تحولات
أقاصي الدنيا
محمد محمد خير
تحولات
غارق فى الوهم من يظن ان السودان الذى أعايشه الآن هو السودان الذى كنا نعرفه قديماً. وهذه رسالة لأصدقاء المنافى وللراغبين فى العودة على خلفية السودان الذى كان. تخلخل كل ذلك البناء. وطفحت قيم جديدة يصعب على علماء «الترمونلجى» إجتراح مسمّى لها. ليس لغموض فى بنيتها. ولكن لأنها حالة فوارة ومتجددة وكاسحة.
هناك مصادر سرية للأموال. وعادى جداً ان تجد موظفاً لا يتجاوز راتبه المائتى دولار. لكنه يملك منزلاً مناهز ثمنه المائتي الف دولار، ويقود عربة تبلغ قيمتها اكثر من ثلاثين ألف دولار. وله سطوة وسحر وغموض وشأو وبأس!
البلد كلها فى حالة طقس سرى.. تبدد ذلك الوضوح وغابت العفوية. وتلاشت البساطة وإزوّرت المعانى المصاحبة لتلك الخصال، أما الخطر الأدهى فهو أن طقس السرية أصبح قاعدة الإرتكاز وحجر زاوية الحياة الذى تصعد على أعمدته كل ما يتطلبه الغموض.
أفرزت هذه الحالة تقاليد جديدة، وقيماً مكتسبة وتعريفات مبتكرة، فالمرشتى مثلاً ليس هو ذلك الشخص المذموم الذى ينظر إليه زملاؤه نظرة الإحتقار، الارتشاء الآن «فلاحة وظيفية» تعود على شاغل الوظيفة بالنفع المباشر.
وتعريف المرتشى على أساس هذه القاعدة الجديدة «هو الشخص الذى يتقبل النقد بصدر رحب»!
التكييف الشرعى والقانونى الداعى لتعدد الزوجات. وسّع نظرة النساء لهذا الأمر، فبلغت أقصى إتساعها ونفُخت الحياة فى شرايين المسنين لما فوق الستين فى ظل التقدم العلمى المتصل «برافعات الدم» فصارت مواصفات العريس المطلوب هو الشيب المشتعل. والبصر الضعيف. والاسنان المفقودة بفعل السكرى. ولو فى ضغط يكون عز الطلب»!
جالست مسناً بمنزل الصديق عادل عبد الغنى ومن خلال الأنس عرفت انه تزوج ثلاث بنيات صغار خلال أربعة أعوام فقط وهو رجل ميسور ووارث وله دراية فى إدارة المال فسألته هل يرغب فى تكرار هذه التجارب مرة اخرى؟ وكان السؤال: هل يرغب في الزواج مرة خامسة؟ فأجابنى أنه الآن «متعلم»!
هذه لقطات من أهوال أراها يومياً. تؤكد ان هذا البلد فى حالة تحوّل يصعب على أسرع العدائين اللحاق بخفة التحول.. طقوس سرية تتسيّد الحياة مسنون فى طور المراهقة وسياسيون يراوحون مكانهم ويتحدثون بذات لغة ما بعد الاستقلال. ومن تحتهم أرض تغادر نفسها. البحر يصب فى الشمس والأرض تصب فى البحر. والشمس تحّدق فينا
<< Home