Saturday, May 27, 2006

ليسوا اخوانا وليسوا مسلمين 4

مسارب الضي
ليسوا اخوانا وليسوا مسلمين :
الحاج وراق
فقدان بوصلة سياسية أم غياب نور الحكمة ؟! 4
علق المفكر السياسي ( بلامنتز) علي ادعاء الأحزاب الشيوعية أنها تمثل الطبقة العاملة بالقول ان ذلك يشبه حال من رأى إمرأة جميلة فأعجبته، فأدعى انها خطيبته دون ان يأخذ رأيها !ولأن التفكير العقائدي واحد ، وان اختلفت شعاراته ، فإن الحركات الإسلامية الأصولية تدعى ادعاءً شبيهاً ، وان كان أخطر بما لا يقاس ، حيث تدعى بأن احزابها احزاب الله ، اى ممثلة الله في الارض ! وغض النظر عن المفارقة المنطقية في هذا الادعاء ، ذلك أن حزب الله في المصطلح الديني القرآني يعني وصفا للمؤمنين ، ويختلف في دلالته عن الحزب في المصطلح السياسي ، والذي يصف جماعة تسعي للوصول الى السلطة، وبالطبع، فما من عاقل يتصور بأن الله تعالى يحتاج الى حزب سياسي لامضاء سلطانه علي كونه ! غض النظر عن ذلك ، فإن ادعاء جهة ما، بأنها مع الله ، فإن هذا لا يعنى بالضرورة أن الله معها !
* ولكن الحركات الأصولية تعتقد بأن ادعاءها كافٍ في حد ذاته لوصف حقيقتها ، فما دامت تدعى انها حزب الله، فإنها حزب الله ، هكذا، دون معايير مستقلة عن الادعاء للتحقق منه ، كمثل معيار تطابق ممارستها السياسية مع قيم الاسلام ، او مثل اخذ رأي المسلمين أنفسهم
وبالطبع، لا يمكن الحديث عن تمثيل (الاسلام) بمعزل عما تراه اغلبية المسلمين في المجتمع المعني عن ماهية الإسلام وما يعنيه . وهذه الغالبية، لا يمكن التحقق من صدق ادعاء تمثيلها الا في مناخ من حرية التداول والمناقشة، وعبر انتخابات حرة ونزيهة، تفوض فيها الاغلبية من يتحدث باسمها ! فاذا لم يكن الامر كذلك ، فما الفيصل في الفصل بين ادعاءات الحركات الإسلامية المتعددة والمختلفة التي تكفر بعضها بعضا ؟!
ان لم يكن الفيصل جمهورالمسلمين انفسهم ، فالبديل الآخر ، أن تنصب احدي الجماعات من نفسها وصية على الآخرين(بمن فيهم ادعياء كونهم حزب الله )
بالقمع والترويع
وهكذا، فإن اية دعوة لرفض الديمقراطية بدعوى تمثيل حاكمية الله ، تنتهي بالضرورة، وفي جميع الحالات، الي القمع والطغيان !!
* والأخطر أن إدعاد الحركات الاصولية تمثيل الله تعالي في الارض ، يقود الي نتيجتين كارثيتين ، تتعلقان بموضوعنا ، اى بموضوع الاخلاق في السياسة ، فمن ناحية، يقود الى الاستهانة بالوسائل ، فما دامت هذه الحركات ترى ان غايتها سامية ومقدسة ، فإن اية وسائل، وغض النظر عن اخلاقيتها ، يمكن اعتمادها لاجل هذه الغاية !ولأن الغايات غير متناهية ، بمعني ان اية غاية كلية ـ كمملكة الله في الارض ، أو الفضيلة ، او العدالة ، او الحرية ـ ليس لها حد نهائى ، فكلما تحققت في مستوى معين، يمكن تطويرها الي أعلي ، وبالنتيجة، فإن الغاية النهائىة لن تتحقق ابدا ، وما يتحقق فعلا انما هو جماع الحركة تجاه تلك الغاية ، أى أن ما يتحقق فعلا انما هي الوسائل ، وبالتالي، فإن الوسائل لا يمكن فصلها عن الغايات ، والذي ينفق عمره يكذب ويتآمر وينتهك الحقوق والحرمات في انتظار غاية ما ، فسيجد أن حصيلة حياته العملية انما هي وسائله من كذب وتآمر وخوض في الدماء !!
