Saturday, May 27, 2006

ليسوا اخواناً وليسوا مسلمين 3

مسارب الضي
ليسوا اخواناً وليسوا مسلمين:
الحاج وراق
فقدان بوصلة سياسية أم غياب نور الحكمة 3
على عكس ما يدعي (الوطنيون)، فان الترابي حين ألقى بقنبلته عن تورط مسؤولين حكوميين في محاولة اغتيال الرئيس مبارك، لم يكن يفعل ذلك بسبب فقدان البوصلة السياسية، أو الخرف (!)، فأهدافه كانت ولا تزال واضحة، وسبق وأعلنها صراحة، وهي
(التغيير)!
فحين دعا المؤتمر الوطني الى اجتماع القيادات السياسية الشمالية تحت شعار الاجماع الوطني، كان الترابي الذي علم تلامذته (السحر) على يقين من الهدف الحقيقي لمثل هذه الدعوات عن وحدة الصف، ألا وهو الاصطفاف خلف المؤتمر الوطني بما يحافظ على احتكاره للسلطة بدعوى مواجهة الاستهداف الخارجي!
ولذا فقد رد الترابي على ذلك بالدعوة الى حكومة قومية لا يشترك فيها الوزراء الحاليون أو السابقون! ولم يكتفِ بذلك، بل أيّد استبدال القوات الافريقية بقوات دولية، كما أيّد تسليم المسؤولين عن جرائم الحرب في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية!وهكذا فان قنبلته تأتي في سياق محدد، سياق الدعوة إلى (التغيير)، وتدفع القنبلة إياها في هذا الاتجاه، بفضح وتعرية المجموعة الحاكمة في الداخل، مع تقديم حيثيات قانونية اضافية لمساعي محاكمتها في الخارج!إذن فأهداف الترابي السياسية واضحة، وكعادته، فإنه يخدمها بتصميم ومثابرة، ودون ان يتساءل حول مدى مشروعية وسائله الأخلاقية!!
* وقطعاً ان الدعوة الى التغيير مشروعة وملحة، وكما لا يخفى، فإن الانقاذ التي ظل يتداول مفاتيحها الأساسية ما لا يزيد عن الخمسين شخصاً طوال عمرها في السلطة، فإن تغيير سياساتها لابد وان يترافق مع تغيير في الاشخاص، خصوصاً أولئك المتورطين في انتهاكات القانون الدولي الانساني والشرعة الدولية، واللذين تقع ضمنهما جرائم الحرب في دارفور ومحاولة اغتيال الرئيس مبارك!ولكن في المقابل، فإن التغيير الحقيقي والأكثر جذرية يتعدى تغيير الاشخاص الى تغيير طرائق التفكير والمناهج والسياسات التي قادت إلى الأزمة.وبدون مثل هذا التغيير فإن الحركات الاسلامية الاصولية ستظل تدور في الحلقات المفرغة التي تنتهي من حيث تبدأ، فكما اختتم حسن البنا حياته السياسية بتبرؤه من جهازه السري واطلاق قولته الشهيرة (ليسوا اخواناً وليسوا مسلمين)، واختتم الترابي مرحلة كاملة من تاريخه السياسي بذات صيحة التبرؤ، فذلك سيستمر إذا تم اختزال الأزمة في حدود انها أزمة أشخاص وحسب، وليس بعيداً ان يأتي بعد عشرين عاماً أخرى أحد قيادات الحركات الأصولية الأخرى كعبد الحي يوسف أو أحمد مالك أو غيرهما فيصيح بذات صيحة التبرؤ
(انهم ليسوا اخواناً وليسوا مسلمين)!!
ولذا فإن التغيير الحقيقي لابد وان يتعدى مساءلة الاشخاص - على أهمية مثل هذه المساءلة - الى مساءلة البيئة النفسية والفكرية والتنظيمية التي تنتج هؤلاء الأشخاص، من جهة، ومن الجهة الأخرى تنتج المؤامرات والويلات ومخاضات الدم!وان مساءلة جذرية كهذه، لهي وحدها القمينة باستخلاص الدروس الصحيحة من التجربة، والاستفادة منها، ليس فقط في تصفية الحسابات الشخصية الصغيرة، أو فش الغبائن، وإنما لمعافاة الحياة السياسية في بلادنا.* ومقارنة بالمجموعة الحاكمة، فان الترابي اكثر تأهيلاً للدخول في مناقشة منتجة لمعافاة الحياة السياسية في البلاد، وذلك لأن مثل هذه المناقشة تتطلب عقلاً منتجاً، بينما المجموعة الحاكمة (خائفة) على احتكارها وعلى امتيازاتها، ولذا توظف عقلاً (خائفاً)، وهو عقل ينجح في التدابير وفي التبرير والالتواء والتضليل، ولكنه لا ينجح في انتاج معرفة صحيحة أو معرفة جديدة! ان العقل (الخائف) يشتغل على مقاس الكراسي القائمة، ولهذا فإنه لا يستطيع ان يحجز مقعداً في المستقبل!
