Monday, May 22, 2006

التجديد الذي يريده الترابي: إلغاء للأصول وإنكار للفروع ـ1ـ

التجديد الذي يريده الترابي: إلغاء للأصول وإنكار للفروع ـ1ـ 06-5-2006 مفهوم التجديد عند الدكتور حسن الترابي، لا يختلف عن مفهوم التجديد في الفكر الغربي، إلغاء للماضي وتجاوز له، وتمرد على سلطان النص، وعدم الاعتراف بأي مرجعية أسمى من العقل، أو التسليم بوجود منهج أعلى يرسم للعقل طريقة تعامله مع النص، قبولا وردا، وفهما واستنباطا، وهذا أمر قد يغيب على من لم يسعفهم الحظ للاضطلاع على الفكر الغربي ومدارسه
بقلم محمد المهدي ولد محمد البشير
مفهوم التجديد عند الدكتور حسن الترابي، لا يختلف عن مفهوم التجديد في الفكر الغربي، إلغاء للماضي وتجاوز له، وتمرد على سلطان النص، وعدم الاعتراف بأي مرجعية أسمى من العقل، أو التسليم بوجود منهج أعلى يرسم للعقل طريقة تعامله مع النص، قبولا وردا، وفهما واستنباطا، وهذا أمر قد يغيب على من لم يسعفهم الحظ للاضطلاع على الفكر الغربي ومدارسه، يقول بسام ناصر: "الترابي حينما يدعو إلى تجديد أصول الفقه، لا يمارس ذلك من داخل النسق الأصولي ذاته، ولا يتعاطاه بأدوات الأصوليين وآلياتهم، بل أفكاره تقوم على مبدأ التقويض والنقض، فهو يريد أن يتحرر من طريقة الأصوليين ومنهجيتهم، ويروم أن يضع أصولاً تتفق مع رؤاه واجتهاداته"، وهذا ما عبر عنه الترابي بصريح العبارة، حيث يقول: " لابد أن تتغير النظرة إلى الأصول، وإذا كانت الأصول الإغريقية في المنطق قد تغيرت كثيراً وقد كملتها أصول في المنهج العلمي الطبيعي والمنهج الاجتماعي، فعلى المسلمين أن يستعينوا بهذا ليسخروها في عبادة الله في مسائل الاجتهاد"، مجلة المجتمع الكويتية، العدد: 573، وهو ما جعل زياد أحمد سلامة يقول عن مشروع الترابي النهضوي، إنه يقوم على "إعادة صياغة الإسلام وتكييفه حسب العادات والأعراف، والسمات الخاصة بكل شعب، بحيث يصبح الإسلام نسخاً متباينة، حسب طبيعة هذه الشعوب، مع الاحتفاظ بالقاسم المشترك، الذي يوحد المسلمين، فنصبح بإزاء إسلام سوداني، وآخر مصري، وثالث أوروبي وهكذا". وقد عبر الترابي عن هذه الفكرة في كتابه قضايا التجديد، حيث يقول: "ليس في تصريف الشرع ما ينكر، فالخطاب الشرعي لم يكن خطاب عين إلا لمن عناهم ذاتا، فلا يلي خلفهم بنصه ولفظه المباشر"، ويقول عن الإسلام مؤكدا هذا المعنى "بل جاءت شريعته -وهي دليل التدين الإسلامي- تحمل قابلية التجديد في طبيعتها ونصها، وأوصى رسولها علماء الأمة أن يكونوا لها كما كان بنو إسرائيل للشريعة الموسوية". لهذا فإن "الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة بالسودان" لم تجانب الصواب عندما قالت في خاتمة "الكتيب" الذي أصدرته بشأن الترابي بالحرف الواحد: "لقد كان خلاف الترابي طوال العقود السابقة مع العلماء حول أصول الدين والاعتقاد، وليس حول أمور قابلة للاجتهاد، وفق ضوابط الاجتهاد الشرعي"، وهو ما أكده الشيخ محمد سرور زين العابدين -في دراسته الرائعة السودان بين الشيخ ومريديه- حيث يقول: "لم يكن الخلاف بين الترابي والإخوان حول اختلاف في وجهات النظر السياسية والتنظيمية، وإنما كان فيما هو أعمق من ذلك .. في الدين والعقيدة"، ويضيف بأن الدكتور مالك بدري وهو أحد قادة الإخوان المسلمين في السودان، طلب من الجماعة ألا تحسم خلافها