* والنتيجة الكارثية الثانية للادعاء الاصولي انها تسحب تمثيلها للمقدس على نفسها كحركة ، فتصير هي نفسها مقدسة ، وكذلك هيئاتها وقياداتها ، والاهم ان القداسة تنسحب على وسائلها وممارستها السياسية ، غض النظر عن اخلاقيتها ! وفي ذلك خطأ منطقي بين، لان اضافة النسبي الي المطلق لا تحول النسبي الي مطلق ، وبالتالي، فإن اضافة الدنيوي الي الديني لا تحول ماهو بشري الى مقدس ! ولتخطى هذه المفارقة، فإن قيادات الحركات الاصولية تعتمد حيلتين آيديولوجيتين ، الاولى حيلة (التأصيل) ، أى الاستشهاد بآية قرآنية او حديث نبوي او واقعة في السيرة النبوية ، واقتطاع هذا الاستشهاد ، دون هدى وبلا نور، من سياقه الكلي - سياقه الديني والاخلاقي والتاريخي ، ومن ثم توظيفه آيديولوجيا على الوقائع المغايرة والقائمة حاليا !وأما الحيلة الثانية، فإعادة التسمية ، حيث تسمى ممارسات الحركات الاصولية باسماء مستوحاة من المناخ الديني، بما يجعل هذه الممارسات تندرج في سياق مختلف عن سياقها الفعلي !
وبواسطة هاتين الحيلتين، فإن الكذب على الجماهير يتحول الي (تدابير) ! ويتحول نقض العهود الى خدعة والحرب خدعة ! ويصور استهداف المدنيين والابرياء بوصفه جهادا !
ويتحول اغتيال القيادات والرموز الي مجاهدة لائمة الكفر !
وتتحول المحسوبية والمظالم الى
(تمكين) !
وتسمي بيوت الاشباح حيث يمارس تعذيب المعارضين بيوت
(التوبة) !
ويتحول التزوير الى عبادة !!
والتحسس والتجسس الي
(أمن مجتمع) !!.
تلك نهاية إدعاء (تمثيل) الحقيقة المطلقة ، وهو يختلف جذرياً عن السعى الى (تمثُّل) القيم الإسلامية ، وللمفارقة، وعلى عكس ما تدعى الحركات الأصولية، فإن قيم الاسلام الاساسية تتناقض مع منطلقاتهم الوثوقية. فبالنسبة للمسلم ، وليس الاسلامي، فإن الايمان نفسه، دع عنك مجرد إدعائه ، ليس كافياً لوحده في الخروج من دائرة الخسران ، وذلك لأن الايمان لابد أن تتبعه وتصدقه الأعمال الصالحة :(والعصر ان الانسان لفي خسر ، الا إلذين آمنوا وعملوا الصالحات) !ثم إن المسلم ، وفي ممارسته لعباداته القطعية المخصوصة، كالصلاة والصيام وغيرها، لا يستطيع ان يجزم واثقا بقبولها عند الله تعالى ، ولذا فإن المؤمن الحق لا يتبجح مختالا فخورا، وانما يتوجه الى الله تعالي راجيا وخائفا ، هذا في العبادات القطعية ، دع عنك في (الظنيات) كالسياسة والاقتصاد والاجتماع !!
* وكذلك، فإن القيم الإسلامية ـ وعلى النقيض من تصورات الحركات الأصولية بأن ادعاءها عن نفسها كاف في حد ذاته لوصف حقيقتها ـ تربط ما بين الايمان والعمل (الدين المعاملة) ، وتنص على ان اعمال البشر يراها الله تعالي ورسوله، ويراها كذلك (المؤمنون) ! وللتحقق من صلاح هذه الاعمال، فإنها تضع معياراً اساسياً واضحا : (خيركم خيركم للناس) ـ لاحظ الناس بالمطلق ـ غض النظر عن دينهم أو عرقهم او نوعهم ! وبالطبع، فإن الناس هؤلاء يحددون بأنفسهم خيرهم وشرهم ، ولذا قيل (ألسنة الخلق أقلام الحق) ! وهكذا، فليس لحركة ما، ان تدعي بأنها تمثل الله تعالي دون ان تستشير خلق الله في صواب ادعائها، ودون ان تصدق افعالها الملموسة ادعاءها ! وليس لها أن تتورط في الاعمال المشينة بادعاء ضرورات الايمان ، وذلك لأن مصداق الايمان انما في الاعمال الصالحة !
ثم انه ليس من حق جهة بدعوي تمثيلها الله في الارض، ان تتحول الى سوط عذاب لخلق الله تعالي، فتترخص في الخوض في دمائهم وتنتهك حقوقهم وحرماتهم، وتكذب وتتآمر عليهم ، وتزور ارادتهم ، مثل هذه الدعوى مردودة، لان الخلق عيال الله، فمن احب الله احب عياله ، ثم ان
(خيركم خيركم للناس) !