Monday, May 22, 2006

الترابي: فوق الزنابق..وتحت المشانق!

الترابي: فوق الزنابق..وتحت المشانق!
www.arabrenewal.com أحمد بن الحافظ - كاتب موريتاني الوسطية مبدأ إسلامي أصيل، يطلب من الكل تبنيه والاتصاف به، ويدَعيه هذا الكل نهجا وطريقا لا يحيد عنه، إلا أن المتتبع لتعاطى أمتنا مع الأحداث ـومهما كان نوعها ومصدرها ـ يدرك نوعا من الحدة يوسع الهوة والمتسع بين واقعنا الحقيقي الملموس، ووسطيتنا المفترضة المزعومة، فنتوزع ـ فى أغلب الأحيان ـ بين الإفراط والتفريط، نهاجم الخارج على آرائنا بكل شراسة وعنف، وندافع عن متبنيها بكل اندفاع وانجراف، وقد لايخلو كلا الأمرين ـ فى بعض الحالات النادرة ـ من الموضوعية رغم المغالات، بحيث تكون الآراء هي حلبة الصراع والمشادة، إلا إنه يظل الطابع المسيطر عكس ذلك. هذا الواقع "المخجل" تختزله وتختصره الضجة الأخيرة التى أحدثتها بعض آراء أو فتاوى الدكتور حسن الترابى، وما تلاها من صيحات وصرخات، تصف الرجل بأقسى النعوت وأغلظ الألفاظ أحيانا، وتوَسِمه بأعظم الصفات وأجلها أحيانا أخرى، لتغيب الحقيقة ـ فى النهاية ـ بعد أن أسدل الانحياز غطاءه السميك على موضوعيتنا الشفافة. لست هنا للدفاع عن الترابي ولا للهجوم عليه، فالتشكلة بأساسيِيها واحتياطيِيها مكتملة، والدخول إلى الحلبة من ذينك البابين يستلزم ـ على الأقل من وجهة نظرى ـ التسلح بأمور ليس أبسطها الشجاعة، واتقاد البصيرة، والوعي العميق ببعض الآليات التى يستدعيها السفر فى مجابات تلك الشخصية المتعددة الأبعاد..وغيرذلك مما لاأملكه ولا أدعيه، إلا أن فضولى وتطفلى يدفعانى للإدلاء بدلوى فى آثار تلك الهزة الفكريةالعنيفة التى ضربت ساحتنا الثاقفية الجامدة منذ أمد بعيد. لقد ظل نتاجنا الفكري المتواضع ـ رغم كل المبالغات ـ رهين تلك الثنائية الموشية بتلك الإقصائية الكامنة فى لا وعينا الثقافي، الرافضة لأي نوع من التفاعل، لتروح الحقيقة رهينة تلك المرايا الموجَهة، ولنروح ـ نحن ـ تائهين، بحثا عن شطآن آمنة، بعد أن ألغمت كل سواحلنا الطويلة العريضة ! إن رحلة مع ذلك الحدث الجلل، وما صاحبه من ردات الأفعال ‘ تكشف عمق ظلمنا لثقافتنا "العالمة" ولسيرورتهاالتاريخية، من خلال وضع تلك الآراء أو الفتاوى ـ كما يسميها البعض ـ فى غير سياقها، ولم تظلم من مناوئيها أكثر من مناصريها، لأن مصدر الظلم لم يكن هؤلاء ولا أولئك، وإنما بعض الرواسب من ثقافة تجمع الكل وتؤويه. إن الذين يدافعون عن الترابي، مضفين عليه نوعا من العصمة، وعلى آرائه بعضا من القدسية، ينسون ـ أو يتناسون ـ أن الترابي نفسه لا يقر بقدسية غير النص {القرآن والسنة} أما الفهم والاستقراء فيخضعان لمنطق الخطإ والصواب، ومن هذا المنطلق سعى جاهداإلى اختراق ذلك الجدار القدسي الذى بنيناه على بشر مثلنا يخطئون ويصيبون، من خلال عباءة الفقيه، مع احترامنا الشديد وتقديرنا له، وهو فى تلك الرؤية يستحضر ـ لاشك ـ مقولة أبى حنيفة الذائعة :"ما جاء عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فعلى الرأس والعين وما جاء عن الصحابة تخيرنا وما جاء عن التابعين