتدني مبيعات السودان، لابد من التفطن فيها، بل ان ظاهرة التهريب نفسها هي نتيجة لاختلال في عمليات التسويق الداخلي.
2- 6 لسبب من كل هذا اتجهت الدولة منذ عشرينيات القرن الماضي لرعاية انتاج وتسويق الصمغ، ولاجل ذلك اقامت المزادات وحددت الاسعار الدنيا للسلعة، بالقدر الذي يضمن دائما دخلا مجزيا للمنتج، بدلا عن ذهاب جل الدخل لوسطاء التسويق. وثمة عوامل ثلاثة استهدفتها تلك الرعاية:ـ توفير عائد مضمون من النقد الاجنبي للدولة من سلعة قليلة التكلفة، ووضع سياسات التسويق والتمويل الرشيدة التي تكفل تحقيق ذلك الهدف. ـ حماية المنتج بتوفير عائد مادي مناسب لقاء انتاجه، اذ بدون ذلك العائد لن يكون هناك ادني حافز له لتكبد مشاق الانتاج او العناية بالشجرة، ناهيك عن الارتباط بها. ـ المحافظة على البيئة الطبيعية ومنع تدهورها بكل الوسائل، مثل مكافحة الحرائق، ايقاف القطع الجائر للاشجار، اعادة التعمير البيئي لحزام الصمغ العربي، الى جانب الدراسات العلمية التي تعين علي تحقيق تلك الغايات.
2- 7 وعقب الاستقلال تكونت في عام 1964م بمبادرة من السيد كامل شوقي مدير الغابات آنذاك، لجنة استشارية برئاسة وكيل وزارة التجارة وعضوية مدير الغابات ومحافظ بنك السودان، وممثلين لكبار مصدري الصمغ، لدراسة توقعات الانتاج واتجاهات سوق الصمغ العالمي، بهدف تحديد سعر أدني للشراء في المزادات المحلية وسعر ادني للتصدير، كما اقرت تلك الهيئة انشاء احتياطي اطلق عليه اسم مال التركيز يمول من عائد رسوم كانت تُفرض على كل قنطار يُشترى من الاسواق المحلية حماية للمنتج، خاصة بشراء ما تبقى له من محصول لم يشتر منه في السوق اي يبور في يده.
3/ ميلاد شركة الصمغ العربي
3 - 1 حتى نهاية الستينيات في القرن الماضي كانت تجارة الصمغ حرة، الا ان ممارستها انحصرت في بيوت تجارية محدودة، وعندما بلغت المنافسة بين هذه البيوتات، بل المضاربات بينها، حدا قاد الى تذبذبات خطيرة في الاسعار الخارجية كان لها انعكاسها على السعر الداخلي، اتجه المسيطرون على تلك التجارة (عثمان صالح، ابو العلا التجارية، شاكر وغلو، بيطار، ومن قبله بوكسول) للتفكير في خلق قناة واحدة للتسويق الخارجي، هذا الوعي بالمصلحة الذاتية (enlightened self -interest) يفتقده، فيما يتبدي لنا اغلب المصدرين الذين ولجوا ميدان التصدير بعد التحرير الجزئي لتصدير الصمغ العربي.تلك كانت هي الاسباب التي قادت الي انشاء شركة الصمغ العربي كشركة مساهمة عامة اكتمل تأسيسها في الثامن عشر من سبتمبر عام 1969م، وتم منحها امتياز صادرات الصمغ العربي الخام وفق قانون الامتياز لعام 1969م، بموجب قرار اصدره السيد ابل الير وزير التجارة يومذاك، ولم تك الدولة يومها مساهماً في الشركة، مما ينفي عن الشركة صفة المؤسسة العامة التي كثيرا ما تلصق بها خاصة في ما توحي به تقارير الوكالات الدولية المتخصصة (الفاو) او المؤسسات المالية (البنك الدولي). وجاءت مساهمة الدولة في تلك الشركة عرضا بعد التأميمات في مطلع سبعينيات القرن الماضي، حينما آلت اسهم بعض المساهمين اليها، وتلك الاسهم لا ترقي الى الثلث «28% من مجموع الاسهم العادية».