مع الترابي الذي كان محتدما، حتى يخرج الترابي من السجن، لعله يكون قد غير فكره، وبعد خروجه من السجن بتاريخ [2/7/1972] أرسلوا إليه الشيخ "محمود برات" ليتأكد مما إذا كان قد رجع عن أقواله الشاذة، فبدأ الترابي يراوغ في الإجابة، مما اضطر الشيخ أن يقول له: "نريد أن نحدد ماهية الإسلام ومراجعه وطريقة الأخذ عنه، ونتبين تصوره". إن الدكتور حسن الترابي لم يدرس العلوم الشرعية، بل تخصص في القانون الدستوري، حيث حصل على الماجستير في بريطانيا، و يقال بأنه أخذ الدكتوراه من فرنسا سنة 1964، ولم يترب في كنف أي حركة إسلامية، ولم تكن له صلة بالدعاة ولا بالجماعات الإسلامية، خلال مراحله الدراسية، لذا قال عنه الشيخ محمد سرور زين العابدين في بحثه الذي كتب منذ خمس سنوات: "بعض زملاء الترابي في الدراسة، وخصومه من السياسيين والإسلاميين يقولون كلاماً قبيحاً عن سيرة حياته في مرحلة الدراسة". * الترابي والتمهيد للانحراف الفكري: وقد مهد الدكتور الترابي للانحراف الفكري الذي ينظر له، بـ"كتيب" صغير الحجم قليل الفائدة صدر سنة 1977 - اشترته بما يعادل 50 أوقية موريتانية- دعا فيه لتجديد أصول الفقه، وغاب عنه أن منهج أصول الفقه إنما وضع ليعصم العقل من الخطأ والزلل، ويحوط النص ومقاصد الشريعة بسياج قوي، حتى لا يستبيح الجهلة حمى الدين، ويقتحم الأدعياء حرمة النص، فيغيروا الأحكام، ويشرعوا بأهوائهم ما لم يأذن به الله، ومناهج أصول الفقه ليست أقل شأنا من قواعد اللغة العربية أو غيرها من اللغات الأخرى، ولا أحسب أن عاقلا يدعو إلى إلغاء قواعد لغة أمته .... يقول الترابي في كتابه تجديد الفكر الإسلامي: "علينا أن ننظر في أصل الفقه الإسلامي، وفي رأيي أن النظرة السليمة لأصول الفقه الإسلامي تبدأ بالقرآن الكريم الذي يبدو أننا محتاجون فيه إلى تفسير جديد"، والذين درسوا فكر الترابي وآراءه ممن لهم زاد من الفلسفة الغربية، وصلة بالفكر الإسلامي الحديث تؤهلهم للتفكير المنطقي، وتعصمهم من "الإمعية" والانبهار بذلاقة لسان الرجل، يعرفون ماذا يقصد الرجل، وهو أمر لم يعد خاف على أحد. فهو ينظر إلى الأديان في "مسار تطورها" ـحسب زعمه- نظرة واحدة، وهو ما أكده في محاضرته الأخيرة، التي أشاد فيها بالمذهب البروتستانتي، وربما يخيل إليه الوهم أنه سيكون "مارتِن لوثر كينج" الأمة الإسلامية. وهذا ما قاله بوضوح في كتابه قضايا التجديد، حيث يقول: "ولم تعد بعض صور الأحكام التي كانت تمثل الدين منذ ألف عام تحقق مقتضى الدين اليوم ولا توافي المقاصد التي يتوخاها، لأن الإمكانيات قد تبدلت وأسباب الحياة قد تطورت"، وفي هذا السياق تأتي سخريته، من طلاب القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، حيث يقول عنهم: "هذا هو الطريق للخمول والتقوقع والتحجر، ولم تقم الجامعة لتخريج عناصر جامدة متقوقعة، وإنما فتحت للعناصر القادرة على خدمة الناس في واقعهم العصري"، وقد أنجب فكره شبابا إسلاميين" -كما يقول أحد المنسحبين من هذا التيار- "يجيدون الغناء وقراءة النوتة الموسيقية أكثر من قراءة القرآن". والعجب كل العجب ممن يزعم أن الترابي مجدد في الفكر الإسلامي، وهو يسعى إلى تقويض الإسلام ذاته، بثورته كل منهج إسلامي، وعدم احترامه لقدسية النص، ولو كانت آية محكمة، أو حديثا متواترا، إلا إذا وافق هواه، وطابق