الفدعق: «الردة» كسائر الجرائم بحسب خطرها على الدولة والمجتمع
الفدعق: «الردة» كسائر الجرائم بحسب خطرها على الدولة والمجتمع ... داعية سعودي يرى أن عقوبة الردة ليست «القتل» بالضرورة!
الرياض - مصطفى الأنصاري الحياة - 28/04/06//
أعاد الاهتمام الأوروبي بأفغاني أعلن ارتداده عن الدين الإسلامي وحكمت عليه المحكمة هنالك بالإعدام الجدل حول «حد الردة» إلى الأذهان الفقهية، وإلى الشارع الإسلامي الذي لم تعد أعباؤه الاقتصادية والسياسية الأخرى تمنحه فرصة مجرد التفكير في قضايا جدلية من هذا القبيل.ومع أن الفقهاء الشباب يفترض أن تكون نظرتهم إلى الإسلام والدين أوسع وأكثر تسامحاً من آخرين بلغوا من الكبر عتياً إلا أن مجموعات من هؤلاء لا تزال تتيه بين «التراث» و»الواقع».ومن بين الدعاة السعوديين الشباب الذين يحاولون خوض التحدي في تقديم رؤية إسلامية أقرب إلى التطبيق واقعياً صاحب جلسة الفدعق العـلمية عبدالله فـدعق، الذي خـص «الحـياة» بدراسة فقهية له عن «قضية الردة».لكن الداعية الفدعق بدا حذراً من إطلاق رأي قاطع مستفز لفقهاء في العالم الإسلامي والعربي، لأن الموضوع بمجمله كما يقول «أثار عواصف من التساؤلات في الساحات السياسية العربية والإسلامية... ويراه البعض قضية تجاوزتها المتغيرات، فمن أهل العلم من يرى أنها جريمة خطيرة، تهدد الركن الركين للمجتمع، المتمثل في العقيدة، ومن يرى إمكان اعتبارها جريمة تعزير، لا جريمة حدود. ومن المدعين للعلم من يرى أن الردة ليست جريمة أصلاً، وأن الشريعة قامت على حرية العقيدة، خصوصاً أن فقهاء الإسلام في كتبهم الموروثة أجمعوا على عقوبة المرتد، وإن اختلفوا في تحديدها، وجمهورهم على أنها القتل وهو رأي المذاهب المعتمدة إلا الأحناف الذين يرون أن ذلك مخصوص بالذكور من أفراد المجتمع، والكل يقر بوجوب استتابة المرتد باستمهاله لمدة اختلفوا في تحديدها».
وقبل الخوض في الجدل الفقهي الذي يحاول الفدعق قراءته من زاوية مقاصدية لم ينكر أن «قضية الردة تمثل تحديًا للأمة في إطار مشروعاتها للحوار، سواء على صعيد حوار الحضارات عبر مكافحة الصورة الإعلامية السلبية التي يحاول البعض تقديم الإسلام في إطارها. أو على صعيد حوار الأديان لمواجهة طغيان النمط المادي للحياة، أو الحوار الإسلامي مع من يستهدف انتشال الأوطان العربية والإسلامية من المواجهات الداخلية، لا سيما وأنه قد ورد في قضية الردة أكثر من 25 رأياً».وبالنظرة إلى واقع الدولة الإسلامية فإن الباحث يرى أن «الكفر بعد الإسلام» الذي اصطلح على تسميته بـ «الردة» يصنف واحداً من أخطر القضايا التي تحتاج للتصدي «وواجب المجتمع المسلم أن يقاوم الردة من أي مصدر جاءت وبأي صورة ظهرت، ولا يدع لها الفرصة حتى تمتد وتنتشر كما تنتشر النار في الهشيم (...) ومن الخطر أن يبتلى المجتمع المسلم بالمرتدين المارقين، وتشيع بين جنباته الردة، ولا يجد من يواجهها ويقاومها».ومع تسليم الفدعق بأن «الردة جريمة في النظام الجنائي الإسلامي»، إلا أنه لا يرى مناقشتها خطاً أحمر، وذلك من زوايا «ما إذا كانت تُعتبر من جرائم الحدود أم لا؟ وما إذا كانت تُعتبر عقوبتها حدًا مقدرًا لا يقبل التغيير؟ أم أنها تدخل في إطار نوع آخر من الجرائم، وتدخل عقوبتها كذلك في إطار نوع آخر من العقوبات».ويجمل الإجابة على تساؤلاته تلك بالقول: «الآيات الكريمة لا تشير من قريب أو بعيد إلى أن ثمة عقوبة دنيوية يأمر بها القرآن لتطبق على المرتد عن الإسلام، وإنما يتواتر في تلك الآيات التهديد المستمر بعذاب شديد في الآخرة مثل قوله تعالى (وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُوا وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ). ولا نجد في النصوص المتعلقة بالردة في آيات القرآن الكريم تقديرًا لعقوبة دنيوية للمرتد، وإنما نجد فيها تهديدًا متكررًا، ووعيدًا شديدًا بالعذاب الأخروي. ولا شك في أن مثل هذا الوعيد لا يرد إلا في شأن معصية لا يُستهان بها». لافتاً إلى أن قوله تعالى: «لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ» ليس من منسوخ القرآن، بل من محكمه.