3 . 2
اهم ما في قرار منح الامتياز، الزام الشركة بتخصيص 20% من الارباح لما يسمى مال التنمية والتركيز، و 10% لما يسمى مال الاحتياطي، وبموجب شروط الامتياز حدد عقد تأسيس الشركة واجبات اساس لها، ولذلك ينبغي ان تكون تلك الواجبات في الذاكرة عند تقويم اداء الشركة، او الاتجاه الى نزع الامتياز عنها.. هذه الواجبات هي:أ/ الاتجار في الصمغ داخليا وخارجيا طبقا للمواصفات المطلوبة، وبالسعر والكيفية التي يحددها الوزير المختص ومجلس الادارة. والوزير المختص هنا هو وزير التجارة الخارجية، وسيظل هكذا ما لم يعدل القانون. ب/ انتاج وصناعة وتصدير الصمغ. ج/ انشاء مال للتنمية واستخدامه في الاغراض التي تؤدي بطريقة مباشرة او غير مباشرة لحماية وتقدم واستمرار تجارة الصمغ، وعلى رأسها حماية المنتج والبيئة الطبيعية للانتاج.
3 - 3 القراءة المتمعنة لهذه الاختصاصات، لاسيما الاختصاص الاخير، والادراك السليم للظروف التي استوجبت قيام الشركة، تفضيان الى نتيجة واحدة هي اننا لسنا امام شركة عادية يبتغي المساهمون فيها الكسب وتوسيع هوامش الربح، بل هي شركة تراضى المساهمون فيها الى جانب التجارة الربحية على تولي مسؤولية اجتماعية بسبب ما اسميناه الحس الواعي بالمصلحة الذاتية، فنجاح الشركة او فشلها اذن لابد ان يقاس بقدرتها على تحقيق الاهداف التي انشئت من اجلها. وعلى رأس تلك الاهداف:أ/ في الداخل: تنظيم التسويق الداخلي بهدف حماية المنتج بضمان سعر مجزٍ له لا يقل عن السعر القاعدي (hoor price) او سعر التركيز، وشراء كل ما ينتج وفي كل موسم في الوقت المناسب وبالتكلفة المناسبة. ب / في الخارج: الحفاظ على الوضع المتميز للصمغ السوداني في السوق العالمي، وتطوير ذلك الوضع عبر وسائل متعددة، منها الحفاظ على مخزون استراتيجي وقائي لا يقل عن انتاج عام، والرقابة على جودة المنتج. ج/ تطوير الانتاج برعاية البيئة الطبيعية والمجتمع الريفي حولها، وترقية البحث العلمي الذي يعين على ذلك. د/ تحقيق قيمة مضافة للسلعة المنتجة بالتصنيع، بالقدر وعلى الوجه الذي يتطلبه السوق.
3 -4 شركة الصمغ أفلحت الى حد كبير في تحقيق هذه الاهداف، خاصة في سنيِّها الاولي، فعلى مستوى التسويق الخارجي كان هناك اجماع من المستهلكين في الخارج على جودة المنتج السوداني من ناحية النظافة والنوعية وحسن الفرز والتغليف الانضباط في مواعيد الشحن، والالتزام بضوابط التصدير والمعاملات البنكية، فنيجيريا مثلا تصدر الهشاب الا ان قليلا مما تصدر يوازي الهشاب السوداني في جودته، وكثيرا ما تعمد الى خلط صمغها الهشاب بأصماغ اقل جودةً، أو لا تراعي ما يراعيه السودان في ضبط جودة ما يصدره، وقد ذاع بين مستوردي الصمغ اسما نوعين من الصمغ اصبحا رمزا ومعيارا للجودة هما (HPS) و (CAS) والاول يشير للصمغ (النقاوة) الذي يلتقط يدويا (Hand picked Sort) والثاني للصمغ المنظف عنبري اللون(Clcancd Ambcr Sort) اما على المستوى الداخلي فقد درجت الشركة على الاحتفاظ دوماً بمخزون استراتيجي. وانشأت مكاتب فرعية لها في مناطق الانتاج ومحطات لاستلام السلعة في الولايات المنتجة، ومخازن تسع ما يفوق الانتاج السنوي، واخيرا اسطول خاص للنقل. ولعل للأخير دواعيه في وقت كان المصدرون يعانون فيه من اختناقات النقل البري، بما في ذلك اختناقات السكك الحديدية، الا انه اليوم يمثل عبئا اضافيا لا مبرر له في بلد تتزايد فيه مؤسسات النقل البري ذات الكفاءة العالية