رأيه فإنه يأخذ به وإن كان حديثا موضوعا، يقول بسام ناصر: "يتشبث الدكتور بالنص القرآني، وليس ذلك عنده مطرداً، بل يغفل عنه أحياناً فيرد دلالاته ومقتضاه"، رادّاً للأحاديث النبوية الصحيحة، دافعاً في نحرها، والحجة التي يستند إليها ليست من جنس بضاعة أهل الحديث وصناعتهم، بل هي مقولات قوامها الرأي الذي يقيم العقل في وجه النقل، فيعلي من شأنه بل ويرفعه عليه، جاعلاً منه الحكم والمعيار والمرجع". وهذا هو عينه لب التجديد في الفكر الغربي، الذي يرتكز -حسب الدكتور سيف الدين عبد الفتاح- على أساسين هما: أ- التكيف المستمر في إطار من نسبية القيم وغياب العلاقة الواضحة بين الثابت والمتغير؛ إذ يعتبر فكل قيمة ـ لديهم - قابلة للإصابة بالتبدل والتحول؛ لأن الدين -عندهم- نتاج بشري متأثر بالظروف التي نشأ فيها. ب- مفهوم التجاوز المستمرة للماضي، والثورة عليه، بإحداث تغيير جذري وانقلاب في وضعية المجتمع، وفكرة التجاوز" لدى الغرب تقوم على نفي وجود مصدر معرفي مستقل عن المصدر المعرفي البشري المبني على الواقع المشاهَد أو المحسوس المادي"، كما يقول الدكتور سيف الدين عبد الفتاح. وهذا هو لب دعوة الترابي وجوهر تجديده، الذي يسعى إلى تجسيده في واقع المسلمين، ولن يقتنع بدعوة الترابي هذه إلا علماني، أو مسلم جاهل بدينه، لا حظ له من العلم الشرعي، ولا نصيب له من الفكر الرصين، أو رجل مغموز في ورعه، مطعون في دينه وتقاه. إن مفهوم التجديد في الفكر الإسلامي يقوم على أسس أشد رسوخا من أن يهزها الترابي بآرائه، أو ينال من ثباتها الأزلي، وقد صمدت طوال أربعة عشر قرنا أمام هزات أشد قوة وأكبر حجما، فلم يزدها ذلك إلا رسوخا، منذ أن هبت عواصف الخوارج، والمعتزلة، والباطنية، والقرامطة، والقاديانية، والبهائية، والاستشراق، والاستعمار، والعلمانية، والفقهاء المفتونين بحضارة الغرب خلال القرن العشرين، وستصمد هذه الأصول راسخة في شموخ أزلي، يستوعب ما يستجد من أحداث، ولا يضيق بما يطرح من تحديات، أمام هجوم الترابي ومن حذا حذوه. زعمت سخينة أن ستغلب ربها وليغلبن مغلب الغلاب إن أنصار التجديد الإسلامي الأصيل أكثر -بحمد الله- ثقافة، أرسخ قدما في العلم، وأشد ثباتا من أن يستفزهم الترابي بترهاته، يدعون إلى التجديد، ويرفضون التقوقع والانكماش، بيد أن مفهوم التجديد ـلديهم- يقوم على أسس مغايرة لما يدعو إليه الترابي، فقوامها عندهم: 1 — عدم الخلط بين منابع الدين الإسلامي "الشريعة"، وبين "الفقه الإسلامي"؛ لأن الشريعة صالحة لكل زمان ومكان، صلاح السنن التي تحكم هذا الكون وتسيره، أما الفقه فهو كسب بشري. 2- التمسك بالأصول الشرعية والأحكام القطعية وعدم تجاوزها؛ لأنها تضمن للفقه الإسلامي أصالته، وللفكر انتظامه من جهة، ولأنها من جهة أخرى تمثل جانب "الوحي" الذي يرشد العقل ويوجه التفكير ويقوم مساره. 3 - الاسترشاد بمنهج علم الحديث في التعامل مع "السنة" قبولا ورفضا، والاعتماد على مناهج أصول الفقه، في التعامل مع النص فهما واستنباطا. أما تجديد الدين الذي يدعو إليه الترابي، فإنه لا يخرج عما يدعو إليه بعض العلمانيين من ضرورة إعادة تأويل التعاليم الدينية علي ضوء المفاهيم الفلسفية الغربية، والمناهج العلمية السائدة في هذا العصر، وقد أبدى الترابي إعجابا كبير بالعمل الذي يقوم به الدكتور محمد أركون