لكنه لاحظ أن الفقهاء أنفسهم «لا يستندون بصفة أساسية إلى آي القرآن الكريم في إثبات عقوبة للمرتد، وإنما مستندهم الأساسي في ذلك هو أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم. وإنما ترد آيات القرآن الكريم في بحث الفقهاء لعقوبة الردة بياناً لوعيد الله سبحانه وتعالى للمرتد بالعقاب الأخروي». مشيراً إلى أن عمدتهم في ذلك حديث رواه البخاري ورفضه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من بدل دينه(أي الإسلام) فاقتلوه» لقوله تعالى «إن الدين عند الله الإسلام». غير أن ذلك لم يمنع البعض من «الاعتراض على عقوبة الردة محتجين بأنها لم ترد في القرآن الكريم، ولم ترد إلا في حديث من أحاديث الآحاد، وأحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في الحدود، فهم لذلك ينكرونها، ولأن مفارقة الجماعة لا تكون إلا بالتصرف الحركي أي بالمحاربة وليس بمجرد الردة مع أن السنة الصحيحة مصدر للأحكام العملية باتفاق جميع المسلمين». وقد روى البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى أن «أعرابياً بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأصاب الأعرابي وعك بالمدينة، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد أقلني بيعتي. فأبى ثم جاءه قال: يا محمد أقلني بيعتي فأبى، فخرج الأعرابي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنما المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها». وتمنى الفاروق رضي الله عنه على أبي موسى لما لقي بعض المرتدين أثناء بعثه لفتح «تستر» أن لو عرض عليهم الباب الذي خرجوا منه أن يدخلوا فيه فإن فعلوا ذلك قبل منهم وإلا استودعهم السجن، وهناك من القرائن ما هو أكثر مما سلف.
الردة أنواع غير متساوية الخطر والعقوبة!
وعلى رغم أن الداعية السعودي لا يرى تنفيذ حد الردة - بحسب المفهوم الشائع - في الوقت الراهن متلائماً مع الظروف التي تعيشها الأمة الإسلامية إلا أنه أكد أن عقوبة الردة ليست حداً لا بد أن يكون قتلاً، وإنما هي «عقوبة تعزيرية مفوضة إلى السلطة المختصة في الدولة الإسلامية، تقرر بشأنها ما تراه ملائماً من أنواع العقاب ومقاديره. ويجوز أن تكون العقوبة التي تقررها الدولة الإسلامية للردة هي الإعدام. وبهذا نجمع بين الآثار الواردة عن الصحابة، والتي ثبت في بعضها حكم بعضهم بقتل المرتد، وفي بضعها الآخر عدم قتله». غير أنه نبه إلى أن «الحكم بردة المسلم عن دينه أمر في غاية الخطورة لا يملكه إلا الراسخون في العلم من أهل الاختصاص الذين أيضا ليسوا أوصياء على تنفيذ الحكم التعزيري بحق المرتد، فالذي ينفذ هذا الحكم هو ولي الأمر الشرعي، بعد حكم القضاء الإسلامي المختص، الذي لا يحتكم إلا إلى شرع الله عز وجل، ولا يرجع إلا إلى المحكمات البينات من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم». وخلص الداعية الفدعق إلى التفريق بين الردة الفكرية التي تعني تحول شخص من موقف ديني إلى آخر وبين الردة التي اعتبرها «خيانة للأمة والوطن، بأن يتحول المسلم إلى دين آخر ويدعو إليه ويؤلب ضد الجماعة الإسلامية».وهذا النوع من الردة هو الذي أكد عنده أن «التهاون في عقوبة صاحبه يعرض المجتمع كله للخطر، ويفتح عليه باب فتنة لا يعلم عواقبها إلا الله سبحانه، فلا يلبث المرتد أن يغرر بغيره، خصوصًا من الضعفاء والبسطاء من الناس، وتتكون جماعة مناوئة للأمة، تستبيح لنفسها الاستعانة بأعداء الأمة عليها، وبذلك تقع الأمة في صراع وتمزق فكري واجتماعي وسياسي، قد يتطور إلى صراع دموي، بل إلى حرب أهلية تأكل الأخضر واليابس».
<< Home