فهم رجال ونحن رجال" وكان الأولى ـ تعاطيا مع الحدث فى إطاره السليم، ودفاعا عن الموقف على الطريق العلمي النزيه ـ أن تناقش الآراء ـ أو الفتاوى ـ وفق القنوات العلمية المعهودة عند المتخصصين، من ملاءمة الفهم للمقتضى الدلالي لُلغة، وقصد المشرع.. وغير ذلك، وحينها يمثل الحدث ويجسد رؤية صاحبه المتمثلة فى إمكانية ـ بل وإلزامية ـ مراجعة الفقيه ومناقشته، بعيدا عن الهتاف والصراخ، ليظهر الحق جلياً ويتسنَى الحكم سليما. أما الفريق الآخر فقد تجاوز كل الحدود فى شخصنة القضية، بعيدا عن الفكر والرأي والفقه، فكانت كلماتهم سيوفا تتطاير منها الرؤوس حدا وكفرا، متناولين الحدث من رؤية "تاريخانية" لا تخلو تحاملا، مستشهدين ببعض المواقف والشهادات، وبغض النظر عن موضوعية تلك الشهادات، وحسن نية أصحاب تلك التفسيرات، فإنها ظلت بعيدة عن الحدث، تحوم حول قشوره وبعض مظاهره، بعيدة ـ كل البعدـ عن الإشكالية وعقدتها، فأياً تكن أقوال معاصرى الترابي عنه، وأياً يكن توجه أو انتماء أولئك المعاصرين، فإن الحكمة ـ على الأقل ـ تؤخذ من غير حكيم، كما يصدق الكذوب أحيانا!! بالإضافة إلى أن ما كان ينبغى أن نبحث عنه ونناقشه ـ بالدرجة الأولى ـ هو موقف الفكر والفقه الإسلاميَين الواعيَين بالمرحلة ومتطلباتها، من آراء ذلك الملهم المجدِد، أو شطحات ذلك الملحد المرتد، ولئن كنا عشنا ردحا من الزمن تحت تأثير تخدير المبدإ القائل إن "الحجة لا يغرب" فلوعينا البسيط المشوه بالإغراب وبالحجِية، المبنيَين داخل ذلك الحيِز الضيِق المحكم الإغلاق، وإن الدكتور حسن الترابي ـ ومهماتكن صفته، مفكرا مجددا ملحدا مرتدا ـ فقد أتاح فرصة المراجعة والمناقشة ـ وليس المصارعة ـ لمناوئيه ـ حتى لاأقول شانئيه ـ قبل مريديه، وبالتالى كان يمكن لطرحه أن يكون نواة لمراجعة ثقافية متحضرة وواعية، تعيد تصحيح مسار التاريخ، لكن "الرياح تجرى بما لاتشتهيه السفن" فتخندق الكل أمام أفكاره، متمترسا بالشتم والسباب والإطراء والتقريظ.. والحقيقة أنه كان الأولى أن يجتمع الكل على المائدة، لأننا محتاجون لوقفة صدق مع الذات، لمراجعة الحصيلة التراكمية، المليئة مطبات وشوائب، واضعين نصب أعيننا مقولة الخليفة الرابع علي بن أبى طالب ـ رضي الله عنه ـ "أعرف الرجال بالحق ولا تعرف الحق بالرجال"، مؤمنين بنسبية الحقيقة فى التفسير البشري للنص المطلقة حقيقته، بعيدين عن الشخصنة والشخصانية والتنابز والتساب والتمادح والتزغرد..وغير ذلك من المسلكيات الشائنة غير المتحضرة، فالمعركة ـ بأي شكل من أشكا لها ـ يجب أن تقذف بعيدا عن بيتنا المتصدِع، فكما يقول أحد علمائنا الأجلاء مشكلتنا ليست مع من يؤول "الرحمن على العرش استوى" وإنما مع من ينكر الرحمن والعرش، وفى كل الحالات يجب أن نظل هادئين عقلانيين، غير مندفعين ولا منسابين، كما يحثنا نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ القائل "أحبب حبيبك هونا ما، عسى أن تبغضه يوما ماوأبغض عدوك هونا ما عسى أن تحبه يوما ما" وكما نردد ـ دائما ـ منتشين‘ فخورين، معتزين: لايفسد الخلاف للود قضية! تاريخ الماده:- 2006-05-13