وأما الترابي، فانه لم يعد يخاف على سلطة أو على امتيازات سلطوية، ولكنه ومع ذلك، لا يزال خائفاً، أقل من المجموعة الحاكمة، ولكنه لا يزال خائفاً على صورته وعلى مشروعيته وعلى حدود مسؤوليته الشخصية، فإذا استمر يهجس بمخاوفه هذه، فانه سيستمر يفجر الكثير من (القنابل) ولكن لن ينجح في زراعة ولو قليل من الفسائل
والمتأمل في خطاب الترابي مؤخراً، يلحظ انشغالاً بأسئلة المستقبل، أي بتأهيل حركته فكرياً بما يجعلها تستجيب لتحديات المعاصرة، كمثل تحديات حقوق الانسان وقضايا الجندر (النوع) وقضايا التعددية الدينية، وهذا هو السبب الاعمق في فتاواه الأخيرة عن الحور العين وامامة المرأة وشرب الخمر. وكذلك قنبلته الاخيرة عن محاولة الاغتيال، فاضافة الى أهدافها السياسية المباشرة، فإنها من جانب آخر تستجيب في حدود معينة لسؤال الارهاب، وهو سؤال حقيقي وأساسي من أسئلة العالم المعاصر، غض النظر عن ابتذاله لدى اليمين الامريكي الجديد أو استخدامه كأحد آليات الهيمنة في المنطقة.ولكن، مثل هذه التحديات وغيرها، لا يمكن مواجهتها، كما سبق وكررت بالاستهبال أو الاحتيال، فالنزاهة اضافة الى كونها مطلوبة في ذاتها أخلاقياً، فإنها كذلك أحد شروط انتاج أية معرفة ذات شأن.
وتستوجب النزاهة تطبيق المعايير ذاتها على الآخرين وعلى النفس، ولكن العقل المحافظ والخائف، يزْْوَر عن الوصول بالاستنتاجات الى نهاياتها المنطقية، لأنه يخاف على شيء ما أو يود المحافظة على شيء ما! وهذا ما يفعله الترابي وهو يحاول المحافظة على صورته ومشروعيته وعلى مشروعه الاصولي خصماً على الحقيقة!ويفيد د. الترابي التأمل في النكتة عن أحد المحامين الذي نصح موكله - وكان متورطاً في احدى الجرائم - بأن يكذب امام القاضي بأن يدعى الجنون! وذلك بأن يجيب على أي سؤال من القاضي بكلمة (لِق لِق لِق)! وهي لفظة دارجة تفيد الامتناع وفي ذات الوقت السخرية من الطلب نفسه! وحدث ذلك فعلاً في المحكمة، فكلما سأل القاضي المتهم سؤالاً أجابه حسب نصيحة المتهم بكلمة واحدة لا غير (لق لق لق)! فاقتنع القاضي بأن المتهم مريض نفسياً وحكم ببراءته!
ولكن حدثت كارثة المحامي حين طالب المتهم بأتعابه، فقد أجابه بذات الاجابة السابقة (لق لق لق)!!نكتة تجيب على الكثير من ادعاءات الترابي على تلامذته، فالتآمر ونقض العهود، والكذب، والعنف، وانتهاكات حقوق الانسان، وغيرها من الممارسات التي يأخذها الترابي عليهم، انما سبق واشار عليهم بها في مواجهة الخصوم، واعتمدها كأسلحة مشروعة على أساس فقه ضرورات ومصالح الدعوة! ولكن وبطبيعة مثل هذه الاسلحة فليس لها حداً تقف عنده - فكما كان الكذب في مصلحة (الدعوة) فضيلة، ونقض عهد الديمقراطية حلالاً، فمن الطبيعي ان يصل التلامذة الى اليوم الذي يرون فيه انه من مصلحة (الدعوة) كذلك (الانقلاب) و(الغدر) و(العنف) تجاه شيخهم!
وهكذا دوماً
(من يفعل مثقال ذرة شراً يره)
و
(كما تدين تدان)
و
(التسوي كريت في القرض تلقا في جلدها)
فالاغلال التي نحضرها لتقييد أيادي الآخرين عادة ما تنقلب إلى تقييد أيادينا نفسها!